الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ياسمينة دمشق

ياسمينة دمشق
18 فبراير 2015 21:20
وقفت ياسمينة دمشق على الدرب الحجرية في التكية السليمانية في دمشق، تمتزج هيبة المكان برقة وعمق نظرتها. تكاد روحها تلتقط وجود الأطياف الأزلية الهائمة فيه. تشعر بها تملؤها بدفء رفيفها الشفاف. تثير همهمتها الشجية نشوة الأمل. الأطياف تهيم في المكان، تتسلق قبابه البيضاء تارةً، وتسكن ذرى أشجاره العتيقة النضرة بالحب وبالخضرة، تارةً أخرى. ثم تلف الزوايا، تنزل لتدب بلطف على حجارة باهتة ترصف الأرض منذ الأزل بتناوب اللونين الأبيض والأسود. تتطلع هذه الياسمينة الدمشقية إلى البركة التي عكست سماءً حجبتْ شمسَ العصر فيها غيمة خريفٍ هائمة ترققت حواشيها لتصبح فرصة ذهبية للأشعة الضبابية، لتلقي من خلالها على المكان نورها المحمّر فتزيده دفئاً، مقاومةً بذلك لسعة بردٍ لذيذة، ومضيفةً عليه أيضاً غموضاً ساحراً. وقفت هذه الياسمينة وهي تعبر هذا المكان العتيق، التكية السليمانية في دمشق، تتلمس أطيافه وتشم عبقه الممزوج مع كل شيء فيه. يختلط شذى نداها برائحة رطوبته، تفرش الحيّز حولها بنجيماتها الرقيقة ما خلد الياسمين بأرض الشام عنواناً لها. امتدت الظلال بانحسار الشمس نحو المغيب مسكونة بالألق. ووقفت على السور الحديدي الغريب تهزه بكفيها الرقيقتين عله يختفي، لأنه يرهق المكان بقسوته، ويخفي شجيرات الياسمين المتراخية بدلال على السور الخشبي العتيق البعيد، ويمنعها من القفز كفراشة هنا وهناك، ويستلب حريتها، وأمنها. أشجار النارنج خلف السور، هناك أمام مصطبة المسجد الحجرية العريضة لو تكلمت لشهدت، حتى الحجارة لو نطقت لشهدت، بأن الحب يعمّر المستحيل. شدتها نظرة الياسمينة الدمشقية فأغوت دمعتها لتنزل، ولسعت قلبها وقفتها وهي تنتظر وكأنها تنتظر عودة السلام لأرض الشام. كانت تقف بمعطفها الأبيض وقبعة صوفية تميل بدلال على شعر داكن يتناثر كالحرير فوق أكتافها. ابتسمت لها وهي تحدق بها بحنان، استأذنتها بصورة، وكانت لقطة جمعت فيها عمق البراءة وصفاء القلب. ما أروع الطفولة. إنها ورود جديرة بأن تحيا... امتلأ رأسها بكلمات خرجت عفو اللحظة: أي بشاعة تصمد أمام جمال وعمق هذه النظرة؟! هل ثمَ متكأ للطفولة الحلوة؟ الملائكة انسحبت أمامها في تبتل مستغرب إنها وطأة تشبه المستحيل سوف أطلق روحي إلى السحب نحو قباب دمشق العتيقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©