الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأفكار.. دَمُ النغم

الأفكار.. دَمُ النغم
13 يناير 2016 20:45
شذريات إدوارد هانسليك تقديم وإعداد - عبير زيتون لا يذكر اسم العالم الموسيقي النمساوي والناقد الكبير (إدوارد هانسليك - 1825- 1904) إلا مقروناً باسم المؤلف الموسيقي الألماني العبقري (ريتشارد فاغنر - 1813- 1883) الذي أراد أن يبدع موسيقى درامية ذات أبعاد ملحمية معتمدة على الخيال الجامح والكلمة الشعرية الألمانية، فكان هانسليك ناقداً لاذعاً له. كرس هانسليك حياته الفنية الطويلة جاهداً لنقد الفكرة الشائعة التي تؤكد على أن مضمون الموسيقى هو تصوير الأحاسيس، وليست فكراً وخيالا، ودافع عن إيمانه كتابة وفكراً من أن فن الموسيقا هو علم له قوانينه الخاصة، وصنعة لها أصولها وقواعدها، والموسيقا بذاتها لغة سمعية وليست كلامية، وجوهرها يقع ضمن أطر موسيقية بحتة. شكل كتاب هانسليك «الجميل في الموسيقا» والصادر عام 1854 عن دار برايتكوبف وهرتل العريقتين في ميدان طباعة النوتات والكتب الموسيقية المختصة، حجر الأساس في علم الجمال الموسيقي الحديث وأسهم في تأسيس نظرية متينة في عالم الجمال الموسيقي لم تتقوض ولم تهتز خلال قرنين من الزمن. وهذه الشذريات مستمدة من كتاب «فن النغم الجميل» الذي ترجمة الموسيقار السوري د.غزوان الزركلي. نريد للموسيقا أن تفهم على أنها موسيقى فقط ولا يمكن أن نعيها إلا من داخلها، ولا نستمتع بها إلا لذاتها. *** إن الحاسة التي تستقبل الجميل ليست هي الإحساس، إنما الخيال والقدرة على التبصر والتفُكر. *** من المثير للدهشة أن الجماليين القدماء يضعون الإحساس والعقل أحدهما في مواجهة الآخر كضدَّيْن، وليس كقطبين يتحرك في إطارهما النغم الجميل، فمن خيال الفنان تنطلق المقطوعة الموسيقية، موجهة إلى خيال المستمع. *** إن الخيال إذا قسناه بالجميل، ليس مجرد نظرة وإطلالة، إنما الخيال بمشاركة العقل بتبصر وتفكير يقٌرن التخيل بالتقييم. *** لا يمكننا التقليل من أهمية العواطف القوية التي توقظها الموسيقى إن كانت حالمة أو عذبة أو مؤلمة ولكن يجب الاعتراض عليها فقط عند استعمال هذه الروائع كمبادئ جمالية. *** إن حالتنا النفسانية التي توصلنا الى إحساس معين في الحالة العاطفية القوية دون وعي منا، ترتبط بمجموعة من التصورات والتقييمات، وليست الموسيقا المسؤولة عنها. *** اتفق أكثر جماليي العصر على أن الموسيقا هي لغة غير محددة ولا تستطيع نقل المفاهيم المنطقية. أليست النتيجة البديهية التي لا يمكن رفضها من الناحية النفسية هي تلك التي تفيد بأن الموسيقا لا تستطيع أيضاً أن تعكس مشاعر معينة ما دام تحديد المشاعر يستند بالذات الى مفاهيم خاصة بها؟. *** تجسد الموسيقا على صعيد الإحساس ديناميكية الإحساس في تقليد حركة العملية الفيزيولوجية المرافقة للحظات السريعة، البطيئة، الضعيفة. والحركة هنا صفة فقط للحظة شعورية وليست الشعور ذاته. *** يُطرح السُؤال عن ماهية الشيء الذي يفترض للمادة الموسيقية أن تعبر عنه؟ والجواب هو الأفكار الموسيقية، والفكرة الموسيقية المكتملة والظاهرة هي حقاً جميل مستقل، هي هدف لذاته، وليست وسيلة جديدة أو مادة تصلح لتجسيد الأحاسيس والأفكار. *** في طفولة كل منا شكل منظار الألعاب الزجاجي متعة كبيرة أثناء مشاهدة التغيرات اللونية والهندسية، والموسيقا هي مثل هذا المنظار لكن بدرجة فكرية أعلى بما لا يقاس. *** إن الخيال المنَظم على أساس الحاسة السمعية والذي يلعب فيه الحس دوراً أبعد بكثير من كون الأذن عضواً سطحياً ليس غير، يستمتع بشكل واسع بحسية التراكيب المسموعة والأنغام المتخيلة، ويعيش بحرية دون قيود بين ظهرانها، وهذا يناقض مع من يقول إن الأذن غير مبدعة، وأكبر مثال المبدع العظيم بيتهوفن. *** يحقق مفهوم الشكل في الموسيقا ذاته بطريقة منفردة. إنه ليس فراغاً مرسوماً بالأنغام، إنما هو كيان مليء بها، وليس خطوطاً نغمية تحد الخواء، وإنما فكر مكون بوساطة الأنغام مثل لوحة فنية من الأرابيسك الملون. *** إن للموسيقا معنى وهدف، فالموسيقا لغة نحكيها ونفهمها ولكن ليس في مقدورنا أن نترجمها إلى لغة أدبية، يمكننا أن نتحدث عن أفكار موسيقية، وأن نميز بيُسر ما بين أفكار ضعيفة، وبين كلام لا أكثر وهذا ما يفعله في اللغة الخبير بها. *** والجميل في الموسيقا لا يُصنع من مجرد صف ميكانيكي للنغمات، وإنما من الإبداع الحر للخيال. *** لا توجد نظرية سائدة وخاطئة كالنظرة القائلة بوجود موسيقا جميلة تحتوي أو لا تحتوي على مضمون فكري. هذه الرؤية تأخذ مفهوم الجميل في الموسيقا بشكل جد ضيق، وتتخيل الشكل الموسيقي المصنوع بفنية مفصولا تماماً عن الروح التي تنفخ فيه. *** ليس الإحساس وإنما الخيال هو جهاز الفعل التأملي الخالص الذي يصدر الجميل في الفن عنه ويأتي إليه إبداعاً وتذوقاً بشكل مباشر، لذلك يعتبر مبدأ الجمال الموسيقي ووظيفته الأولى في وقتنا الحالي، هو تحريره من السلطة التي اغتصبها الإحساس لإعادته الى سلطة الجميل الشرعية دون تهميش للمشاعر. *** تستهدف الموسيقا الحالة الوجدانية للمتلقي بشكل أكثر تأثيراً وأكبر سرعة من أي فن آخر. فنغمات بسيطة تستقطبنا، بينما تحتاج القصيدة الشعرية الى وقت، واللوحة الى تأمل، إلا أن تأثير النغم أكثر سرعة وأسرع تركيزاً وأكثر وقعاً في الخيال والوجد. *** إن تأثر الجملة العصبية البشرية بالموسيقا يعطي الموسيقا الحق في تبؤ مركز متقدم بين الفنون. وعندما نبحث في طبيعة هذه القوة الضاربة نجدها قوة نوعية مستندها الشروط الفيزيولوجية التي هي مليئة بالأسرار مثل تركيبة جهازنا العصبي. *** إن الشيء البدائي للموسيقا هو النغم والحركة وهو ما يأسر العواطف غير القادرة على الدفاع عن نفسها، كما يكبلها بالأصفاد التي يجرونها مستمتعين بوقع سلاسلها. *** إن هؤلاء المتحمسين للارتماء تحت أقدام اهتزازات الأنغام التي تحملهم وتؤرجحهم قابعين في مقاعدهم المريحة نصف سكارى تنقصهم النظرة النقدية للموضوع، وهم ليسوا مذنبين بينما يظنون أنفسهم موجودة في حالة ذهنية كاملة، بينما هم في حالة شعورية غير محددة ترمي بهم هنا وهناك ما بين تحفيز وتأزم وتلاش أنهم يكُونون نخبة الجمهور الذي لا يمكن للموسيقا أن تعتمد عليه لتمثلها أحسن تمثيل. *** إن نشدان السعادة في صحوة الذهن هي الأكثر كرامة للفن والأكثر شفاء للروح. *** ننسى أغلب الوقت العامل الأهم الذي يرافق تمثل العمل الموسيقي في داخلنا وتحوله الى متعة، هذا العامل هو الإرضاء الذهني الذي يجده المستمع في تتبع المؤلف على طول الخط. *** إن اللحظة الذهنية الضرورية لتذوق كل فن تختلف من مستمع الى آخر وتكون على درجات متباينة جداً. هذه اللحظة تهبط عند المستمع ذي الطبيعة الأكثر حسية والأكثر عاطفية الى حدها الأدنى وتبلغ بحدها الأعلى مستوى تصبح فيه صاحبة القرار عند الشخصيات ذوي الطبيعة الأكثر ذهنية. *** الموسيقا هي لعبة فنية ولكنها ليست مجرد لعبة. فالأفكار والمشاعر تسري كالدم في عروق جسد النغم المتناسق والجميل إنها غير مرئية ولكنها تحييه. *** الأهمية الفكرية للموسيقى تنبع من التشكيل النغمي الجميل والمحدد الذي هو مادة ذهنية وإبداع فكري حر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©