الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هيمنة السرد في للحزن خمسة أصابع

هيمنة السرد في للحزن خمسة أصابع
17 ابريل 2008 01:15
منذ الوهلة الأولى لابد من التفريق بين محوري الانتقاء والتأليف، اذ الأول يشير الى الاستعارة شعرياً والثاني يشير الى الكناية نثراً، الاستعارة هنا ذات صيغة تبادلية محكومة بنظام المشابهة واضطراب المجاورة أما الكناية فذات منظومات تتابعية مقدرة بالقرينة واضطراب المشابهة· الشعر استعاري والرواية ذات مكون كنائي وبالطبع هذا لا يغفل امكان تداخل هاتين المنظومتين مع البعض ولم نستشهد بهذا المفهوم المعرفي الذي اقترحه وشغل حقبه من تفكير الشكلانيين رومان ياكوبسن بخاصة الا لنحاول من خلاله قراءة نص روائي صدر أخيراً عن مشروع ''قلم'' الذي اطلقته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وهي رواية ''للحزن خمسة أصابع'' للسينمائي والكاتب محمد حسن أحمد· يقدم الروائي لنصه بهذه العبارة التمهيدية التي تبقى مؤشراً دلالياً على فعل غائب لم تفصح عنه، وبذلك ربما تؤكد امكانية اكتشاف سرها داخل المتن المنتظر للقراءة والتي يقول فيها ''الى سائق التاكسي الذي أقل والدي لسنوات من باب البيت الى السوق الداخلي''· وقبل ان ندخل الى موضوعنا حول تعالق الشعر والرواية/ الاستعارة والكناية التي تحدثنا عنها في الاستهلال النصي هذا، نريد ان نحلل رموز العبارة التمهيدية التي جاء بها الروائي في اهدائه هذا، العبارة نص سردي كامل يمتلك عناصر سردية تعاقبية ''سائق تاكسي، الأب، الانتقال اليومي للأب من البيت إلى السوق الداخلي'' وكل ذلك مضموم بعنصر غائب فيه شعور عاطفي جارف يحاول الروائي بثه بالتعاطف الذي ينهض بإهداء عمل روائي لشخص وصف بمهنته لا باسمه بالرغم من ان السائق يتردد عبر الزمن ''سنوات'' الى دار الأب ولذا من الطبيعي ان يلصق اسمه في الذاكرة وتبدو محاولة تغييب الاسم ـ المقصودة ـ هي بمثابة البحث عمن يشابهه داخل النص الروائي وهي بذلك دعوة للاكتشاف الرمزي لهذه الشخصية الغائبة في الإهداء، الحاضرة في المتن· ومن هنا تتشكل لدينا ثنائية اولى هي الغياب/ الحضور، مستدعية المتلقي كي يستدل عليها داخل النصب من أجل إلغاء التباين هذا وفي مجمل هذه الوحدة السردية عناصر أساسية تجعلها ان تكون نصاً منفصلاً بذاته ومتصلاً في الآن نفسه بالنص الأكبر ''الرواية'' بوصفها متناً حكائياً كاملاً· النص الحكائي في قولنا عن شعرية الاستعارة ونثرية الكناية نجده خارج المتن واضحاً وبشكل مبسط عبر هذه العبارة الثانية التي يستشهد فيها محمد حسن أحمد لفعل جامع وعام وهي ''وحده الحب يأتيه الموت ناقصاً'' وكأنه بذلك يشير الى معنى النص الحكائي الذي ستؤكده الرواية، وهو بذلك ينحو منحى الكثيرين الذين يستشهدون بنصوص شعرية أو نثرية لكتاب تدل الى حد ما عما يعنيه النص سواء كان شعرياً أو نثريا· رواية ''للحزن خمسة أصابع'' تتكون من خمسة فصول وكل فصل يتكون من خمسة أقسام ما عدا الفصلين الثالث بأربعة أجزاء والرابع بثلاثة أجزاء ثم يتألف الفصل الخامس بخمسة أجزاء مع الفصلين الأول والثاني وكل واحد منهما بخمسة أجزاء أيضاً وبذلك يمكن التعبير عنه بهذه التعاقبية الناقصة والمكتملة ''1/،5 2/،5 3/،4 ،3,4 5/''5 وكأن الروائي ربما بشكل لا واعي قد اسقط ثلاثة عناصر من الفصل 3 أسقط واحداً ومن الفصل 4 قد أسقط اثنين·· وهذا بتصور امكانية تحققه في المتن الحكائي بوفاة ثلاثة شخوص وهم ''مراد، زينب، وابنتهما نورة'' في حادث سير· اعتقد أن العدد 5 قد اشتغل في الرواية بشكل مهيمن يمكن الاستدلال عليه وبشكل واضح جداً وربما بذلك يمتلك دلالته المعنوية التي سحبت الروائي محمد حسن أحمد بشكل عفوي الى تبني هذا الرقم بكثافة غير معهودة في التراث العربي الذي هيمنت عليه نظم الرقم 3 أو سبعة· المكان والسرد الرواية تدور أحداثها في الإمارات (رأس الخيمة، دبي، ثم في بيروت، وفي ألمانيا) وهي في مجملها مروية بضمير المتكلم الذي يضطلع به السارد ناصر السرهيد· يسرد ناصر عالماً بانورامياً في بداية الرواية عن طفولته ورائحة المكان التي ظلت تلاحقه طوال حياته عالم أزقة رأس الخيمة وذكرياته عن الصمت في ممرات العمر، والاصدقاء والبقالة والراديو الصغير وأمه وأبيه والخبز الأفغاني والجرائد الهندية والمشروع المسرحي في حياته الذي نفذ في ''كراج مقابل صالة خليل للحديد'' وكل ذلك أرخ له بعام 1993 صيفاً ثم ينتقل الى وفاة صديقه ''مراد وزوجته زينب وطفلتهما نورة في حادث مروّع تحدثت المدينة عنه لأسابيع·· حيث تقول تقارير الشرطة إن رأس زينب وابنتها نورة وجدا خارج السيارة ملتصقين كقبلة أخيرة··'' ثم يلخص حكاية ''مراد وزينب'' حين تزوجت زينب رغماً عن أهلها من ''مراد'' الذي لا يحمل أوراقاً ثبوتية ومدون في الوطن بختم إنساني سمّي بالتلاحق·· بدون''· هنا تظهر ثنائية الغياب/ الحضور غياب مزدوج تؤكده أصول مراد غير المعروفة في النص الروائي وغيابه في الإهداء الذي لابد ان يتزاوج ويتماهى في شخصية روائية كما حلنا أما الحضور فهو المفصح عنه بالاسم ''مراد'' الذي ربما يعني الغاية أو التمني الذي لم يتحقق باكتسابه الجنسية· يظل هذا الغياب العائلي لمراد وزينب ونورة الهاجس الذي يؤرق السارد ناصر والذي تقوم عليه الرواية بسبب ما يتركه ''مراد'' من صور فوتوغرافية لعالم يحبه الناس البسطاء والتي حين أقام معرضه الأول في الجامعة كونه مصوراً فوتوغرافياً بالأسود والأبيض كانت سبباً تعرفه بالطالبة ''زينب'' ويقيم معها علاقة حب تنتهي بالزواج رغم عدم موافقة أهلها· هنا داخل المتن قلنا إننا نلحظ اشتغال العدد 5 كمهيمن إلا ان الروائي محمد حسن أحمد ليس منفصلاً عن البنية الموروثية لمركبات أو مكونات ذهننا الخرافي اذ نلحظ في هذا الحوار الاستيعادي على لسان السارد ناصر: 1 ـ مراد·· ماذا ستسمي من في بطني؟ 2 ـ مراد·· هل أنت جائع، لدينا خبز وبيض الليلة، ولا شيء غيرهما· 3 ـ مراد·· أمي تريد أن أذهب معها الى حفل زفاف ابنة خالتي ولا فستان لدي؟ 4 ـ مراد·· لدي 500 درهم لأصلح سيارتك· 5 ـ مراد·· نورة تمشي انها خطوتها الأولى· 6 ـ مراد·· اذهب الى المستشفى حرارتك تزيد، لدينا ما يكفي لشراء الدواء، ثم ''في الشهقة السابعة قبل ان تطير الرؤوس وتبقى الأجساد لمقبرة الوطن، قالت بصوت خافت مليء بالدموع: 7 ـ مراد·· في الجنة سنلتقي، هناك، لا يسألك الله من أين أنت''؟ النسق السباعي هنا نجد نسقاً سباعياً عبر 7 حالات خطاب موجهة من زينب الى مراد بما يقابل بالموروث الفكري 7 سماوات·· أما السماء السابعة فهي ''الجنة'' المتحققة في الخطاب الملفوظ وبالموروث الفكري معاً ولو دققنا قليلاً لوجدنا ان الحالات بالتوصيف تتماهى مع الشخوص في الواقع ''الزوج/ مراد، الزوجة/ زينب، البنت/ نورة والسارد العليم'' وهي 7 أيضاً· هذا الموت هو المثير شعرياً في خطاب محمد حسن أحمد ففي الجزء الثاني يتحول خطابه الواقعي النثري الكنائي الاخباري اذ ''ان الادب الرومانسي والرمزي استعاري أما الأدب الواقعي فكنائي'' كما هو عند ياكوبسن يتحول الى خطاب رومانسي، رمزي، استعاري، شعري ''لا موت دون عناق نبدو منتهين من القسوة وماء السراب يتدفق صلواتنا الضالة أيتها الروح المنتمية لهندسة الجسد أين كانوا يسكنون بداخلي'' حيث يستخدم محمد حسن أحمد صيغة المخاطب بالرثاء وهنا تكمن سيطرة الشعر بصيغه الرمزية والاستعارية وبذلك لم يستطع الروائي ان يبقى ضمن إطار الكنائية الواقعية، وبذلك يستخدم توصيفات شعرية من داخل ذات شاعرة لا من رؤية بصرية لسارد موكل بالحكي عن جميع الشخوص· الموت مهيمن الرقم 7 عارض، الرقم 5 مهيمن·· لذا تبرز لدينا مهيمنتان في الرواية الموت العارض، الناقص، والرقم 5 الذي نلاحظه في تشكلات متعددة أولها شكل أو المبنى الحكائي عبر فصول الرواية الخمسة وقبل ذلك في عنوان الرواية ''للموت خمسة أصابع'' و''زينب فتاة تبلغ الخامسة والعشرين أي خمس وعشرين سنة من الأنوثة 1 والشعر الطويل 2 والثياب الملونة 3 والمال 4 والدلع ''5 ''ص''31 حيث نلحظ النسق الخماسي لا يأتي عبر المعدود المضاعف 25 بل يأتي ايضاً عبر الملفوظ المتنوع للصفات الخمس لشخص واحد هو زينب· يقول ناصر السرهيد السارد ناقلاً حوار اخته ''كفاية'' معه ''ما زلت حزيناً'' على مراد يا ناصر؟·· قالتها وهي تنظر الى عيني بعد مرور 5 أشهر على وفاة مراد وعائلته'' ''ص''42 وفي حوار ''ليليان'' صديقته اللبنانية معه يقول السارد ناصر ''قالت: ماذا تقولون الى الله في صلواتكم الخمس كل يوم بالضبط'' ''ص''69 ثم ''في الخامسة من عمري رغبت بركوب الدراجة الهوائية لأول مرة'' ''ص''71 ثم ''أكثر من خمسة أشهر وأنا بعيد عن الوطن'' ''ص·''77 المهيمن الفاعل في الفصل الثالث يخفت الرقم 5 ولا يذكر الا مرة واحدة وبهذا يتناقص الفصل الى 4 أجزاء وفي الفصل الرابع ينعدم هذا الرقم الى الصفر فيتناقص الفصل الى 3 أجزاء· ولكن لأن المهيمن فاعل الى درجة الاستفزاز داخل اللاوعي فإن الروائي يصر على أن يكون فصله الخامس مشكلاً من خمسة أجزاء حتى ان أحد الاجزاء مكون من كلمتين فقط وهما ''أسود فاتح''· ومن الغرابة حقاً أن الروائي قد أنهى روايته بالأرقام مثلما ابتدأها· ''في الساعة الخامسة من يوم بارد في باريس'' ''ص''112 المقطع الأخير في الرواية ثم ''في نفس الليلة فجراً بقيت في الفراش اتأمل اصابع قدمي العشرة'' ''ص''113 الجملة الأخيرة في الرواية· هنا لابد ان الرقم 5 قد يشكل حالة صدمة في لاوعي الروائي الذي خرج الى النص واضحاً وبلا لبس· ناصر السرهيد يعيش مع اخته ''كفاية'' ويعشق ليليان حبيبته في لبنان ويقيم معرضاً للصور الفوتوغرافية التي خلفها صديقه مراد وزواج كفاية من سلطان الياهي ثم مرض كفاية واجهاضها، كل تلك الشخصيات تتحرك ضمن أحداث بسيطة ومتعلقة بشخوص تربطهم علاقات أسرية واحدة الى حد ما· وكما يبدو ان هذا النص الروائي يندرج تحت ما يسمى برواية الشخصيات حسب فوستر في بناء الرواية حيث العامل الأساسي الذي بنيت عليه الرواية هو عنصر الشخصية في الحدث لا الحدث في الشخصية· يعتمد الروائي محمد حسن أحمد على عناصر استرجاعية كثيرة نافياً العناصر الاستباقية مطلقاً· الاسترجاع يعني رصد أحداث ماضية خارج زمن الحكاية ومنها الاسترجاعات المخالفة وهي خارج مسار الحكاية الاصلية والاسترجاعات المطابقة وهي التي تختص بمسار الحكاية الأصلية تنقسم الى نوعين هما التكميلية التي تملأ بتقدم الزمن فراغاً متأخراً الأخيرة والتكرارية التي تبقى مستقلة في زمنها، وما لدينا في رواية ''للحزن خمسة أصابع'' لمحمد حسن أحمد استرجاعات مطابقة في أعمها كما في قصة اغتصاب ''فاطمة'' اخت مراد من قبل سائق التاكسي ''وليس من ذكرى أصعب من آلام شقيقته فاطمة التي اغتصبت من قبل خمس سنوات وتركت تنزف في منطقة صحراوية'' ''ص''63 واستذكارات السارد لقصة ''ختانه'' وقصة حبه لـ''منيرة'' التي تزوجها ابن عمها السكير، المفلس· وجميع الاسترجاعات في النص الروائي تأتي عن طريق ''الاستذكار'' بوصفها مقصاً ''مضمنة'' تزرق داخل النص الاكبر اي الحكاية الأساسية لاضاءه العمل أو لمحاولة دفع حياة جديدة داخل النص لتحضير القارئ على اعادة تجديد تواصله مع النص الأصل بحسب أوستن وارين ورينيه ويلك في ان القصة الصغرى المضمنة اعادة لحياة ربما تفقد في لغة السرد ومن هنا يضاء العمل من جديد الا ان هذه القصص الاسترجاعية المضمنة ليست لها علاقة بالحكاية الكبرى هنا بل هي منفصلة تتعلق ببنية الشخوص، الحكاية لدى محمد حسن أحمد بسيطة تتعلق بهاجس الموت الذي يخافه السارد ناصر السرهيد عبر موت مراد وزينب ونوره ابنتهما ولهذا تراه يعمد الى استذكار كل ما يتعلق بهذه الشخوص الأربعة تاركاً زمن القصة الى زمن أبعد منه في الماضي· أما عناصر الشعرية فتتكرر لأكثر من مرة انظر ص32 وص51 وص··63 وهي موظفة بحس يندرج ضمن إطار عام للشخوص محور الرواية ''مراد·· مصور فوتوغرافي فنان'' و''ناصر·· الذي يعشق الكتاب فيؤسس دار نشر فراديس في بيروت'' و''كفاية·· الإعلامية والصحفية التي تتزوج من سلطان الياهي'' و''نورة·· التي تعشق رسم سمكة''·· وكأننا بذلك أمام شخوص يهتمون بالفن في عناصره المختلفة· التضمين القصصي للأحداث الصغيرة في حكايات الشخوص ليست ارصادية بل هي بؤر وظفت للكشف عن أجزاء من حياة الشخوص وهذه الأجزاء ذات طابع حزين في أغلبها مما يجعل الحزن وبالتالي الموت هاجس الرواية وبذلك صعد هذا العنصر ''الحزن'' في العنوان فصار ''للحزن خمسة أصابع''· ''الخيال'' أيضاً يأخذ شعراً كبيراً من الرواية، اذ يتخيل السارد علاقات واحداثاً بين الشخوص يختلقها بحكم حسه الشعري فيتصور أحداثاً صراعية أو حوارية بين الشخوص وقد يطول زمن التخيل هذا حتى انه يصبح أطول من زمن القصة ص،79 أو قد يتناوب الخيال والواقع ''زمن القصة'' في السرد، الا ان الأهم الاشارة هنا الى ان الروائي محمد حسن أحمد قد استخدم اللونين الأبيض والاسود الذي التقط من خلالهما مراد كل أعماله الفوتوغرافية في شكل النص الروائي توظيفاً حين لعب الروائي على الحياة البريئة ''البيضاء'' وأحداث الحزن ''السوداء'' ليخلق نصاً يطابق عناصره الداخلية بين ''المبنى والمتن''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©