السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

حلول مبتكرة من «معهد مصدر» لالتقاط الكربون بتكلفة منخفضة

حلول مبتكرة من «معهد مصدر» لالتقاط الكربون بتكلفة منخفضة
1 مايو 2016 15:34
أبوظبي (الاتحاد) تسهم تقنيات وحلول التقاط وتخزين الكربون التي يتم تطويرها في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، في الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ودعم جهود دولة الإمارات الرامية إلى تلبية احتياجاتها من المياه والطاقة ومتطلبات قطاعاتها الصناعية، بالتوازي مع المساهمة في تحقيق الأهداف العالمية الخاصة لتحقيق الاستدامة المنشودة. وتوفر تقنيات التقاط وتخزين الكربون طريقة فعالة لاحتجاز الكربون الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري ومنع اختلاطه بالهواء. وتوفر هذه التقنية إمكانية التقاط الكربون ونقله وتخزينه تحت الأرض، أو استخدامه في إنتاج مواد كيميائية وصناعية ووقود وغيرها من المواد العالية القيمة. كما أنها تعِد باحتجاز أكثر من 90% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون التي تطلقها محطات توليد الكهرباء والمنشآت الصناعية، لكن سيكون ذلك مقابل تكلفة مرتفعة. وقال الدكتور طارق شميم، أستاذ الهندسة الميكانيكية وهندسة المواد في معهد مصدر: تتسم تقنيات التقاط وتخزين الكربون المتوفرة حالياً بكونها باهظة الثمن، ويمكن أن تكلّف شركات الكهرباء ما مقداره خمس الطاقة التي تنتجها. وإن تحقيق خفض كبير في نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو مرهون بقدرتنا على خفض تكلفة تقنيات التقاط وتخزين الكربون وزيادة كفاءتها. لكن في المقابل، ما تزال هذه التقنيات المكلفة أقل ثمناً من تقنيات الطاقة النظيفة، مثل الحلول المتوفرة لإنتاج طاقة متجددة. وتُقدر تكلفة التقاط طن واحد من ثاني أكسيد الكربون بين 50 و100 دولار، حيث يستحوذ تشغيل نظم التقاط وتخزين الكربون على 20% إلى 30% من استهلاك الطاقة ضمن محطات الكهرباء أو المنشآت الصناعية. وقد تصل تكلفة تزويد محطات الكهرباء بمثل هذه النظم إلى نحو 1.5 مليار دولار. ونظراً لارتفاع تكلفتها، لا يوجد حول العالم سوى 22 مشروعاً لالتقاط وتخزين الكربون قيد التخطيط أو التشغيل ضمن محطات لتوليد الكهرباء ومنشآت صناعية. ومن المتوقع أن يتم إطلاق أحد هذه المشاريع في أبوظبي في العام 2018. وحسب وكالة الطاقة الدولية (IEA)، يمكن أن تتكفل تقنيات التقاط وتخزين الكربون بخفض الكربون بنسبة 20% اللازم تحقيقها بحلول 2050 لتجنب ارتفاع المعدل الوسطي لدرجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين، لكن ذلك مرهون ببذل جهود كبيرة لزيادة وتيرة تطوير مثل هذه النظم. كما أن النجاح في استخدام هذه النظم على نطاق واسع يستدعي خفض تكلفتها، وهو ما يعمل باحثو معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا على تحقيقه. تقنيات وهناك تقنية شائعة لالتقاط وتخزين الكربون تدعى «التقاط وتخزين الكربون بعد الاحتراق»، حيث تقوم بتنقية الغاز الناجم عن عملية احتراق الوقود باستخدام مادة تكون عادة كيميائية ذات قوام مائي، تقوم بامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون. وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمد أبو زهرة، أستاذ مشارك في الهندسة الكيميائية في معهد مصدر: «حالما تقوم المادة الأمينية المائية بامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون بالكامل، يتم تسخين المادة لإطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون منها لالتقاطه وتخزينه. غير أن مشكلة هذه الآلية أنها تستهلك الكثير من الطاقة اللازمة لإعادة إطلاق ثاني أكسيد الكربون، فعملية التبخر الناجمة عن القوام المائي للمادة الكيميائية يتسبب في فقدان بعض الحرارة، ما يستدعي زيادة التسخين وبالتالي استهلاك المزيد من الطاقة». وكحل بديل للمادة الأمينية المائية، قدّم الدكتور أبو زهرة مادة أمينية صلبة قادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وخفض استهلاك الطاقة بمقدار النصف. فتأتي هذه المادة على شكل مسحوق، أي لن يكون هناك فقد للحرارة عند التسخين جراء تبخر المياه، وهو ما يجعلها أكثر فعالية من نظيرتها المائية. ويجري تجريب نموذج من هذه المادة الأمينية الصلبة لمدة ستة أشهر ضمن محطة كهرباء تعمل بالفحم في ولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة الأميركية، ونجحت في التقاط 90% من غاز ثاني أكسيد الكربون. ويجري ذلك في إطار مشروع ممول من قبل «مصدر للمشاريع الخاصة» ووزارة الطاقة الأميركية لتطوير واختبار مادة صلبة لالتقاط الكربون. ويقوم الدكتور أبو زهرة وفريقه البحثي حالياً باختبار المسحوق الأميني الذي يعمل عليه في دولة الإمارات ضمن محطة كهرباء تعمل بالغاز، حيث تعتمد الدولة على الغاز الطبيعي لتوليد معظم حاجتها من الطاقة الكهربائية. تحسين الكفاءة ويعمل الفريق البحثي، الذي يضم طلبة الماجستير، عليا الجسمي، رقية ديجان، وعبدالله الهنائي، وطالب الدكتوراه طلال الهاجري، على اكتشاف مجموعة من مواد الامتصاص العضوية والصلبة لتحسين كفاءة عملية التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون. ومن جهته قال الطالب الإماراتي طلال الهاجري «يمكن الاستفادة من تقنيات التقاط الكربون التي نطورها في معهد مصدر في الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون التي تنتج عن بعض الصناعات في الدولة التي تستهلك مقداراً كبيراً من الطاقة، فضلاً عن كونها تسهم في خفض البصمة الكربونية لدولة الإمارات». وعندما يمتزج الوقود الأحفوري، كالغاز أو الفحم، بالهواء ويجري تسخينه إلى درجة حرارة مرتفعة بشكل كافٍ، ينطلق غاز ثاني أكسيد الكربون والنتروجين وثاني أكسيد الكبريت في الجو. لذلك تقوم تقنيات التقاط وتخزين الكربون المخصصة لمرحلة ما قبل الاحتراق بفصل الكربون من الوقود الأحفوري قبل حرقه وفق عملية تتطلب الكثير من الطاقة، ما يجعلها أكثر تكلفة من تقنيات التقاط وتخزين الكربون بعد الاحتراق. وثمة تقنية أخرى رائجة في مجال التقاط وتخزين الكربون تعتمد على إزالة النتروجين من الهواء للحصول على أكسجين نظيف. فعند القيام بعملية «احتراق الوقود مع الأكسجين النظيف»، لا ينتج عنها سوى غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء. لكن تبقى علّة هذه التقنية أيضاً في أن الحصول على الأكسجين النظيف يتطلب مواد باهظة الثمن ووحدة لفصل الأكسجين عن الهواء تستهلك قدراً أكبر من الطاقة. استهلاك الطاقة من جانبه، يسعى الدكتور طارق شميم إلى اتباع طريقة مختلفة في التقاط الكربون شبيه باحتراق الوقود مع الأكسجين النظيف، لكن أقل استهلاكاً للطاقة. وتدعى هذه الطريقة «حلقة الاحتراق الكيميائية» التي تفصل الأكسجين عن الهواء دون الحاجة إلى تخصيص وحدة لفصل الهواء واستهلاك المزيد من الطاقة. وتتلخص طريقة عمل هذه التقنية في استخدام جزيئات معدنية تجذب جزيئات الأكسجين الموجودة في الهواء لتلتصق بها، ليتم بعد ذلك استخلاصها بسهولة واستخدامها في عملية احتراق الوقود الأحفوري. وهكذا سيكون من السهل فصل غاز ثاني أكسيد الكربون عن الغاز المتطاير من عملية الاحتراق ومن ثم التقاطه وتخزينه. وقال شميم «يجري إطلاق جزيئات الأكسجين الملتصقة بالجزيئات المعدنية إلى حجرة ثانية مخصصة لاحتراق الوقود. ويترافق مع هذه العملية فصل النتروجين الذي يتميز بدرجة حرارة عالية، حيث يمكن الاستفادة منه في عمليات توليد الطاقة الكهربائية مثل تشغيل التوربينات». وقد نجح الدكتور شميم وفريقه البحثي بالتعاون مع باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجامعة جنوب شرق الصين في بناء أول نظام لحلقة الاحتراق الكيميائية في المنطقة، والذي يخضع حالياً لسلسة من عمليات الاختبار واثبات الجدوى. ويعمل الفريق البحثي حالياً على إيجاد المواد المعدنية الأمثل القادرة على التقاط جزيئات الأكسجين. وقال الدكتور شميم: «على الرغم من كون نظم التقاط وتخزين الكربون الأخرى أكثر ملاءمة للاندماج ضمن محطات الكهرباء القائمة، إلا أن نظام «حلقة الاحتراق الكيميائية» أقل استهلاكاً للطاقة، ليقدم مجالاً جديداً ينطوي على الكثير من الإمكانيات التي يتوجب العمل على اكتشافها». ويجري عادة ضخ غاز ثاني أكسيد الكربون في مكامن النفط والغاز الجافة في أعماق الأرض، أو ضمن بنى بازلتية في أعماق البحار، وفي أحيان أخرى يتم استخدامه والاستفادة منه في مجالات مختلفة. استخراج النفط وبدورهم، يعمل باحثون آخرون في معهد مصدر مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) على توظيف غاز ثاني أكسيد الكربون المحتجز في تعزيز عمليات استخراج النفط. فيتم ضخه بضغط عالٍ في آبار النفط لتحرير المواد الهيدروكربونية المحتجزة في الصخور ورفعها إلى السطح، وذلك كبديل عن الغاز الطبيعي الذي يُستخدم غالباً للقيام بهذا الغرض. كما يتم توظيف غاز ثاني أكسيد الكربون في إنتاج وقود ومواد معدنية وكيميائية ذات قيمة. فيعمل الدكتور أبو زهرة في هذا المجال مع شركة الحلول الهندسية للتعدين (ENGSL Minerals) ومقرها الإمارات على الاستفادة من غاز ثاني أكسيد الكربون في إنتاج مواد إسمنتية خام والتي يتم استخدامها في العديد من القطاعات الصناعية. يُذكر أن شركة الحلول الهندسية للتعدين قد حصلت على براءات اختراع عن تقنيات قامت بتطويرها واختبارها، وتتمحور وظيفتها حول التقاط الكربون وتحويله إلى مركبات الصوديوم الكيميائية، كما أنها تعمل حالياً على اكتشاف إمكانية تسخير الكربون في إنتاج الإسمنت. وقال الدكتور أبو زهرة: «نعمل على تطوير أجهزة مخبرية تساعد في تطوير هذا النظام واستكشاف إمكاناته، وحالما ننتهي من ذلك سيتم اختباره ضمن محطة خاصة قامت شركة الحلول الهندسية للتعدين بإنشائها في منطقة المصفح في أبوظبي». تحديات تغيير المناخ أبوظبي (الاتحاد) يسعى معهد مصدر من خلال المشاريع المتعلقة بتقنيات التقاط الكربون وغيرها إلى توفير طيف واسع من الحلول المبتكرة العالية الكفاءة والمنخفضة التكلفة لمساعدة دولة الإمارات في خفض انبعاثات الغازات وتحقيق أهدافها الطموحة المتعلقة بزيادة إنتاجها من الطاقة النظيفة. ويؤكد مراقبون أن تغير المناخ ربما يكون التحدي الأهم الذي نواجهه في العصر الحديث، ولعل هذا ما دفع 195 دولة للاجتماع في مؤتمر الدول الأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 21) وتوقيع اتفاقية باريس للمناخ التاريخية، والتي تدعو إلى مكافحة التغير المناخي عبر الحد من الانبعاثات، وتعزيز مستوى المرونة والتكيف في الاقتصادات والمجتمعات، واتخاذ مختلف الأطراف خطوات جدّية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي. ويمثل ضمان مواصلة مسيرة تقدم البشرية دون الإضرار بالمناخ عبر انبعاثات الغازات، مهمة جسيمة تستدعي وضع مجموعة واسعة من الاستراتيجيات والحلول. وتبرز تقنيات التقاط وتخزين الكربون (CCS) كأحد الحلول المهمة التي يتوقع أن تلعب دوراً مهماً في تحقيق التوازن بين المتطلبات البيئية والصناعية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©