الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصغار يشاركون الكبار في مضارها من شابه أباه أنهكه التدخين

الصغار يشاركون الكبار في مضارها من شابه أباه أنهكه التدخين
22 مايو 2009 02:04
يجد عقب سيجارة غير مطفأة ملقاة على قارعة الطريق، ينتشلها برقة وحذر، يحتضنها بأنامله الصغيرة، يتوارى خلف السيارات المكتظة في المواقف، ويهم بها، يدخن بنهم ولذة، وعيناه تحرسان المكان. بدا وجهه أصفر شاحباً، وشفتاه داكنه من نفث الدخان بالرغم من صغر سنه، فهو لم يجتاز عتبة الطفولة بعد إلا أنَّ سحنته وملامحه قد تخلت عن معالم البراءة التي تشبثت بسراب الرجولة. فأصبح جسده الغض عرضة لشتى أنواع الأمراض. صور وحالات عديدة تلمسنا واقعها المزري، وأخرى رفضت الحديث تماماً. اكتسى وجهه شحنة الخوف والتردد، وبدأ صوته المبحوح مهزوزاً، مضطرباً من خوض هذا اللقاء السريع ، فامتنع ماجد ابن الرابعة عشرة في البداية من الحديث إلا أنَّه ما لبث أن تجاوب معنا، قائلاً : كانت بمثابة تجربة أردت خوضها، أسوة بأصدقائي في المدرسة، كنَّا نحاول أن ننزوي بعيدا عن الآخرين، لنتبادل مص عود السيجارة فيما بيننا في وقت الفرصة، أو بعد انتهاء اليوم الدراسي، فنلوذ بأقرب بقالة كي نشتري أعواد السجائر. بصراحة أجد فيه متعة تمنعنا من النظر إلى تبعات السجائر السلبية. مسؤولية البقالات وتروي لنا مريم جاسم مساعيها الدائمة في التعبير عن رفضها التام لوجود هذه الآفة بين محيط أسرتها قائلة: «أصبح الآباء هم من يلمعون السلوكيات الخاطئة لأطفالهم، ويدفعونهم إلى دهاليز المهالك التي لا يستطيعون الخروج منها، فقد عجزت تماماً من تقديم النصح والإرشاد لرب الأسرة حول مغبة التدخين في المنزل، والذي سينعكس سلباً على الأبناء، ولكن دون جدوى، فقد أصبح أمر التدخين عادة جارية، وعلى مرأى من جميع أفراد الأسرة، ما كنت أخشاه قد وقع فعلاً، فأثناء ترتيبي لغرفة أحد أبنائي وجدت تحت طية الفراش ولاعة ولفافة من السجائر، لم أتفاجأ بالأمر بتاتاً، فمن الطبيعي جدا أن يحذوا الأولاد حذو والدهم». تتحمل البقالات والمحال التجارية التي تروج هذه السموم جانباً من مسؤولية وجود مدخنين دون السن المسموح به قانونياً، حيث يشير أشرف (صاحب بقالة) إلى «أنَّه لا يمكن للبقال أن يبيع علب السجائر لمن هم دون الثامنة عشرة، وهو السن المسموح به من قبل الجهات الرسمية، وحتى لو أُرسل الطفل من قبل والده لشراء السجائر، فأنا أمتنع تماماً عن تسليمه العلبة، وإنَّما أعطيها للأب مباشرة. وأحاول قدر الإمكان أن أكون حذراً في ما يخص هذا الأمر، وأنا غير مسؤول عن السجائر التي تصل إلى يد الأولاد، فمسؤولية هذه المعضلة يتحملها الآباء أولاً وأخيراً. ضحية القسوة من جانبها أم غيث دخلت في مشادة قوية مع صاحب البقالة الذي تدور حوله الشكوك بأنَّه يبيع السجائر للمراهقين، قائلة: اكتشفت أنَّ أبني وعدداً من أصدقائه يدخنون، وعند مواجهة أبني بواقع الأمر أدركت أنَّ المسؤولية تقع على عاتق أحد أصحاب البقالة في جوار المنزل، فهو يبيع أعواد السجائر بنص درهم للمراهقين، لم أتمالك نفسي من تسليط كلمات لاذعة لصاحب البقالة، الذي أنكر الأمر تماماً، وقمت بتقديم شكوى للبلدية ضده. وتضيف أم غيث: لقد أصبحنا نواجه مخاطر حقيقية تتصيد أبناءنا، وتلحق بهم الأذى، ما لم نكرس جهودنا كآباء في تسليح أولادنا ببعض المفاهيم والقيم لردع هذا الخطر، ولكن للأسف الشديد فقد أصبح الآباء هم من يدفعون أبناءهم عنوة لارتياد هذا الطريق الشائك. وتوضح قائلة: إبني غيث كان ضحية قسوة والده وتعنيفه المستمر له، ونعته بألفاظ تحط من ذاته وقدره، الأمر الذي جعله يبحث عن الوسائل التي يثبت من خلالها بأنه على عكس ذلك، وأنه قادر على مجاراة والده، وأن يكون نداً له، وذلك من خلال البحث عن الرجولة الزائفة تحت مظلة التدخين بعيداً عن عيون الآخرين، مما دفع به نحو مهالك صحية واجتماعية ونفسية خطيرة. محاربة الآفة كيف ينظرأصحاب الاختصاص لهذه الآفة التي تفشت بين المراهقين وما هي جهودهم لاجتثاث هذه المعضلة، تقول د. وداد الميدور، رئيسة اللجنة الوطنية لمكافحة التدخين في وزارة الصحة: أكدت الفرائض العلمية بشكل لا لبس فيه أنَّ تعاطي التبغ و التعرض لدخانه يتسببان في المرض والعجز والوفاة نظراً لاحتوائه على مواد سامة ومسرطنة. في دولة الإمارات تصل نسبة التدخين بين الكبار إلى 18% (وفق دراسة 1996) وبين الصغار والشباب الذكور إلى 34% و 14% من الإناث. و تعتبر السكتة القلبية السبب الرئيس للوفاة في دولة الإمارات، ويأتي التبغ في مقدمة قائمة العوامل التي تكمن وراء هذا المرض، كما يشكل سرطان الرئة نسبة 14% من الوفيات. وتضيف الميدور قائلة: إنَّ مشكلة التدخين، أو استخدام التبغ بصورة أدق، مشكلة غاية في التعقيد، ومهمة مكافحتها لا تقتصر على وزارة الصحة فحسب، وإنَّما بجهود مشتركة من عدة مؤسسات وهيئات ووزارات، يجدر بها أن تتكاتف لمحاربة هذه الآفة، ذلك أنَّ اليد الواحدة لا تصفق. إنهاك بدني وحول تأثير هذه السموم على المراهقين والأطفال على حد سواء، يقول د. محمد صفوان طبيب أطفال: إنَّ التدخين يعد تهديداً خطيراً لصحة الأطفال والمراهقين، فهم معرضون جراءه لمشاكل صحية عديدة منها، عدوى الجهاز التنفسي العلوي، الالتهاب الرئوي، التهاب القصبات والربو، سعال مستمر وضيق تنفس، وزيادة معدل ضربات القلب، أسنان صفراء، رائحة نفس كريهة، إنهاك البدني عند القيام بأي مجهود ولو بسيطاً، زيادة احتمال الإصابة بسرطان الرئة، ويكون الطفل معرضاً أيضاً للإصابة بمرض الالتهاب الارتشاحي للأذن الوسطى. والأمر لا يقف عند التأثير البدني فقط، وإنما ينعكس على مستوى الإدراك، فنجد أنَّ مستوى الذكاء عند الأطفال المدخنين أقل من مثيله لدى سواهم من غير المدخنين، وهناك حالات ليست بالقليلة من الأطفال والمراهقين الذين نجدهم يترددون على العيادات الصحية، ويشكون من بعض الأمراض التي عادة ما تكون من تأثير التدخين سواء المباشر، أو ما يسمى بالتدخين السلبي. من جانب آخر نلاحظ أنَّ الأمراض النفسية أكثر شيوعاً عند الأطفال والمراهقين المدخنين، فنجدهم يعانون من اضطرابات فرط النشاط، والميل إلى التخريب، وفوضى السلوك والاكتئاب، هذه الضغوط النفسية مشاكلها تكون أقل عند غير المدخنين. ويرى محدثنا أنَّ التدخين ظاهرة اجتماعية سيئة تحتاج إلى مجابهة من قبل المجتمع على كافة المستويات، كما تحتاج إلى قدر كبير من الوعي من قبل الأهل والرقابة غير المباشرة على أولادهم، والعمل على فتح حوار بين الأولاد والآباء يسمح بمناقشة كافة مشاكلهم، ويعطي فرصة في مساعدتهم على اختيار الأصدقاء، كما يجب على الأهل أن يكونوا قدوة حسنة في نظر أبنائهم بامتناعهم عن التدخين، وفي حال تعذر ذلك، فيجب الامتناع عن التدخين داخل المنزل أو في السيارة. أدلة وبراهين من جانبها الأخصائية النفسية فاطمة السجواني تقارب الموقف قائلة: عادة ما ينشأ الطفل على مبدأ التقليد، فهو يقوم بتقليد كل ما يدور في محيطه من سلوك، وطبيعي جداً أن يلعب الأهل دوراً بارزاً في التأثير على سلوك الطفل إيجاباً أم سلباً، وعادة ما نجد أن الطفل من عمر 4 سنوات إلى 12 سنة، تبدأ لديه مرحلة التعلم الاجتماعي لبعض السلوك، عندما يرى الطفل هذه الممارسات من أقرب الناس لديه يتولد لديه تصور أنَّ الأمر مرغوب ومستحب القيام به، كون أقرب الناس منه يمارس هذا الأمر، وهو يعتبره مثله الأعلى و قدوة له، حيث نجد أن 80% من المراهقين يعود تدخينهم إلى كونهم يعيشون في بيئة مدخنة. وممكن أن نجد أطفالاً مدخنين من خلال تقليد الأقران والأصدقاء في محاولة أثبات الشخصة، وإظهار أنفسهم قادرين على مجاراتهم. حينها يمتلك الطفل يصعب عليه التخلص منها. وقد يقع المراهق بالتحديد تحت بعض الضغوطات النفسية مما قد يدفعه إلى التدخين، رغبة منه في الهروب من مشكلة ما، وقد يتحول الأمر نوعاً من محاولة لإظهار الرجولة، وهذه نظرة خاطئه تعشش عادة في عقول المراهقين، ودائماً ما نعيد ونكرر أن الأهل أي الأسرة هم من يقع عليهم المسؤولية المباشرة في إعادة وتيرة الحياة بإيجابيتها إلى الطفل من خلال أولا الابتعاد تماما عن ممارسة التدخين أمام الأطفال، وإعطاء الطفل بعض المعلومات الصحية حول مضار التدخين والمشاكل المنطوية عليها، وعدم استخدام العنف مع الطفل لمنعه من التدخين، وإنما تقديم بعض الأدلة والبراهين حول ما يمكن أن تسببه هذه الآفة ببدنه الذي هو أمانة لديه من الله عز وجل فيجب المحافظة عليها، أي غرس بعض المفاهيم الدينية التي تدعو إلى الابتعاد كلياً عن هذه السموم، والعمل على احتواء الطفل، وفهم مشكلاته وتلبية احتياجاته ومنحه الثقة من خلال إعطائه بعض المسؤوليات للقيام به، وإشراكه في بعض الحوارات العائلية، وتشجيعه على ممارسة بعض النشاطات البدنية التي تتعارض تماماً مع التدخين.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©