السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أدوات المعرفة

أدوات المعرفة
17 ابريل 2008 01:22
كنّا قد أومأنا في مقالة لنا، أنّ الغرْبَ كثيراً ما يراجعون تدقيقَ معارفهم، ويجدّدون من إِهاب مناهجِهم، فلا يزال الآخِرُ ينتقد الأوّل، ويحاول تجاوزَه دون أن ينكر سبْقَه، ولا أن يُلْغِيَ سبْقَه· ونودّ أن نركّز اليوم، بشكل أكثرَ تفصيلاً، في خوض هذه المسألة، وهي عناية أهل الغرب بوضْع مجموعة من الأدوات الإجرائيّة لتناوُل المعرفة في مستوياتها العليا، ونعني بهذه الأدوات الإجرائيّة مدوَّنة المصطلحات الخالصة لكلّ علم، وهي التي تُعَدّ بمثابة المادّة الأوّليّة للخوض في العلم· وعلى أنّنا لا نريد أن نجاوز، هنا، قَدْرنا، فنخوضَ في قضايا العلوم الدقيقة والطبيعيّة التي ليست من اختصاصنا؛ وإنّما نعني، فقط، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة· ولو جئنا، اليوم، نقارن بين ما أُلِّف من معاجم المصطلحات في هذه العلوم في اللّغات الأجنبيّة، وما ألّفناه، نحن العربَ، لأُصِبْنا بالانبهار، ولاعتورنا الخجل الشديد حتّى نعثرَ في أثوابنا! فنحن لا نزال عالةً على غيرنا، نستمدّ أصول المعرفة من كتابات الغرْب، ولا نكاد نُبدع شيئاً· والحقّ أننا لو قلّدناهم، ونقلْنا عنهم، لَما لامَنا في ذلك لائمٌاً، بحكم أنّ المعرفة هي مِلْك مشترَك بين النّاس جميعاً، وكما كان الأجدادُ نقلوا معارفهم عن الإغريق والهند والفرس، ثمّ هضموا ما نقَلوه، قبل أن يعمِدوا إلى الإبداع العلميّ: لكنّنا لا نكاد نصنع شيئاً ذا بال، والجهود مشتّتة بين علمائنا في المشرق والمغرب، ولم نضعْ برنامجاً واضحاً ومنهجيّاً لنقل المعرفة الغربيّة نقلاً رصيناً رزيناً، قبل الانطلاق إلى إنتاج المعرفة من وجهة نظرنا، ومن طبيعة فكرنا··· ولعلّ أكاديميّة الترجمة التي أُنْشئت في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أن تأتيَ على تحقيق بعض مطامح العرب··· فقد مضى علينا زمن طويل لم نكد نصنع فيه شيئاً لندخل من خلاله سجلّ التاريخ الحديث··· ونعود إلى مسألة تجديد المعرفة وتدقيقها في الغرب بتعدّد كتب المصطلحات ومعاجمها، وكثرة الموسوعات المعرفيّة وتنوّعها؛ وليس ذلك من باب التكرار والاجترار، ولكنْ من باب التجديد والتدقيق، ومجاوزة الآخر للأوّل، واللاحق للسّابق، فنجد معاجم وموسوعات في الفلسفة من أعظمها معجمُ المصطلحات الفلسفية لأندري لالانْد، وهو الذي أخذ منه أخذاً كثيراً جميل صليبا في وضْعه معجم المصطلحات الفلسفيّة؛ ومعجم المصطلحات السِّيمَائيّة لفريماس وكورتيس، ومنها أيضا المعجم الموسوعيّ لمصطلحات علوم اللّغة لطودوروف وديكرو (وأعاد النظر في معلوماته وموادّه أوسلاند ديكرو وجان ماري شافر ''المعجم الموسوعيّ الجديد لعلوم اللّغة'')، وقد نقله منذر عياشي نقلاً غير رصين إلى العربيّة انطلاقاً من وقوعه في الخطأ في العنوان نفسه حيث جعل هذا الفاضلُ اللغةَ لساناً، وبينهما فرْق كبير··· في حين أنّ جهود العرب لا تزال محتشمةً لاضطراب المعرفة في أذهاننا، ولحاجتنا الشديدة إلى التّدقيق في فهم هذه المعرفة الجديدة في الغرب قبل نقْلها إلى العربيّة نقْلاً واضحاً ودقيقاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©