الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«داعش».. فشل التنوير العربي!

«داعش».. فشل التنوير العربي!
18 فبراير 2015 21:29
تصاعدت في الآونة الأخيرة موجة الإرهاب التي تقودها عصابات ظلامية أبرزها تنظيم «داعش» الذي يمارس اغتيالات وإعدامات متلاحقة شغلت الأوساط السياسية والثقافية والعامة على امتداد وطننا العربي في شكل عام والأردن في شكل خاص، جراء اغتيال الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً. من هنا جاءت فكرة هذا التحقيق الذي يستطلع «الاتحاد الثقافي» من خلاله ردود فعل عدد من المثقفين والشعراء والكتاب الأردنيين. يؤكد المشاركون في هذا التحقيق ضرورة وأهمية إعادة النظر في المقولات الدينية والفقهية لجهة ترشيد العقل الديني بما يخدم مقاصد الشريعة، وما يترتب على ذلك من تطوير المناهج في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى الدور المهم الذي يلعبه المثقف والفنان والشاعر تجاه الإرهاب وتصاعده كونهم من أشد المنتصرين طوعاً للحب والحياة. أزمة تسلط واستبداد يقول الكاتب د. موسى برهومة: «ربما كان الشعور بالقهر قوياً لدى مشاهدتي شريط إعدام الطيار معاذ الكساسبة، ومصدر القهر إحساسي بأن ثمة من يريد أن يفرض صوراً نمطية عن الدين من خارجه، أعني صوراً منفرة، مقززة، ذات رسائل لا يمكنها أن تحبّب الناس بالأديان، إن كانت على هذا النحو». وعن ردة الفعل على المستوى الثقافي، يرى برهومة أنها تتمثل في ضرورة التسريع في إدراك أن خطر التطرف داهم، ولا يسلم من شروره فرد أو جماعة، ما يعني مجابهته بكل الوسائل الممكنة، وأولها إعادة النظر في المقولات الدينية والفكرية والفقهية لجهة ترشيد العقل الديني بما يخدم مقاصد الشريعة، وما يترتب على ذلك من تطوير المناهج في المدارس والجامعات، وتنمية «الفقه النقدي» لدى خطباء المساجد والدعاة، واستثمار التقنيات الإعلامية الحديثة في تسويق خطاب ديني متمدّن يحترم حقوق الإنسان، ويقدس عقله، كما يقدّس الحياة التي استُخلف الكائن من أجل إعمارها. ويضيف برهومة: «المشوار صعب بلا ريب، وما يزيده صعوبة أننا نتحرك، في الفضائين العربي والإسلامي، في ظل أنظمة غالبيتها ينتمي إلى ما قبل الديمقراطية وتداول الحكم والعدالة الاجتماعية، أي إلى أزمنة التسلط والاستبداد السياسي الذي يوفر بيئة خصبة لنمو نزعات التطرف». وحول دور المثقفين يبين برهومة أن على المثقفين الطليعيين، وليس أؤلئك المولعين بثقافة النميمة والصالونات البعيدة عن نبض الشارع، أن يرتقوا إلى مهمتهم الحقيقة في الدفاع عن قيم الخير والجمال، وعليهم أن يترجّلوا من أبراجهم باتجاه الانخراط المباشر مع الأسئلة والإشكاليات التي يثيرها العقل الكهفي الموصد الذي يحتمي بالمقدس، من أجل إزهاق روح الحياة، والقضاء على نبضها، وحرمان المستقبل من فجره وشمسه وتطلعاته. فشل الفكر التنويري من جهتها لفتت الروائية ليلى الأطرش إلى أن الأدب، في القرن التاسع عشر، كان قادرا على أن يحدث التغيير الواضح في الحياة الاجتماعية والفكرية الأوروبية مع الفنون المباشرة الأخرى كالمسرح.. وترى أننا في عصر تعدد مصادر المعرفة وقدرة الفكر الظلامي على استغلال وسائل التواصل الحديثة، لم يعد التصدي للإرهاب ومحاربته مسؤولية الكلمة فقط، على أهميتها، بل بتكاتف جميع الجهود مع القرار السياسي المدرك بأننا نقف على شفير الهاوية إن لم نبدأ فورا بمحاربة الفكر الظلامي بفكر تنويري يبدأ من رياض الأطفال لغرس قيم الحوار مع الغير واحترام الرأي المخالف لأن من حق أي إنسان أن يكون مختلفا.. وتؤكد على ضرورة تغيير الخطاب الديني بعد أن هيمن الفكر التكفيري على المنابر والمآذن ونشر الكراهية والانقسام الطائفي. وترى الأطرش أن التصدي لهذا الفكر يكمن في تشجيع الفنون التنويرية المباشرة التي تترك أثرها الكبير على المتلقي، كالمسرح والدراما التلفزيونية إضافة إلى رعاية الدول للكتاب التنويري وإيصاله للناس في مختلف أماكنهم.. ثم بعد ذلك تأتي مسؤولية الكتّاب والإعلاميين وكل صاحب كلمة وكل في موقعه ليحارب هذا الفكر ويفند حججه الواهية واجتزائه للنصوص والأحاديث بما يناسب فكره ووحشيته.. وتؤكد الأطرش على فشل الفكر التنويري العربي في العقود الماضية عن مد الجسور مع القاعدة الشعبية ببرامج وخدمات بل بقي في برجه العاجي مع النخبة بينما ظلت الساحة مكشوفة للفكر الديني المنغلق بما يملك من دعم ومال حتى استشرى بين البسطاء مع الفقر والجهل والفضائيات الظلامية.. وتحتم: «ما حدث للطيار الأردني معاذ الكساسبة وغيره أشعرني بالغضب الشديد وبالتقصير والذنب لأننا لم نمد الجسور مع القواعد الشعبية لدحر هذا الفكر الظلامي التكفيري». أسئلة برسم الإجابة أما الشاعر إسلام سمحان لم تستطع عصابة الإرهاب أن تغير من قناعته بأن النار هي البرد والسلام منذ نبي الله إبراهيم، وبأنها الأنس والهدى والنور للنبي الذي آنس نارا فعاد منها بقبس، ويرى أن الشاعر هو سارق النار كما يقولون أي المضيء المشع المحب كشجرة الليمون. وحول اغتيال الطيار الأردني معاذ الكساسبة من قبل تنظيم داعش يقول سمحان: «ما قامت به داعش حين تلذذت بحرق إنسان داخل قفص أعاد إلى أذهاننا قيمة النار وقدسيتها ورسخ إيمانا عميقا في عقولنا وقلوبنا بضرورة إعادة التفكير بسلوك الدولة وطريقتها في إدارة البلاد بتراتبية تخلو من الخلق والإبداع والابتكار والدهشة والمبادرة، بل إن الدولة في مناهجها الدراسية تكرس لغة الكراهية وتعزز الفهم الخطأ.. ويضيف صاحب المجموعة الشعرية «لمن أحمل الوردة»: «مشهد مؤلم أن تشاهد إنسانا تلتهمه النار وتتفنن الكاميرات بنقل كل الزوايا والمراحل حتى يغدو كمشة من رماد.. أي بلا قيمة ولا ما يحزنون. أسئلة كثيرة برسم الإجابة.. أسئلة نضعها على طاولة العالم الذي يغامر بدم الإنسان وبكرامته وبحقه في الحياة.. أسئلة طرحتها منذ العام 2008 حين تعرضت للتكفير وإباحة دمي من قبل رجال دين توجههم نزعاتهم المادية ومصالحهم الشخصية فمن هم داعش؟.. هل ثمة ربط بين الضحيتين والجلاد؟. التحرر من سلطة الخوف أما الشاعر والناقد خلدون عبداللطيف يؤكد على دور المثقف والفنان والشاعر تجاه موجات الإرهاب وتصاعدها عموماً ويرى أن على عاتقه مسؤولية مُلحّة ومتكاملة نظير كونه من أشد المنتصرين طوعاً للحب والحياة، وأنه في مستوى أعلى من سدنة القتل الممسوسين بقدر وافر من الخرف الديني. ويوضح عبداللطيف: «كل ما حولنا بالعموم يتولد ويقوم وينبت من محض فكرة، فإما أن تكون طيبة كالآداب والفنون، وإما أن تكون خبيثة كالإرهاب، إن إدانة التطرف والقتل المشاع باسم الدين واجبٌ إنساني مفروغ منه، فمبادئ الدين وجوهره أبعد ما تكون عن الإرهاب بيد أن الأهم هو إدانة ثقافة الإرهاب والتطرف والتكفير ومواجهتها، فضلاً عن مواجهة الأصول الإقصائية التي تتغذى عليها من خلال النقد العقلي المؤهل والقادر على إشاعة التنوير والتحرر من سلطة الخوف. قبلذاك، ثمة ضرورة للتحرر في الأعماق أولاً من علائق الخوف والظلام، والاستعداد للتضحية في سبيل الانتصار للحق». وحول الممارسة الثقافية والفنية ودورها يقول صاحب المجموعة الشعرية «بين المنزلتين»: «كلّما تعلّق الأمر بالممارسة الثقافية والفنية على أي وجه كانت، حيث الكلام بصددها وتبدلاتها يتقاطع مع فكرة أن المثقف والفنان الحقيقي لا تتساوى عنده الأيام والأحداث بالمطلق، ولا يقف منها على المسافة نفسها، عدا عن أن مسؤوليته ليست تفصيلاً على مقاس الحدث، ولعلها تدفع إلى التساؤل حول ما إذا كان من واجب ثقافة وفنون العصر أن تستعير مضامينها من الإرهاب والتطرف والتكفير، أو بمعنى أدقّ أن تستحضر وترجّع أصداء الإرهاب وإخوته في دوائرها، أم يتحتّم عليها التحرّر من سطوة الواقع المشحون وارتداداته، في الوقت الذي تحافظ فيه على خصوصيتها من جهة، ولا تكفّ من جهة أخرى عن كونها ثقافة وفنوناً تعانق الشرط الإنساني؟». دائرة الفعل الحقيقي ويرى الشاعر والصحفي هشام عودة أن الجريمة البشعة التي اقترفها تنظيم داعش الإرهابي بحق الطيار الأردني معاذ الكساسبة لا تواجه بقصيدة أو مقالة أو وقفة غضب، فدور المثقفين أعلى من ذلك، هو موقف يجب أن يغادر دائرة العاطفة إلى دائرة الفعل الحقيقي في المواجهة، فالفكر الظلامي التكفيري لا يواجه إلا بفكر تنويري، والمثقفون هم الأقدر على مواجهة العتمة والظلام والجريمة من خلال الإعلاء من شأن الوعي، واستخدام المنابر لتكريس حالة ثقافية جادة تستند إلى ثقافة الأمة، ودورها الحضاري المؤثر في الحضارة الإنسانية. ويختم عودة: «أرى أننا كمثقفين نملك مساحة أوسع للحركة، من أجل تعرية الإرهاب وفضحه وهزيمته، وهنا يكون المطلوب دائما تجفيف المنابع الفكرية لهذه التنظيمات الظلامية بمختلف مسمياتها، وليس داعش إلا واحداً منها، من خلال العودة إلى الفكر القومي النابع من العلاقة الروحية مع الإسلام السمح الذي يتعرض الآن للتشويه». مسؤولية المثقف العربي وتنوه الكاتبة لانا المجالي إلى أن المتتبع لجرائم «داعش» من قتل وسبي واغتصاب وقطع رؤوس..الخ، لا يستطيع أن يزعم بأن جريمته الأخيرة المتمثلة بحرق الشهيد الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا أثارت دهشته، لأنّ «داعش» أيديولوجيا، والأيديولوجيات -عموما- باعتبارها إطارا بنيويا، تصبح فكرا اختزاليا مؤسسا على تصعيد الحياة الغريزيّة، لكن ما أحدث هذه الصدمة، هو إقدام التنظيم البربري على نشر تفاصيل جريمته البشعة بطريقة احتفاليّة!، وهو ما أراه بداية النهاية، في أذهان المتعاطفين معه على الأقل. وفيما يتعلق بتصاعد وتفشي هذا الفكر الظلامي تقول: «سواء اتفقنا أو لم نتفق على وجود يدّ خفيّة تحرك هذا التنظيم إلا أننا لا نستطيع إنكار حقيقة أن ظروف الاستبداد والجهل والتخلف والإحباط وفشل البرامج التنويريّة وانهيار الدساتير الثقافيّة في بلادنا العربية المسلمة شكّلت بيئة خصبة لنموه، وعلى المثقف العربي أن يعلن «أولا» عن مسؤوليته فيما آلت إليه الأمور، ويسعى»ثانيا» إلى ردم الفجوة الآخذة في الاتساع بينه وبين القارئ بالتخلي عن خطابه النخبوي والاستعدائي والاستعلائي، ويستعيد «ثالثا» مكانه في مقدمة الحركات الاجتماعية لا في مؤخرتها!، لأن أيّ حراك اجتماعي لا يعوّل عليه دون حراك ثقافي يضع الفن والأدب والفلسفة والعلوم في أعلى قائمة أولوياته».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©