الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

معجزة الإسراء والمعراج

29 ابريل 2016 04:07
يعيش المسلمون في هذه الأيام في ظلال ذكرى الإسراء والمعراج، هذه الرحلة الإيمانية التي كانت تكريماً من الله- سبحانه وتعالى- لرسوله- صلى الله عليه وسلم-، وكانت معجزة انتقلت بها الدعوة الإسلامية من الضعف إلى القوة والانتشار، وكانت بحق رحلة إيمان وتثبيت لسيد الخلق- عليه الصلاة والسلام-، وتأتي هذه الذكرى لتملأ الأرجاء بأريج النبوة وتشدّ قلوب المسلمين إلى التأمل في هذا الحدث العظيم الذي كرَّم الله- سبحانه وتعالى- به نبينا محمداً- صلى الله عليه وسلم-، فأذهب عنه الهمَّ والغمَّ وأَكَّد مكانته عند ربه، فعاد من الرحلة المباركة منشرح الصدر واثقاً بأن الله ناصره ومتمّ نوره. فليست حادثة الإسراء والمعراج مجرد واقعة تتناولها الأقلام كحدث تاريخي مضى وانقضى عهده، أو معجزة لرسول انفصلت بزمانها عن واقعنا المعاش، وإنما هي معجزة حيَّة باقية يتردد صداها عبر المكان والزمان، وتستضيء القلوب بنورها الوهَّاج وسراجها المنير، فتسمو بذات المسلم وترقى به وتفتح أمامه أبواب القرب من الله - سبحانه وتعالى-. ومن المعلوم أن رحلة الإسراء والمعراج هي ثمار صبر السنين، وفيض عطاء الله رب العالمين لرسوله الكريم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم، وذلك مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، «سورة الزمر: الآية 10»، ففي عام واحد تتابعت على النبي- صلى الله عليه وسلم- الخطوب وأحاطت به المحن، فقد استخفّ به سفهاءُ قريش بعد موت زوجه خديجة- رضي الله عنها - وعمه أبي طالب، وقد كَانَا له عوناً وسنداً وسُمِّى العام الذي مَاتَا فيه بعام الحزن، واشتدَّ عليه وعلى من معه إيذاء قريش، حيث لم يَعُدْ بمكة شيء يكفّ عنه أذى الأعداء، فخرج- عليه الصلاة والسلام- إلى الطائف لعل قبيلة تواسيه، أو أحداً يؤويه، فلم يجد إلا عناداً واستهجاناً، فقد قابلوه بجفاءٍ وأغروا سفهاءَهم وأطفالهم فرجموه بالحجارة حتى دَميتْ قدمهُ الشريف، فلم تهنْ له عزيمة ونادى مولاه بقوله: إنْ لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي. ورجع إلى مكة مهموماً حزيناً، حيث لم يجد من يُعينه على تأدية رسالة ربه، وفي ظل هذه الظروف الصعبة جاءت معجزة الإسراء لتنقله من قساوة أهله إلى عناية ربه، فقد أراد الله - سبحانه وتعالى - أن يُسرِّى عنه وأن يطلعه على بعض آياته الكبرى، ويريه بعض آثار قدرته العظمى، فأسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات العلا، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تكريماً من الله سبحانه وتعالى لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-. الربط بين المسجدين إنَّ من أهم العظات والعبر المأخوذة من رحلة الإسراء والمعراج هي التفكر في ربط الله- سبحانه وتعالى- بين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى بمدينة القدس، فهذا الربط لم يكن عبثاً، ولكنه إشارة وتنبيه لهذه الأمة حتى لا تفرط في المسجد الأقصى المبارك لِمَا لَهُ من القدسية عند الله سبحانه وتعالى، وقد تجلى ذلك الربط في أمور عديدة، منها: * لقد ربط الله- سبحانه وتعالى- بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى المبارك برباط وثيق في الآية الأولى من سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). * كما ربط الرسول- صلى الله عليه وسلم- المسجد الأقصى المبارك بشقيقيه المسجد الحرام والمسجد النبوي، فقد جاء في الحديث الشريف: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـمَ- وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»، (أخرجه البخاري)، فهذا يدل على الاهتمام الكبير الذي أولاه الرسول- عليه الصلاة والسلام - للمسجد الأقصى المبارك، حيث ربط قيمته وبركته مع قيمة وبركة شقيقيه المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. * لقد كان المسجد الأقصى المبارك القبلة الأولى للمسلمين منذ فُرضت الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، حتى أَذِنَ الله بتحويل القبلة إلى بيت الله الحرام، كما جاء في الحديث الشريف: عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - يقول: «صَلَّيْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحوَ بيتِ المقدس ستةَ عشرَ شَهْراً أو سبعةَ عشر شهراً ثم صُرِفْنَا نحْوَ الكعبة»، (أخرجه مسلم). * كما أن المسجد الأقصى المبارك هو ثاني مسجد بُنِيَ في الأرض بعد المسجد الحرام فلسطين أرض مباركة قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ((وَنَجَّينَ?هُ وَلُوطًا إِلَى الأَرضِ الَّتِي بَ?رَكنَا فِيهَا لِلعَ?لَمِينَ)، «سورة الأنبياء: الآية 71». لقد ذكر الإمام القرطبي في تفسير الآية السابقة: «يريد نجينا إبراهيم ولوطاً إلى أرض الشام وكانا بالعراق، وذكر أيضاً: أن الأرض المباركة هي بيت المقدس؛ لأنَّ منها بَعَثَ الله أكثر الأنبياء، وهي أيضاً كثيرة الخصب والنموّ، عذبة الماء»، (تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 11/‏‏305)، وورد في تفسير ابن كثير: «عن أبيّ بن كعب قال الأرض التي بارك الله فيها للعالمين: هي الشام، وقال قتادة: وما نقص من الأراضي زيد في الشام، وما نقص من الشام زيد في فلسطين. فإذا كان ما حول المسجد الأقصى مباركاً، فَمِنْ بابٍ أولى أن تكون البركة فيه مضاعفة، لذلك فإن أرض فلسطين كلها أرض مباركة. فلسطين أرض مقدسة قال تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)، «سورة المائدة: الآية 21». جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير للصابوني في تفسير الآية السابقة: «المراد بالأرض المقدسة: بيت المقدس وما حوله»، (مختصر تفسير ابن كثير للصابوني 1 /‏‏ 502)، كما جاء في تفسير التحرير والتنوير للإمام ابن عاشور في تفسير الآية نفسها: «والأرض المقدسة بمعنى المطهّرة المباركة، أي التي بارك الله فيها، وهي هنا أرض كنعان، وهذه الأرض هي أرض فلسطين»، (تفسير التحرير والتنوير للإمام الشيخ ابن عاشور 6/‏‏162). والآية تشتمل على خطاب موسى - عليه الصلاة والسلام - لقومه بدخول الأرض المقدسة، وفيها دليل على أن القدس وفلسطين مقدسة في الأزل، قبل أن يَحِلَّ بها قوم موسى؛ لأن وجود المسجد الأقصى في القدس وفلسطين، قبل حلول بني إسرائيل في فلسطين، وقبل أنبياء بني إسرائيل الذين يزعم اليهود وراثتهم. فلسطين الملجأ وقت اشتداد المحن أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عَنْ ذِي الأَصَابِعِ، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ، أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ، يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ»، (أخرجه أحمد). بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©