الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نحن والزمن

نحن والزمن
21 مايو 2009 03:00
أعتقد أن توفيق الحكيم كان يسخر من فكرة خلود الإنسان وانتصاره المطلق على الزمن في مسرحيته «أهل الكهف». صحيح أن المسرحية تعتمد على قصة دينية معروفة، ورد ذكرها في القرآن الكريم، عن أولئك الفتية الذين لا يهم الاختلاف حول عددهم، فليس ذلك هو المهم، الأهم أنهم مجموعة فرت من الطغيان والظلم والقتل، ولجأت إلى كهف خفي، اختبأت فيه وكانت معجزة الرحمة الربانية أنها أنزلت عليهم السكينة في هيئة نوم عميق، استغرقوا فيه، وفقدوا إحساسهم بالزمن من حولهم، وبعد سنوات عديدة جدا، طويلة جدا، استيقظوا من نومهم دون أن ينتبهوا إلا إلى أن اليقظة عادت إليهم كعودة الوعي الغائب، فيتطلعون حولهم، لكنهم لا يدركون حدوث فارق جذري في الكهف، فالكهف هو الكهف، جزء من الطبيعة الثابتة التي لا تتغير، ولا تتبدل إلا في الظاهر، فجوهرها الثبات، على النقيض من جوهرنا الذي هو التغير، ويخرجون من الكهف لكي يعودوا إلى حياتهم السابقة. وتتتابع المفاجآت الفاجعة من وجهة نظرهم. يكتشف الأزواج أن زوجاتهم فارقن الدنيا منذ سنوات بعيدة جدا، وأن أولادهم شاخوا وماتوا، و تركوا أحفادا بدورهم، وأن الحبيبة التي كان يعشقها أصغرهم شاخت، وماتت، وتحولت إلى تراب. باختصار، ذهب الأهل والأحباب والأصحاب وأبناء الأقارب، أما الحياة نفسها، فلم تعد هي الحياة التي يعرفونها، تغيرت ملامح كل شيء، ولم يعد في الحياة التي كانوا عليها من يذكرهم، أو يبقى حتى على ذكراهم التي بهتت ملامحها في الوعي تدريجيا مع تتابع الأجيال إلى أن اختفت من الذاكرة الجمعية، وأصبحت أقرب إلى ضباب بلا ملامح. وكان لابد أن تستحيل الحياة مع كل هذا التغير، فلا قريب ولا ونيس ولا صديق ولا حتى حيوان أليف، لا أسباب للشجار أو الألم أو الفرح، كأنهم لم يعودوا منتسبين إلى حياتهم التي أخذها الزمن ومضى دون أن يترك أثرا، ويحاولون جاهدين أن يعيدوا وصل حياتهم بما كان حولهم، لكن سدى فالإنسان تاريخ وذاكرة ووعي بالآخرين، فإذا انمحى التاريخ كضباب يذوب تحت شمس قاسية، وانداحت الذاكرة في أمواج الزمن المتكررة أبدا، وغاب الوعي بالآخرين لأنهم اختفوا، وحل محلهم غرباء تماما، يزيدون الكائن إحساسا بالغربة والاغتراب فما الذي يبقى من الإنسان وما العلاقة التي يمكن أن تربطه بما كان يسميه حياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©