الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مع المسؤولين والشرطة في أسبوع المرور الأول

مع المسؤولين والشرطة في أسبوع المرور الأول
21 مايو 2009 02:50
لم تكن أبوظبي في بداية الستينيات معروفة لمعظم أبناء الأمة العربية.. فهي قبل ظهور النفط فيها وحكم الشيخ زايد رحمه الله لها عام 1966 كانت مجرد جزيرة معزولة عن البر يقيم فيها عدد قليل من السكان، ولم تكن مساحتها في ذلك الوقت تزيد على ستين كيلومتراً مربعاً. بالعودة إلى الإحصائيات الأولى عن السكان نجد أن إحصائية عام 1967 قدرت سكان إمارة أبوظبي بحوالي 35 ألف نسمة.. وفي الكتاب الذي أصدره مركز الوثائق بوزارة شؤون الرئاسة لدولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 1972 ذكر أن السكان في ذلك التاريخ يصل إلى مائة ألف نسمة من مواطنين وأجانب. هذا يعني أنني عندما وصلت إلى أبوظبي في بداية عام 1971 كانت جزيرة أو مدينة أبوظبي عاصمة الإمارة لا يسكنها إلا عدد قليل من الناس مواطنين ووافدين، ولكنها مع ذلك كانت أشبه بورشة عمل لا تتوقف ليلاً ونهاراً، فالقائد الشيخ زايد يصنع دولة جديدة على رمال الصحراء وينهي سنوات المعاناة التي عاشها أبناء وطنه قبل ظهور النفط وفي ظل الاحتلال الاستعماري البريطاني للمنطقة من عُمان وحتى قطر والبحرين. كانت عائدات النفط في تلك الفترة متواضعة جداً، حيث لم تكن أسعاره تتجاوز الدولار ونصف الدولار ولم تكن حصة أبوظبي من هذا السعر تتجاوز السبعين سنتاً ولم يكن الإنتاج يتجاوز كذلك الستمائة ألف برميل يومياً. ومع ذلك ومن خلال هذه العائدات المتواضعة التي سخرها القائد كاملة لتحقيق الأمل وإنجاز مشروع الدولة قائلاً قولته المأثورة: «إذا كان الله منّ علينا بالثروة فإن أول ما فعلناه لكسب رضاه وتوفيقه هو تسخير هذه الثروة لخدمة الشعب». وقد لاحظت منذ اليوم الأول لوصولي أن هناك شوارع تفتح وتعبد، وعمارات تبنى، وخدمات تقدم في جميع المجالات بدءاً من الصحة وانتهاء بالخدمات البلدية. وبالفعل بدأ اسم أبوظبي ينتشر وبدأت أخبار النهضة تتواصل وتجعل منها منطقة جذب لجميع الباحثين عن فرص عمل أفضل ودخل أكبر. ولا أنكر أنني مع جميع أفراد الرعيل الأول الذين وصلوا إلى أبوظبي من ضمن الشباب العربي الباحث عن فرصة أفضل ودخل أكبر وحياة أكثر استقراراً.. لا أخفي أنني بهرت بالهدوء الذي وجدته في المدينة سواء في شوارعها أو أسواقها، والذي يرجع أساساً لقلة عدد السكان في المدينة وقلة عدد السيارات في الشوارع. ورغم أن شوارع أبوظبي كانت قليلة إلا أن شرطة المرور كانت نشيطة، وأذكر أن أسبوع المرور الأول الذي شاركت فيه شهد نشاطاً غير عادي وغير مسبوق بالنسبة لي ولفعاليات كثيرة في مجتمع أبوظبي آنذاك مثل الطلاب والطالبات وفتيان وفتيات الكشافة الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع رجال المرور يوقفون السيارات ويجرون عمليات فحصها للتأكد من سلامتها الميكانيكية والكهربائية.. وعلى رأسهم كان سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان وزير الداخلية الذي كان حريصاً على تفقد هذا النشاط لتحقيق الهدف المرجو منه.. وبحكم تقديمي لبرنامج «الشرطة في خدمة الشعب» بإذاعة أبوظبي قمت بإجراء مقابلة في الطريق مع سموه تحدّث فيها بشكل رائع وجميل عن أهداف أسبوع المرور وأهمية الالتزام بقواعد المرور حرصاً على سلامة الجميع سواء كانوا سائقين أم من مستخدمي الطريق. لم يخف جميع المقيمين والزائرين لأبوظبي في ذلك الوقت مدى الأمان الذي يغمر المدينة بفضل العيون الساهرة لرجال الأمن الذين كان يدفعهم الحرص والحماسة إلى التواجد في أي مكان تحدث فيه حادثة أو يكون مسرحاً لنشاط مخالف للأمن إلى درجة أننا كنا نترك سياراتنا في المواقف مفتوحة فلا ينقص منها شيء.. ولا يقترب منها أحد.. كان الأمان غامراً بفضل ذلك الرعيل الأول من رجال الأمن بقيادة ذلك الإنسان الحريص والباسم دائماً سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان أطال الله عمره. في ذلك الزمان الجميل لم نكن نهتم بعمل الأقفال لبيوتنا ولا نخشى من النزول إلى الشوارع بعد منتصف الليل.. وبحكم اطلاعي على تقارير الحوادث اليومية الصادرة من شرطة العاصمة كنت أدرك أن الأمن مستتب وأن حوادث السرقة معدومة وحوادث المرور قليلة جداً قياساً بمدن أخرى أو مجتمعات غير مجتمع أبوظبي.. أما الحوادث الأخرى فهي نادرة. اهتمت القيادة منذ بدء المسيرة بقيادة المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله» وولي عهده الأمين في ذلك الوقت صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ببناء جهاز الأمن على أحدث النظم التي تتبعها أجهزة الأمن العالمية، ومن أجل ذلك أرسل شباب الإمارات إلى بعثات دراسية في بعض الدول الغربية والعربية وما زلت أذكر ذلك اللقاء الإذاعي الأول الذي أجريته مع أحد الضباط المتخرجين حديثاً من كلية الشرطة في جمهورية مصر العربية في عام 1971 وهو الأخ سعيد هلال الذي كان مكتبه في موقع قريب من منطقة المستشفى المركزي (طبعاً أزيل الموقع الآن وقام مكانه عمران جديد آخر). كان سعيد هلال في ذلك الوقت حديث التخرج لا يحمل إلا نجمة واحدة ولكنه كان يحمل ثقافة رائعة ويتحدث بروح المسؤول الذي يعرف حجم الواجب الملقى على عاتقه لتحقيق الأمن والأمان في هذا المجتمع الجديد ولهذه المسيرة المباركة. أتمنى أن يكون تسجيل ذلك اللقاء الإذاعي ما زال موجوداً في الإذاعة لأنه يجسد فعلاً هذه الروح التي حفظت الأمن والأمان والتي قام عليها البناء الأمني العظيم الذي تتمتع به دولة الإمارات العربية المتحدة كلها في هذا الزمان. ولقد ارتقى ذلك الضابط مع الأيام إلى أن وصل إلى مسؤولية مدير جهاز أمن الدولة قبل أن يتقاعد ويترك المهمة هو ورفاقه من الرعيل الأول لجيل جديد من الضباط والقادة يذكرون بالاعتزاز والحب والتقدير تلك الجهود المباركة التي قدموها لنصل إلى هذا المستوى الرائع العظيم من الأمن في دولة الإمارات العربية المتحدة. لقد رفع أبناء ذلك الرعيل شعار الشرطة في خدمة الشعب.. وكانوا فعلاً يطبقون هذا الشعار ويقدمون أروع الأمثلة في التضحيات لترفرف راية الأمن فوق ربوع هذه الدولة العظيمة. وما لا يمكن أن أنساه هو أن رجال الأمن في ذلك الوقت كانوا يقومون بدور إصلاحي اجتماعي كبير، فكم من شكاوى وصلت إلى أقسام الشرطة المختلفة في أبوظبي.. فتنتهي بصلح وعودة للوئام والسلام بين الشاكي والمشكو عليه.. وقبل أن تصل إلى القضاء.. ففي مكتب الضابط المسؤول كان يتم اللقاء ومناقشة الخلاف من جميع جوانبه.. ويقدم الضابط الاقتراحات المناسبة لإنهاء الخلاف وإعادة الوئام. وهكذا كان لهم دور إصلاحي اجتماعي مشهود لا يمكن أن ينسى. شيء آخر لا يقل أهمية.. كان جميع رجال الشرطة حتى الأفراد ذوي الرتب العادية نماذج يقتدى بها فهم على درجة عالية من الكفاءة وحسن الخلق، ولا يمكن وهذا معروف ومشهور في جميع أنحاء العالم أن يتصرف تصرفات مسيئة.. بل وأقولها بوضوح لا يمكن أن يقبل رشوة أو حتى هدية والويل لمن تسوّل له نفسه أن يفعل ذلك لأن رجل الشرطة في الإمارات يعتبر ذلك إهانة شخصية والقانون في الدولة يساعده على عقاب من يحاول تقديم أي رشوة إلى أي فرد من رجال شرطة دولة الإمارات العربية المتحدة. وهذا لا يعني أن الشرطي يحمل روح الترفع بل إنه دمث الخلق، يتصرف بروح المحبة والصداقة. ولقد قامت بيني وبين العديد من ضباط وأفراد الشرطة في ذلك الزمان الجميل صداقات بقيت وستبقى إلى آخر العمر. لا أنسى أبداً في هذا المجال أسماء مثل المرحوم معالي حموده بن علي والذي قدم حياته كلها في خدمة هذا الجهاز العظيم وأستعير هنا بعض أبيات من رثائية معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة بفقيد الإمارات حموده بن علي: لماذا أرى الحزن يبني سدوده أمام دموعي وينفي وجوده أأنكر حاجة عيني لدمعٍ يقول: وداعاً، وداعاً حموده رفيق خطاي صديق صباي وصاحب روح الوفاء الودوده معاً نحن عشنا هنا فوق رملٍ عرفنا نداه العظيم وجوده وسرنا معاً في ركاب زعيمٍ وكنا بكل اعتزازٍ جنوده ستبكي عليك عيونُ رجالٍ رأت فيك كل الصفات الحميده فمثلك يبقى وإن مات حياً بأفعال خيرٍ تظلُّ شهوده كذلك لا أنسى المرحوم خلفان السويدي والذي كان يشغل منصب رئيس قسم التأشيرة ثم أصبح فيما بعد مديراً عاماً لإدارة الجوازات والجنسية. لم يكن سكرتيره يمنع أحداً من الدخول إلى مكتبه المفتوح دائماً، وكان هادئاً إلى درجة لافتة للنظر.. يحل مشاكل الجميع ويتفهم مواقف الشاكين ويتخذ قرارات تتوافق مع روح الكرم والإنسانية متخطية حدود القانون بما لا يضر. ربطتني بالمرحوم صداقة حميمة وخسرت بفقده واحداً من أخلص وأوفى الأصدقاء.. بل أكاد أن أقول إن الرعيل الأول كان يعرف أهمية الصداقة والعلاقة الإنسانية ولذلك كنا نعيش وكأننا أفراد أسرة واحدة. كان ذلك الزمان جميلاً بالفعل. خليل عيلبوني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©