الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«دليل إلى الأسواق الناشئة»... نظرة تحليلية لفرص جديدة

«دليل إلى الأسواق الناشئة»... نظرة تحليلية لفرص جديدة
26 فبراير 2014 01:14
- تأليف: مجموعة خبراء - أعدّه للنشر: آيدان مانكتيلو - ترجمة وعرض: عدنان عضيمة اعتادت مجلة “الإيكونوميست” الاقتصادية الأسبوعية التي تصدر في لندن في حجم المجلة، على جمع وترتيب المقالات والبحوث التي تتناول موضوعاً اقتصادياً محدداً خلال عام كامل في كتاب جامع يصدر في بداية العام الجديد. واشتهرت من كتبها سلسلة “الدليل إلى..” Guide to... ونحن هنا بصدد عرض الكتاب الثامن عشر منها، والذي يمثل دراسة تحليلية لآفاق وفرص الاستثمار في أسواق الدول الناشئة والعوائق والعقبات التي تقف في طريق الشركات متعددة الجنسيات الباحثة عن النمو والانتشار عندما تفكر في إطلاق نشاطاتها فيها. صدر الكتاب مطلع العام الجاري (2014)، وتتألف مواده من مجموعة بحوث نشرت في الصحيفة عام 2013 لعشرين من كبار الباحثين والمحللين الاقتصاديين. وأعده للنشر “آيدان مانكتيلو” Aidan Manktelow كبير المحررين في “الإيكونوميست” ومدير قسم أوروبا فيها. والكتاب من القطع الصغير (كتاب الجيب) ومقسم إلى جزئين، يتناول الجزء الأول فرص وصعوبات الاستثمار في الأسواق الناشئة، ويتعرض الثاني لتحليل واقع الأسواق في 29 دولة ناشئة تتوزع في أميركا الجنوبية وأفريقيا وجنوب أوروبا وجنوب شرقي آسيا. تجربة ناجحة تتناول مقدمة الكتاب مآثر ونجاحات الشركة الأميركية العملاقة متعددة الجنسية “هونيويل” Honeywell التي تصنّع مجموعة متنوّعة من المنتجات التجارية والاستهلاكية، بالإضافة لخدمات الاستشارة الهندسية وتطوير أنظمة الطيران، وتبيع منتجاتها لعدد كبير من المستهلكين والشركات الخاصة والعامة والحكومات في العديد من دول العالم. وكانت “هونيويل” قد احتلت عام 2012 المرتبة 77 ضمن تصنيف مجلة “فورتشن” Fortune السنوي لأضخم 500 شركة أميركية، فلقد تمكنت من مضاعفة حجم أعمالها خارج الولايات المتحدة مرتين خلال السنوات العشر الماضية بفضل حسن استغلالها لمعدلات النمو العالية في أسواق الدول الناشئة. وينقل الكتاب عن “شان تيدجاراتي”، رئيس قسم الدول سريعة النمو في الشركة، قوله: إن أداءها في الصين والهند ينمو بمعدل 20% سنوياً منذ عام 2004. وتطرق “تيدجاراتي” إلى الأسباب التي فرضت هذا التفوق في فقرة واحدة حيث قال: “هناك حركة عمرانية هائلة في الأسواق ذات معدل النمو العالي. وليست هناك إلا استثناءات قليلة لهذه القاعدة، وهذه الأسواق تحتاج الآن إلى البنى التحتية، وهي تنفق مبالغ طائلة على مشاريع عملاقة كبناء المطارات والموانئ والطرق وخطوط السكك الحديدية وغيرها”. تجربة «هونيويل» ويترافق هذا النمو الاقتصادي والعمراني أيضاً مع نمو مماثل في الإنفاق الاستهلاكي، وخاصة في المدن الكبرى كما هي الحال في الصين، وغالباً ما يؤدي إلى نموّ غير متوازن للقدرات الشرائية للمواطنين بخلاف ما يحدث في الدول المتقدمة. ويُعزى نجاح “هونيويل” في الأسواق الناشئة إلى أنها تمكنت من تغيير استراتيجياتها وأهدافها بشكل جذري في تلك الأسواق. وحتى عام 2004 كانت تعمل بعقلية الشركة التي توجّه نشاطها “من الغرب إلى الشرق”. فلقد كانت تُخضع منتجاتها لتعديلات طفيفة حتى تباع بنجاح في دول مثل الصين، إلا أن هذه الطريقة سرعان ما تجاوزتها الأحداث والتغيرات الطارئة على الأسواق. ومنذ عام 2004 قررت الوقوف على الحاجات الحقيقية للدول الناشئة مثل السوق الصينية، والتزمت بمواصفات وخصائص السلع والمنتجات والخدمات التي ينتظرها منها زبائنها هناك وبتكاليف إنتاجها حتى تنسجم مع القدرة الشرائية للمستهلكين الجدد. وكانت تنجز هذا العمل بسرعة عالية تتفق مع سرعة تطور هذه الأسواق ودينامياتها المتغيرة. من الشرق إلى الشرق! ويكشف “تيدجاراتي” عن استراتيجية مهمة أخرى لشركته حيث يقول: “تجسّدت استراتيجيتنا الجديدة بمبدأ (تصميم المنتوج في الشرق من أجل تسويقه في الشرق)، وبحيث ننتج في الصين السلع التي يبحث عنها الصينيون، ونصنع في الهند السلع التي يرغب فيها الهنود. وسرعان ما وجدنا أن هذه الاستراتيجية تحولت إلى (ثقافة الإنتاج في الشرق والتسويق في الغرب) بعد أن عرفنا أن السلع التي ننتجها هناك تحتاج إليها الأسواق في كل أنحاء العالم. ووجدنا أن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها بشكل جيد”. ويتضح في هذا القول، كما يتضح في معظم أرجاء الكتاب، الاستخدام المشوّش للجغرافيا. وحيث يوحي بأن الدول المتقدمة تقع في غرب الكرة الأرضية، فيما تقع الدول الناشئة في شرقها. وتشير نصوص أخرى في نفس الكتاب إلى أن الدول المتقدمة هي دول الشمال، وتقع الدول الناشئة في الجنوب. وبالرغم من هذا الغموض في طريقة استخدام “بوصلة النمو الاقتصادي”، إلا أن الأمور لن تلتبس على القارئ. ولقد تطلب هذا النجاح الذي حققته “هونيويل” تغيّراً أساسياً في العقلية التجارية بما في ذلك السعي إلى دعم العمليات والمشاريع المحلية في الدول الناشئة التي تمارس نشاطاتها فيها. ويقول “تيدجاراتي”: “وعمدنا إلى تأسيس شركة موازية تعمل وفق العقلية الصينية في الأداء داخل شركتنا الكبرى”. ويعكس “نموذج هونيويل” في الأداء، قدرة فائقة على تفهّم واستيعاب طبيعة التحوّل السريع الذي تشهده الأسواق الناشئة، ولا يمكن للشركات متعددة الجنسية أن تهمل فكرة الاهتمام بالاستثمار في هذه الدول التي ستصبح المصدر الأساسي للنمو العالمي خلال العقود المقبلة. كما يوحي هذا المثال بأن على الشركات الغربية متعددة الجنسية أن تنجز أعمالها بطرق مختلفة تنسجم مع الثقافات التجارية والاقتصادية السائدة في الأسواق التي تستثمر فيها. الأسواق الناشئة ودوامة التعريف يتطرق الكتاب لتعريف “الأسواق الناشئة” Emerging Markets ويشير إلى أنه كثيراً ما أثار الجدل. فهو تعبير يفتقر في مدلولاته التركيبية اللغوية إلى الدقّة حتى أصبح يخلط بين دول ناشئة تمتلك قدرة كبيرة على المنافسة في الأسواق العالمية، وأخرى لا زالت تعتمد في نموّها على الزراعة واستخراج النفط والمعادن والثروات من باطن الأرض. ويفضل خبراء شركة “هونيويل” إطلاق هذا المصطلح على الدول ذات الأسواق التي تتميز بمعدلات نمو عالية بشكل عام. وحتى هذا التعريف لا ينطبق على الواقع بشكل دائم، طالما أن الأسواق الناشئة قد لا تتمكن من الاحتفاظ بمعدلات نموّها على المدى البعيد. ومن أجل تجاوز هذا الالتباس، يلفت الكتاب إلى أنه سيستخدم مصطلح “الأسواق الناشئة” لتوصيف أسواق تتوزع في آسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا باعتبارها تحظى باهتمام مديري الشركات الكبرى متعددة الجنسية لما تتمتع به من فرص استثمارية واعدة في الوقت الراهن (على أقل تقدير)، وتحتكم إلى مقوّمات وشروط الاستدامة، ويتطلب تحقيق معدل النمو السريع في الأسواق الناشئة التغلب على العديد من التحديات والعقبات والصعوبات. وتكمن الفرص المتاحة أمام الشركات متعددة الجنسية في المساعدة على تجاوز هذه الصعوبات عن طريق تصميم وتشييد البنى التحتية المناسبة وتصنيع منتجات جديدة تتفق مع ثقافات وأذواق وحاجات المستهلكين المحليين. ويذكر الكتاب أن بعض الدول التي توصف الآن بأنها ناشئة، كانت في التاريخ القديم قوى عظمى ودولاً كبرى. ومنها الصين التي كانت بين عامي 1500 و1800 تستأثر بأكثر من 25% من مجموع مقدّرات الاقتصاد العالمي. وكان اقتصاد الولايات المتحدة في تلك الفترة لا يكاد يُذكر، وأما الآن فإن الاقتصاد الأميركي هو الأضخم في العالم. ومنذ أواخر القرن الثامن عشر، انطلقت الثورة الصناعية في أوروبا الغربية وأميركا. وسمح إنتاج الآلات واستغلال طاقة البخار وتوسع المصانع في زيادة الإنتاجية بشكل كبير. وخلال ذلك القرن، تضاعف إنتاج مصانع النسيج الإنجليزية بأكثر من 20 مرة. والسؤال المطروح هنا: لماذا تراجعت الدول الناشئة إلى الوراء منذ ذلك الوقت؟ يعود ذلك لعدة أسباب يقع على رأسها تبنّي الدول غير المصنّعة لسياسات فاشلة كانت كافية لإخراجها من الأسواق العالمية. وغالباً ما كان يحدث هذا بسبب الاستعمار، الذي لم يكن يريد من الدول التي يجثم على صدرها إلا أن تزداد تخلفاً حتى يتمكن من استغلال ثرواتها ونهب موادها الأولية. السياسة والتنمية والتنمية هي نشاط تنفيذي بالغ التشابك والتعقيد، يحتاج إلى براعة في التخطيط وتحديد الأولويات واستغلال الموارد البشرية والمادية والمواد الأولية بفعالية عالية، من أجل تحقيق معدلات مستدامة في زيادة الإنتاج والإنتاجية وربح معركة التنافس في الأسواق. ولهذا السبب، فإنها تحتاج إلى بيئة سياسية وطنية حاضنة تتصف بالحكمة والقدرة على تهيئة المناخ المناسب لتحقيق الأهداف المخططة عن طريق توفير مقوّمات الاستقرار والأمن الاجتماعي وعقد الشراكات والاتفاقيات مع الدول الأخرى بما يدعم هذه المسيرة ويهيء الفرص لاستيراد المواد الأولية وتصدير فائض الإنتاج. وبكلمة أخرى، يجب توظيف سياسة الدولة الناشئة لخدمة الإنتاج وليس العكس. ويطرح الكتاب أمثلة متعددة عن دول خسرت معركتها التنموية لأنها وظفت مواردها في خدمة شعارات سياسية ديماغوجية أدت بها إلى حالة من العزلة السياسية والاقتصادية والانفصال التام عن واقع الأسواق، ومن بين هذه الدول التي يطرحها الكتاب على سبيل المثال لا الحصر، فنزويلا التي انخفض فيها معدل النمو بشكل كبير في عهد رئيسها الراحل هوجو شافيز. ويجب أن يشتمل التخطيط السياسي المتكامل للدولة السائرة في طريق النمو على مكافحة كل أشكال الفساد المالي والإداري لأن الفساد هو العدو الأول للتطوّر. ويضرب الكتاب أمثلة متعددة عن دول ذات معدلات نمو عالية، إلا أن جرثومة الفساد بدأت تستشري فيها لتهدد مسيرتها التنموية في المستقبل ومنها الصين وروسيا والهند وبعض دول أفريقيا. ماذا يخبئ المستقبل؟ وقبل أن يتطرق الكتاب لديناميات العمل والاستثمار في الأسواق الناشئة، فإنه يستبق الأمور ليطرح السؤال التالي: ماذا يخبئ المستقبل لتلك الأسواق؟ ويقول: إن من المرجح أن تواصل معظم الأسواق الناشئة مسيرتها الإصلاحية، وأن تزداد العوائد التي تجنيها من هذه المسيرة بأسرع مما يحدث في الغرب، إلا أن هذه الوتيرة المتسارعة سينخفض زخمها بسبب الأزمة المالية العالمية لفترة مؤقتة، ثم تعود إلى سابق عهدها، وسوف تتزايد صعوبات الحفاظ على استدامة النمو لأن أهم السياسات الفاعلة في إدارة الاقتصاد ستكون مخططة في الدول الناشئة ذاتها، ومن دون الاستعانة بالشركات الاستشارية الأجنبية. ولا شك أن اكتشاف الأساليب التي من شأنها أن تضيّق الفجوة الإنتاجية مع الغرب سوف يكون أكثر صعوبة في المستقبل، وبما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو. وفي بلدان مثل الصين وروسيا، سوف تلعب التغيرات الديموغرافية دور العامل المعيق للنمو، عندما سيتحول سكان الدولتين إلى مجتمع عجوز بسبب نقص معدل الولادات وزيادة متوسط العمر. وبالرغم من كل هذه العوامل المحبطة، وحتى في ظروف تباطؤ معدلات النمو، سوف يبقى “العالم الناشىء” مركز النمو العالمي الذي سيستقطب الشركات خلال العقود القليلة المقبلة على أقل تقدير.ويجب ألا يغيب عن البال أن تحرير دول الاقتصادات الناشئة لبيئة العمل والإنتاج، وهي الإجراءات التي جعلتها أكثر ثراءً، يجب أن يترافق مع انفتاح اجتماعي وسياسي مقنّن ومدروس ومخطط بعناية فائقة. فرصة للتسويق تتجه الصين والهند وبقية البلدان ذات التعداد الساكن المرتفع بسرعة عالية نحو الانضمام إلى قائمة اللاعبين الأساسيين في النادى الاقتصادي الدولي. إلا أن عدد سكان الصين أكبر بخمس مرات من عدد سكان الولايات المتحدة، ومعدل عدد الفقراء فيها أكبر بكثير مما هو في البلدان الغربية. وهذا يعني أن الشركات متعددة الجنسيات سوف تحظى بفرص أكبر لتسويق منتجاتها من تلك التي تتيحها الأسواق الغربية، كما يتحتم عليها أن تتبنّى سياسات متوازنة في تسعير منتجاتها هناك. ويشير مخطط بياني استشرافي حول قيمة “الناتج المحلي الإجمالي الفردي” GDP per head (والذي يحسب بقسمة الناتج المحلي على عدد السكان) لعام 2025 إلى أنه سيبلغ أكثر بقليل من 80 ألف دولار في الولايات المتحدة، وهو الأعلى في العالم، ونحو 60 ألف دولار في ألمانيا، وأكثر بقليل من 50 ألف دولار في اليابان، إلا أنه سيبلغ 20 ألف دولار في الصين والبرازيل، و4 آلاف دولار فقط في الهند. الارتباط بالاقتصاد الغربي وآثرت الدول الناشئة بذكاء، تجنّب حالة الانفصام أو “الطلاق” مع الاقتصادات الغربية المتطورة. وترى معظم تلك الدول أن من الصعب الاحتفاظ بمعدلات نمو مرتفعة إذا أصاب أسواق الاستيراد في الدول المتطورة ضعف أو خلل طارئ. وسوف تظهر مؤشرات هذا النمو المتسارع من خلال ارتفاع قيمة “الناتج المحلي الإجمالي” GDP. ويقدم الكتاب إحصائية مهمة تقارن بين “الناتج المحلي الإجمالي” لأغنى دول العالم المتطور ودول الاقتصادات الناشئة بين عامي 2000 و2025. وتشير الأرقام إلى أن الولايات المتحدة ستواصل نموّها ليرتفع ناتجها المحلي الإجمالي من 10 آلاف مليار دولار (10 تريليون دولار) عام 2000، إلى 25 تريليون دولار عام 2025. وسيكون هذا الارتفاع في الصين أكثر وضوحاً، حيث سيقفز من أقل من 1 تريليون دولار إلى 20 تريليون دولار خلال الفترة ذاتها. ويبدو ضعف معدل النمو في الدول المتقدمة الغنية أكثر وضوحاً من خلال الارتفاع الضئيل المتوقع للناتج المحلي الإجمالي في اليابان بين عامي 2000 و2025 والذي ستراوح بين 4.9 و 5.2 تريليون دولار خلال الفترة ذاتها. ولا تختلف الأمور كثيراً بالنسبة لألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة عن حالة اليابان. تحديات وعوائق يبدو أن صعود ونجاح دول الأسواق الناشئة يمثل ظاهرة مستدامة غير قابلة للتوقف، إلا أن بقاء معدل النمو بشكل متواصل على وتيرته المرتفعة في تلك الدول هو أمر غير مضمون، وذلك لأن هذه الدول تواجه عدداً من التحديات، ومنها أن استمرار نجاحها سوف يكون رهيناً بقدرتها على زيادة الإنتاجية، ويتطلب تحقيق هذا الشرط إصلاح شامل للمؤسسات الإدارية والحكومية بشكل عام وبما يخلق الكثير من التحديات السياسية. فماذا سيحدث في الدول التي تفشل في تشغيل الآلة السياسية المناسبة لمواصلة النمو والنجاح؟. يضع الخبراء تصوراً لهذه الحالة ويقولون: إن النمو سوف يتباطأ بشكل حاد وسريع بمجرّد “استهلاك” أو “تآكل” العوائد التي تحققت في المراحل السابقة. وسوف تسقط الدولة المعنية في “فخّ الدخل المتوسط” middle-income trap الناتج عن الركود الاقتصادي. ويكمن النموذج المثالي لهذه الحالة في اقتصاد الصين. فلقد دخلت الآن طوراً جديداً من أطوار التنمية الاقتصادية يتميز بالميل إلى التوازن والاستقرار وتباطؤ نمو الإنتاجية. ولقد سبق للصين أن جَنَت العوائد الضخمة من نمو الإنتاجية عندما تدفق ملايين الفلاحين الزاحفين من المزارع للعمل في المصانع. والآن، أصبح من العسير الاحتفاظ بهذا المعدل من زيادة الإنتاجية بعد أن انتهى هذا المدّ البشري. ويمكن القول: إن اعتماد الصين على زيادة الاستثمار باعتباره الوسيلة الوحيدة لمواصلة النمو هو إجراء يتصف بعدم الاستدامة. وهناك خطر كبير آخر يهدد النمو في الصين ويتمثل في السعي المحتمل للاقتصادات الغربية للتصدي لظاهرة الصعود السريع للاقتصادات الناشئة عن طريق إقامة العوائق الحمائية التجارية. ومن المحتمل أيضاً أن تؤدي التغيرات الطارئة في الخريطة الجغرافية السياسية بسبب تعاظم القوة العسكرية لبعض الدول الناشئة إلى اندلاع الحروب والصراعات المسلحة. ولقد بدأت البوادر الأولى لمثل هذه الصراعات تلوح في الأفق مؤخراً عندما أعلنت الصين مؤخراً عن منطقة جديدة للدفاع الجوي كانت تقع سابقاً ضمن الخريطة الاستراتيجية الأميركية للدفاع الجوي. وهناك العديد من بؤر التوتر الأخرى في جنوب شرق آسيا التي يمكن أن تتحول إلى صراعات مسلحة في المستقبل، ومنها العداء المستحكم بين الصين واليابان الذي يعود إلى العهود الاستعمارية، وأيضاً بسبب الخلاف على سلسلة جزر “سينكاكو” التي تقع الآن تحت الوصاية اليابانية وتدعي الصين ملكيتها، وهناك أيضاً الصراع بين كوريا الجنوبية وجارتها الشمالية، وبين اليابان وروسيا على جزر الأورال التي تقع تحت وصاية روسيا وتطالب اليابان باستعادتها. ومن جهة ثانية، يقول الخبراء: إن اقتصادات الدول المتطورة لا بدّ أن تشهد المزيد من التعافي على المدى المتوسط والبعيد. وهناك علامات بارزة منذ الآن تشير إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة تجاوز أسوأ المراحل التي يمكن أن يمرّ فيها. وبالرغم من أن التوقعات الاقتصادية لأوروبا الغربية واليابان ليست واعدة، إلا أن الاقتصادات الناشئة ستجد أن من الصعب تضييق الهوّة الاقتصادية معها خلال العقود القليلة المقبلة. مدن الأسواق الناشئة لعبت المدن عبر التاريخ دوراً أساسياً في إنتاج الثراء والوفرة الاقتصادية، إلا أننا نشهد الآن حركة عمرانية غير مسبوقة في العالم أجمع توحي بانزياح حقيقي للقوة الاقتصادية من “الدولة” إلى “المدينة”. ويعيش الآن نحو 50% من سكان العالم ضمن المدن، وينتجون أكثر من 80% من الناتج الإجمالي العالمي GDP. وفي عام 2050، سوف تضم المدن 70% من سكان العالم بالمقارنة مع عام 1950 وحيث كان 70% من سكان العالم يعيشون في الأرياف. وتوقعت شركة “ماكنسي” الاستشارية أن يزداد الناتج المحلي الإجمالي لمدن العالم بنحو 30 تريليون دولار بين عامي 2010 و2025. وسوف تساهم 440 مدينة في دول الأسواق الناشئة بنحو 47% من هذه الزيادة. وسوف تكون أكثر المدن الناشئة حيوية متوزعة في آسيا، وهي التي ينتظر منها أن تعكس بريق النجاح والازدهار الاقتصادي. وسوف تتميز العقود المقبلة بظهور عشرات المدن المتوسطة التي تضم ما بين 2 و5 ملايين ساكن في الدول الناشئة. وتوجد في الصين الآن نحو 150 مدينة من التي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة. ومن المتوقع أن يصل عددها إلى أكثر من 220 مدينة بحلول عام 2020. سرعة في النمو تثبت كافة الإحصائيات والدراسات التي يعرض لها الكتاب على أن سرعة التغير التي تشهدها الدول الناشئة في الوقت الراهن لا مثيل لها عبر التاريخ. فلقد تضاعفت القيمة السوقية لاقتصاداتها بشكل عام منذ عام 2005 وحتى عام 2013 بالمقارنة مع نمو هزيل حققته اقتصادات الدول الغربية المتطورة. ومن المنتظر أن تحتكر الأسواق الناشئة 60% من مجمل النمو العالمي خلال السنوات الخمس المقبلة. ويُعزى سبب هذا التطور إلى النتائج السلبية للأزمة المالية العالمية التي ظهرت بوادرها الأولى منذ نهاية عام 2007.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©