الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورة المصرية... واحتواء الهواجس الإسرائيلية

20 فبراير 2011 21:09
خالد دياب صحفي وكاتب مصري حقق ملايين المصريين ما اعتقد كثيرون أنه بعيد الاحتمال: تحدوا رئيسهم وفازوا. وبعد أن قضى مبارك ثلاثة عقود زعيماً لا منافس له لمصر، كانت نهاية نظامه، على نحو قابل للفهم، سبباً للاحتفالات والنشوة في مصر وعبر العالم العربي. وفي الوقت الذي ألهمت فيه الثورة المصرية العرب العاديين في كل مكان، قوبلت، إلى حد بعيد بالارتياب والخوف في إسرائيل. ولكن مع بدء موجة أمل يرن صداها عبر العالم العربي، فمن الخطأ الكبير أن يبقى الوضع على حاله على الجبهة العربية- الإسرائيلية. ويقلق الإسرائيليون من أنه بدلاً من التبشير بفجر من الديمقراطية في الجوار، فإن الثورة التي بدأت تنتشر هي بمثابة خريف للعلمانية. وتركز التشبيهات المحمومة على هاجس الدولة الدينية، وتفترض أن جماعة "الإخوان المسلمين" المصرية سوف تشكّل رأس حربة لثورة مضادة وتقيم دعائم السيطرة الثيوقراطية في البلاد. وعلى رغم أنني أكره الأثر الخانق لجماعة "الإخوان المسلمين" على المجتمع المصري، إلا أنني أشك أيضاً في هذا السيناريو. ففي مصر لا توجد شخصية ثورية دينية على شكل رئيس "طائفة". وضمن من يمكن اعتبارهم الآن "واجهة" للثورة المصرية محمد البرادعي، الفائز بجائزة نوبل للسلام والدبلوماسي الدولي المخضرم والعلماني الملتزم. وإضافة إلى ذلك فإن رجال الدين السنة في مصر، الذين طالما كانوا تابعين للسلطات العلمانية، غير منخرطين بشكل عام في مجال العمل السياسي، أو المشاغل والاهتمامات المتصلة به بكافة أشكالها وأنواعها. وهم بالتأكيد لا يتمتعون بنفس موقع التبجيل والتأثير التي يتمتع به رجال الدين في مذاهب إسلامية أخرى، الذين سرعان ما تسيّسوا بعد أن ابتعدوا لمدة قرون عن شؤون العمل السياسي، لتعقيدات وأسباب تاريخية يضيق المجال عن التفصيل فيها هنا. وإضافة إلى ذلك فإن المشهد الإسلامي المصري، بمختلف أطيافه، ليس فقط قادماً حديثاً إلى الثورة، ولكنه مكون أيضاً، إلى حد كبير من أناس عاديين محافظين، يأتون من صفوف المهنيين كالأطباء والمحامين والمهندسين، وليس بالضرورة أن يكونوا مسيسين أصوليين، أو متطرفين. كذلك فإن مصر تختلف كثيراً عن الدول الأخرى التي شهدت قيام الدول الدينية على خلفية ثورية، وذلك ببساطة شديدة لأن الثورة المصرية تأتي الآن لتبني على تراكم تاريخي من التحديث والإصلاح في مصر، ذات العلاقات التحديثية وثيقة الصلة مع الغرب، والتي ستبني تجربتها الإصلاحية اليوم على ما لا يقل عن قرنين من تجارب التحديث والعلمانية. تبرز المخاوف الإسرائيلية بالطبع، ليس من احتمالات أن تصبح مصر دولة ثيوقراطية، حيث إن الثيوقراطية الصديقة تعتبر، حسب تصوّري، مقبولة من وجهة نظر إسرائيلية، وإنما مكمن المخاوف هو ما إذا كان النظام الجديد سيكون أكثر عداءً لإسرائيل التي أصبحت تشعر بالعزلة وانعدام الأمان، في الفضاء الإقليمي المحيط بها. ربما تكون جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر ضمن الجماعات المعادية لإسرائيل. إلا أن الشك وانعدام الثقة والكره والخوف من إسرائيل تعتبر أيضاً خطوطاً وديباجات سياسية ثابتة في توجهات ومواقف جميع الأحزاب في مصر، نتيجة للتعاطف المصري والعربي المشروع مع مأساة الفلسطينيين، وبسبب تاريخ العدوان والإهانة الذي راكمته إسرائيل منذ وجودها في المنطقة، والذي يفيض بمشاعر الغضب إزاءه وجدان شعوب العالم العربي على اتساعه. وسيعني ذلك على الأرجح أن السلام المصري/ الإسرائيلي البارد سيصبح متجمداً. ولكن على رغم هذا التوصيف غير المتفائل فإن البراغماتية ستسود على الأرجح، ومن غير المحتمل أن تخاطر أية حكومة مصرية بالتراجع عن اتفاقية السلام، حيث أثبت الجيش المصري من خلال بلاغ واضح ومعلن أن مصر ستحترم جميع الاتفاقيات الخارجية القائمة. وعلى عكس منطق المخاوف والتشاؤم كان على إسرائيل أن تنظَر إلى الثورة المصرية ليس كتهديد وإنما كفرصة. وهنا تحديداً يحتاج الإسرائيليون إلى أن يدركوا أن الطريق إلى أمنهم يمر ليس عبر القاهرة وإنما عبر القدس والضفة الغربية وغزة. وكما أظهرت الأوراق الفلسطينية -وهي الوثائق السرية المسربة مؤخراً- بشكل لا لبس فيه أن القيادة الفلسطينية قدمت تنازلات محورية في المفاوضات، إضافة إلى عدم تجاوب إسرائيل مع مبادرة السلام العربية، وذلك بسبب أوهام العناد الإسرائيلي المبنية على اعتقاد خاطئ لدى الاحتلال مؤداه أن الجبروت العسكري يمكن أن يكون بديلاً عن السلام. فالسلطة المبنية على الظلم ومنطق الغطرسة والقوة العمياء، كما اكتشفت الآن بعض النظم العربية، تتهاوى في نهاية المطاف. وفي نظري الشخصي أن لدى المصريين ما يبرر تصرفهم بعد الثورة إذا حافظوا على مسافة أمان من إسرائيل. ولكن يتعين عليهم التوقف عن تجاهل الإسرائيليين لأن ذلك يذكي نار الخوف الشعبي بأن العرب لا يريدون السلام مع إسرائيل، وإنما يريدون هزيمتها وتدميرها بأي أسلوب متاح. والأسلوب الوحيد لإبعاد هذه المخاوف وبناء الأرضية الشعبية الضرورية للسلام هو الانخراط في حوار مباشرين لمعالجة كافة الملفات الخلافية على مستوى الجذور. تستطيع الثورة المصرية أن تفتح الطريق لعهد من الحرية في الشرق الأوسط، ولكن حتى يتسنى عمل ذلك يتعين على العرب والإسرائيليين أن يحطّموا قيود التاريخ والإجحاف الخوف. ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©