الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فالس مع بشير».. الحياة في فوهة بندقية

«فالس مع بشير».. الحياة في فوهة بندقية
21 مايو 2009 03:15
آري فولمان Ari Folman، مخرج سينمائي إسرائيلي (48 سنة)، ولد بحيفا، وفاز شريطه: «رقصة الفالس مع بشير» Valse avec Bachir بالجائزة الذهبيّة (الاوسكار) لأفضل فيلم أجنبي، واختاره النقاد الاميركيون كأفضل وأحسن فيلم لعام 2008. والفيلم هو شريط كرتوني مبهر، يستعرض فيه المخرج، وهو جندي سابق، مشاهد علقت بذاكرته من اجتياح الجيش الاسرائيلي للبنان عام 1982، ويصف المخرج الفيلم بأنّه ضدّ الحرب، وأنه موجّه للمراهقين الإسرائيليّين الذين يقول فولمان إنّهم يتابعون الحروب التي تشنّها إسرائيل، كما أنّها كانت فيلما أميركيّا أبطاله رجال أقوياء ووسيمون، واثقون من أنفسهم، ويتّسمون بالشّجاعة دائما. وصورة الجنود الاسرائيليين، وفق فولمان، هي لدى الرأي العام الاسرائيلي صورة جنود قد يعتريهم بعض الخوف وهم يحاربون، ولكنّهم في الأخير يظهرون دائما في مظهر المنتصرين بفضل تآزرهم وتضامنهم. خائفون.. تائهون وفي شريطه السّينمائي «رقصة الفالس مع بشير»، لا وجود لمثل هؤلاء الأشخاص أو لهذا التصرّف، فلا أثر للتّضامن بين الجنود، أو الأخوّة، ولا وجود للشّجاعة. هناك فقط مجموعة من الأشخاص يتمّ نقلهم من مكانهم إلى آخر ولا علم لهم بالتّدقيق بما يجري، ويظهر الجنود في بعض المشاهد وهم مختبئون في الخنادق، ويعترف المخرج الإسرائيلي بأنّه تعمّد أن يظهرهم كما رآهم: خائفون وتائهون. يتحدث المخرج آري فولمان في الشريط عن قصته هو عندما كان في التاسعة عشرة من عمره، جنديا في صفوف الجيش الاسرائيلي. يلتقي ذات ليلة في حانة مع صديق قديم له، ويخبره هذا الأخير بأنه يعاني من كوابيس ليليّة، يرى نفسه فيها مطاردا بـ26 كلبا، وهو نفس عدد الكلاب التي قتلها عندما كان جنديا في صفوف الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياح إسرائيل بيروت عام 1982، لقد أمره رؤساؤه بإطلاق النار على الكلاب التي كانت بنباحها تدل المقاومين على اقتراب الجنود منهم. نفس عدد تلك الكلاب أصبحت تلاحقه في أحلامه المزعجة. وفي اليوم الموالي لهذا اللقاء تعود إلى بطل الفيلم (وهو المخرج نفسه) ذكريات حرب لبنان، ويحاول أن يسترجع صورته، صورة الجندي الذي دخل بيروت مجتاحا، ولأول مرة يشعر برغبة في البحث عن الحقيقة عن تلك الحرب، ويقرر لأجل ذلك الاتصال ببعض الجنود الذين كانوا معه، وهم اليوم، متواجدون في أنحاء شتى من العالم، واستجوابهم لاسترجاع شتات ذكرياته. وفعلا فإن الفيلم الكرتوني تضمن شهادات حقيقية لجنود إسرائيليين بأصواتهم، والفيلم في بعض جوانبه يشبه الشريط الوثائقي أو الريبورتاج الحربي حتى أنه يظهر في نهاية الفيلم صورا حقيقية من أرشيف الحرب. صبرا وشاتيلا لقد فسخ المخرج من ذاكرته الأحداث التي عاشها وطوى صفحة ماضيه العسكري المرتبط بالحرب في لبنان، ومشاهد العنف والموت والوحشية التي كان شاهد عيان عليها، ولكن اللقاء مع زميل سابق له دفعه لفتح الدفاتر القديمة، ليتذكر تلك الحرب البشعة، فسرّب في كل لقطة مشاهد استمدها من ذكرياته، والفيلم يركز بشكل خاص على مجزرة صبرا وشاتيلا، من وجهة نظر جندي عاش الحدث عن كثب، ورأى مئات الأطفال والنساء قتلوا غدرا وغيلة، وبعض المصادر تشير الى أن ثلاثة آلاف شخص تم اغتيالهم بوحشية في تلك المجزرة. كان ذلك يوم 16 سبتمبر 1982، ويبرز الفيلم مسؤولية الجيش الاسرائيلي في المجزرة بتواطئه مع الميليشيات اللبنانية التي ارتكبتها انتقاما لاغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل. وبالتالي فإن عنوان الفيلم: «رقصة الفالس مع بشير»، مستمد من لقطة في الشريط الكرتوني لجندي إسرائيلي يطلق وابلا من الرصاص من رشاشه وهو في حالة هستيرية لشدة جزعه، وظهر وكأنه يرقص رقصة «الفالس» الشهيرة، ويبدو خلفه ملصق يحمل صورة بشير الجميل. شاهد الفيلم 120 ألف إسرائيلي، ويقول المخرج إنّهم اهتمّوا بنوعيّة الفيلم في شكله أكثر من اهتمامهم بالرّسالة السّياسيّة التي تضمّنها، مضيفا «إنّ السينمائيّين الإسرائيليّين لا يحظون باهتمام كبير لدى الجمهور الإسرائيلي»، وأعلن المخرج أنّه تمّت مشاهدة الفيلم في مخيّم صبرا وشاتيلا وأنّ عائلات الضّحايا احترمت، حسب قوله، ما جاء في الفيلم، كما تمّ عرضه في الضفّة الغربيّة، ورام اللّه، وأنّه لم تتم دعوته لحضور العرض لعدم إمكانيّة ضمان سلامته. وجاءت أشد الانتقادات للفيلم من أقصى اليسار الإسرائيلي الذي عبّر عن رفضه وكرهه للشّريط لأنّهم رأوا أنّ العرب في الفيلم أشباحا لا تتكلّم، أي أن المخرج لم يظهر المقاومين للاجتياح ولم يبرز مواقفهم. وأمام هذا النقد أعلن فولمان صراحة: «إنّي لن أكون عربيّا، وعلى العرب أن ينتجوا أفلاما تخصّهم»، معترفا: «إنّني إسرائيلي وعسكريّ سابق، وعلى الفلسطينيّين أن ينتجوا أفلاما ليعطوا هم مفهومهم وتفسيرهم لما حصل في صبرا وشاتيلا»، يضيف المخرج، في حديث صحفي للمجلة الفرنسية «نوفال أوبسرفاتور» متذكرا تلك الفترة: «عندما كنت في الجيش، وأتحصل على رخصة في إجازة قصيرة فإنّي أعود إلى مدينة حيفا بطائرة هيلكوبتر في ظرف زمني لا يتجاوز العشرين دقيقة لأكون بين أهلي، وهذا الانتقال السريع بين عالم الجيش وجوّ الحرب، وبين الحياة العامّة كدت أن أصاب بالجنون. كنت أنتقل بسرعة مذهلة بين أجواء الحرب والقصف والدّمار، إلى حياة أخرى مختلفة ترى فيها الفتيات الجميلات على الشّاطئ، وهي شواطئ تشبه كثيرا شواطئ لبنان، نفس السماء، نفس البحر، نفس الرّمل. إنّه أمر مرعب حقّا أن تجد نفسك محاطا بشباب يتعاطون المخدّرات، والموسيقى تندلع من كلّ مكان. فالانتقال بين الحرب التي كنت اخوضها والحياة في حيفا كان امرا مرعبا ومفزعا لي». سخرية مرّة والشريط السينمائي الكرتوني الذي شاهده في فرنسا فقط قرابة خمسمائة ألف متفرج يتسم بسخرية مرة من الحرب، كما يتضمن مواقف مناهضة للحرب، علما بأن المخرج نفسه انتج شريطا كرتونيا مدته دقيقة ونصف الدقيقة نال شهرة واسعة اثناء الحرب الاخيرة على غزة وصور فيه ببراعة وابهار طفلا فلسطينيا محاصرا في غزة، في مشاهد مؤثرة. ويعترف المخرج الإسرائيلي أنّ حزب اللّه كان، حسب تعبيره، عدوّا صلبا وعنيدا، وأنّ حرب عام 2006 كانت حربا حقيقيّة، أمّا عن حرب غزّة فهو يقول إنّها لم تكن حربا حقيقيّة مضيفا: «رأيت فقط عسكريّين يدخلون ويطلقون النّار على كلّ شيء يتحرّك. كان غزوا وحشيّا مدمّرا لكلّ شيء ولم تكن حربا، لأنّنا لم نكن نرى (العدوّ) في أيّ مكان». ويستنتج المخرج الإسرائيلي أنّ كلّ الحروب هي حروب حمقاء وبشعة ولا معنى له، وانها تدمّر كلّ شيء وتفسده، ومؤكّدا أنّ ساسة إسرائيل هم دائما في حاجة لاختراع صراع. وعبّر عن يقينه بأنّ الشّبان الإسرائيلين الذين حاربوا في غزّة سيشعرون في المستقبل أنّهم خاضوا حربا بشعة في غياب أيّ نيران للخصم. إنّها، كما يصفها، حرب قذرة، شنّها سياسيّون إسرائيليون مهووسون بالانتخابات، وأيّدهم 84% من الإسرائيليين».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©