السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كينيا وحكومة الأربعين وزيراً!

17 ابريل 2008 01:02
اتفقت معظم التعليقات التي صاحبت إعلان الرئيس الكيني ''كيباكي'' ومنافسه العنيد ''رايلا أودينجا'' توصلهما إلى اتفاق وطني لإنهاء الأزمة السياسية الحادة التي كادت تطيح بالدولة الكينية وتهدم مؤسساتها، على أن الاتفاق ليس هو الأفضل ولكنه الوحيد الممكن عملياً أن يضع حداً لتدهور الأوضاع في كينيا الآن ويسمح بعودة الأوضاع إلى شكل من الاستقرار السياسي، يجنب البلد ويلات الحرب الأهلية التي لاحت نذرها -بل وقعت في بعض الأقاليم- في الفترة التي أعقبت إعلان ''كيباكي'' فوزه -المشكوك فيه- في انتخابات الرئاسة الأخيرة· أبرز بنود الاتفاق الذي وصفه الرئيس الكيني بأنه إنجاز وطني كبير، ينص على أن يشكل ''أودينجا'' -الذي أصبح رئيساً للوزراء- حكومة وحدة وطنية من أربعين وزيراً تضم ممثلين لكل القوى الحزبية والقبلية والجهوية المتصارعة حول السلطة، لقد ''غنم'' التحالف الذي يقوده ''أودينجا'' إلى جانب رئاسة الوزارة، منصبي وزير الخارجية ووزير العدل، وهما منصبان رئيسيان في التشكيل الوزاري الكيني ظل الصراع حولهما يدور بين الرئيس ومنافسه العنيد لمدة ستة أسابيع توقفت خلالها الحركة الاقتصادية بشكل لم يقتصر تأثيره على كينيا وإنما تجاوزه إلى جيرانها الأقربين الذين يعتمدون في حركة الصادرات والواردات على ميناء ''ممباسا'' منفذهم البحري الوحيد الى العالم الخارجي· وبرغم أن نغمة من التفاؤل الحذر قد سادت أحاديث وتعليقات المعلقين والمحللين السياسيين، إلا أن قضية ما بعد تشكيل حكومة الأربعين وزيراً وما سيصحبها من تعيينات لوزراء الدولة والسكرتيرين البرلمانيين والسفراء في السفارات الكينية الرئيسية في الخارج ووكلاء الوزارات في الداخل، ستبقى العقبة الأولى الكبيرة التي يتعين على الفريقين المتصالحين تجاوزها بشكل يمكن الحكومة الموسعة الجديدة من مباشرة مهامها اليومية في وقت تتراكم فيه المشاكل والقضايا التي خلقتها أحداث ما بعد الانتخابات الرئاسية أمامها· فكينيا اليوم تدخل مرحلة سياسية أصعب وأخطر مما شهدته عقب إعلان استقلالها وانتخاب ''جومو كينياتا'' رئيساً للجمهورية، فذلك البلد يواجه اليوم ضمن ما يواجه من قضايا حادة، قضية التراضي الوطني بين قبائل وعناصر إثنية متعددة، ظلت منذ أن وقع الانقسام الكبير بين ''جومو كينياتا'' ''وأودينجا'' الأب بعد أن قادا معاً بنجاح معركة التحرر الوطني والاستقلال، تعيش حالة من الخصام مع دولة الحزب الحاكم على عهد حكومتي الرئيس ''آراب دانيال موي'' وخلفه الرئيس ''كيباكي''، هذا الخصام والإحساس بالتهميش والظلم الذي مارسته حكومات ما بعد الاستقلال على أقسام كبيرة من شعبها هو الإفراز السياسي للصراعات والأوضاع القبلية المتدهورة التي هي سمة أفريقية اليوم وليست قاصرة على كينيا وحدها، وإذا كان الصراع في بعض وجوهه يبدو وكأنه صراع بين قوى سياسية منتظمة في أحزاب ومنظمات ديمقراطية لكنه في جوهر الأمر صراع بين صفوة قبلية احتكرت باسم الديمقراطية والدولة الحديثة السلطة والثروة وبين نظرائها من الصفوة في المعارضة، زادها عمقاً الفساد المالي والإداري في كينيا وغيرها من بعض الدول الأفريقية والذي لم تعد أخباره وأحداثه سراً يذاع لأول مرة! وثانية العقبات الكبيرة التي تواجه حكومة الأربعين وزيراً، والتي لا بد لها من حل وعلاج عاجل يعيد الاستقرار والأمن إلى كينيا، هي قضية مئات الآلاف من المواطنين القرويين الذين أجبروا على النزوح والتهجير من قراهم بسبب المعارك التي اندلعت بين الفرقاء السياسيين واتخذت ذلك الشكل القبلي الكريه، إن أكثر من 600 مواطن كيني قد شردوا من منازلهم وديارهم، يعانون اليوم أوضاعاً قاسية وينتظرون من حكومة الوحدة الوطنية إعادتهم إلى منازلهم وقراهم التي دمرتها أحداث الأشهر الأخيرة الماضية، وبدون تحقيق العودة العاجلة وتوفير أسباب الحياة والأمن لهم، فإن الأوضاع ستبقى مرشحة للانفجار، وهو انفجار -لو حدث- سيطيح بحكومة الوحدة الوطنية وباتفاق المصالحة المتركزة عليه· على أن أشد التعليقات مرارة على تشكيل حكومة الأربعين وزيراً، قد جاء على ألسنة مواطنين كينيين عاديين تساءلوا بسخرية مُرّة: كيف يمكن لبلد وشعب هو على حافة الإفلاس، أن يسدد فاتورة حكومة أربعين وزيراً وما سيتبعهم من مناصب وسيارات ومنازل ونثريات؟! لكن يبدو أن لطلب الاستقرار والأمن في مثل الحالة الكينية ثمنا يجب أن يدفعه الشعب الطامح للاستقرار والأمن، وأمام الأشقاء في كينيا وقريباً منهم تجربة أشقائهم في السودان! عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©