الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الغموض يسيطر على صناعة النفط العالمية

الغموض يسيطر على صناعة النفط العالمية
22 مايو 2009 23:38
بعد أن توقفت مسيرة أحد أكثر العقود ازدهاراً في تاريخ صناعة النفط، يبدو أن القطاع أصبح في طريقه لأن يواجه مستقبلاً أشد قسوة ومخاطرة، فالأرباح التي تحققت في السنوات الماضية تبخرت بالكامل تقريباً تاركة الشركات تواجه أحد أصعب المهام المتمثلة في التكيف مع عالم بات يتسم بانخفاض الأسعار وعدم وضوح الرؤية فيما يختص بالطلب. ونتيجة لانزلاق السوق لأسعار تراوح معدل 50 دولاراً للبرميل منذ النصف الثاني لعام 2008 فإن العديد من الشركات المنتجة الصغيرة والمتوسطة الحجم، وليس العملاقة من أمثال اكسون وتوتال وشل، قد تكبدت خسائر هائلة بينما أخذت الدول المصدرة للنفط تعاني الأمرين من الانخفاض المريع في الايرادات، بل أن حتى كبريات شركات النفط العالمية أصبحت تشهد تراجعاً كبيراً في مستوى أرباحها هذا العام. ونتيجة طبيعية لذلك فقد اتجهت العديد من الشركات إلى خفض استثماراتها بشكل حاد بالإضافة إلى تقليل التكاليف إلى المستوى الأدنى الممكن وتسريح العمال والمستخدمين في محاولات حثيثة لتقليل النفقات. وبالإضافة إلى أجواء الغموض التي تحيط بالاقتصادات المتعثرة والاتجاه التنازلي للنمو العالمي فقد تواترت الأنباء مؤخراً عن إمكانية انتشار وباء لانفلونزا عالمية جديدة وبشكل أثار المخاوف من امكانية تكرار تداعيات مرض السارس التي أدت إلى إلحاق الشلل بصناعة السفر الجوي في عام 2003. وفي مذكرة تقدم بها المحللون في مؤسسة رايموند جيمس ورد التحذير التالي في مقدمتها: «إن أسعار النفط على المدى القصير أصبح بإمكانها أن تسلك أياً من الاتجاهين»، بل أن هناك مشاعر مماثلة أعرب عنها بيتر فوسر كبير المراقبين الماليين في شركة رويال دوتش شل والذي أصبح المدير التنفيذي للشركة في يوليو الماضي قائلاً: «إن الوضع الحالي يعتبر أصعب مناخ يواجه الصناعة النفطية بحيث أصبحنا في حاجة ماسة لنوع من الوضوح في الرؤية». أما بالنسبة إلى ما خلف الضباب في أجواء المدى القصير فإن العديد من التنفيذيين باتوا يتوقعون أن تشهد الأسعار ارتفاعات جديدة بمجرد أن يتعافى الاقتصاد العالمي، إذ إن وكالة الطاقة الدولية أخذت تحذر وبشكل مكرر مؤخراً من «أزمة في المعروض والإمدادات» بعد أن نأت الشركات بنفسها عن الاستثمارات وبشكل يمكن أن يؤدي بدوره إلى طفرة جديدة في الأسعار، وصرح خالد الفالح المدير التنفيذي لشركة ارامكو السعودية في مؤتمر عقد مؤخراً في واشنطن قائلاً: «إننا ندرك أنه بمجرد عودة الانتعاش إلى الاقتصاد العالمي وتنامي الطلب على البترول في ظل غياب مثل هذه الاستثمارات فإن من المرجح أن يواجه العالم دورة جهنمية أخرى من ارتفاعات الأسعار». دعوة الأجانب والآن فإن هذه التحذيرات باتت تخفي وراءها اتجاهاً جديداً ومغايراً في الساحة النفطية، فالدول المصدرة للنفط والتي ظلت تغلق الأبواب أمام المستثمرين الأجانب وتحرمهم من الدخول إلى حقولها النفطية ابان ارتفاع الأسعار، بدأت مجدداً في تخفيف هذه القوانين، إذ إن الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط ألحق أضراراً جسيمة بالدول التي تساهم فيها الصادرات النفطية بأكبر قدر من الإيرادات الحكومية، إذ إن فنزويلا على سبيل المثال باتت تتجه الآن لعقد أول جولة للتراخيص الخاصة بالاستكشافات منذ عام 2000. كما أن الرئيس هوجو شافيز الذي عمد إلى تأميم حصة مقدرة من قطاع النفط في الدولة مؤخراً أصبح فجأة أكثر حرصاً على إبرام الصفقات مع المستثمرين الأجانب من أجل ضخ المزيد من النفط، وهناك أيضاً العراق الدولة المتعسرة في الأموال والتي آثرت مؤخراً التفاوض مع المستثمرين الأجانب سعياً للحصول على قروض بمليارات الدولارات من الشركات النفطية كشرط لمنحهم تصاريح الدخول إلى احتياطياتها الهائلة من النفط. وفي خارج الدول الاثنتي عشرة التي تشكل منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) فإن الدول المنتجة الأخرى مثل روسيا والمكسيك والنرويج بدأت تناضل أيضاً من أجل العمل على إيقاف التراجع الحاد في الإنتاج، علماً بأن وكالة الطاقة الدولية والعديد من مراكز التنبؤات الأخرى توقعت أيضاً أن تنخفض الإمدادات من الدول من خارج منظمة الأوبك في هذا العام بسبب النقص في الاستثمارات وتباطؤ التدفقات من حقول النفط المعمرة. وبرغم ذلك فإن بعض المحللين مازالوا يرون أن أسعار النفط المتدنية ليس من شأنها بالضرورة أن تؤدي إلى انخفاض شامل في الإنتاج، إذ يقول انطوني هالف محلل الطاقة في شركة نيوويدج للوساطة والسمسرة: «في ظل تدني الأسعار وانخفاض الإنتاج فقد أصبحت للدول المنتجة شهية حقيقية للأحجام العالية من النفط، وهو أمر يعتبر تحولاً عكسياً للاتجاه السائد في العقد الماضي عندما كانت الدول والشركات المنتجة لديها القليل من الحافز لإنتاج المزيد من النفط لأنها كانت تحصل على أرباح كبيرة في كل برميل»، إلا أن هناك بعض الدول المنتجة التي آثرت فيما يبدو القبول بحقيقة انخفاض الطلب والأسعار مثل المملكة العربية السعودية المنتج الأكبر للنفط في العالم التي أشارت مؤخراً أنها تتجه إلى خفض نشاطها في عمليات الحفر في هذا العام بعد أن أكملت جملة من التوسعات الرئيسية في الإنتاج النفطي في غضون فترة السنوات الخمس الماضية. وكان علي النعيمي وزير النفط السعودي الذي يعتبر الأكثر واقعية في منظمة الأوبك قد وصف سعر النفط بمقدار 50 دولاراً للبرميل بأنه «المساهمة السعودية في عودة النمو إلى الاقتصاد العالمي»، وذلك في مؤتمر الطاقة الذي عقد في طوكيو في الشهر الماضي، أما عبدالله العطية وزير الطاقة القطري فقد ذكر من جانبه في نفس الاجتماع أن الدول المنتجة يجب عليها أن تتكيف مع التغيرات التي حدثت في الظروف الاقتصادية. ومضى يقول: «أعتقد أن سعراً يتراوح ما بين 40 و50 دولاراً يعتبر أكثر واقعية بالنسبة لعام 2009». بيد أن العديد من المنتجين الآخرين ليسوا فيما يبدو متفقين مع هذه الفلسفة الواقعية، حيث أشار عبدالله سالم البدري الأمين العام لمنظمة الأوبك إلى أنه «غير راضٍ» عن الأسعار الحالية والتي ذكر بأن من شأنها أن تدلي «بآثار سالبة» على الاستثمارات في الدول الأعضاء، علماً بأن 35 من إجمالي 165 مشروعاً قد تم تأجيلها حتى عام 2013 في داخل الدول الأعضاء في منظمة الأوبك، ومضى البدري يقول: «إن سعراً بحوالي 50 دولاراً للبرميل ليس كافياً بأي حال من الأحوال للشروع في الاستثمارات، وأعتقد أن سعراً يزيد على 70 دولاراً سوف يؤدي إلى عودة الاستثمارات». عودة الانتعاش ويذكر أن أسعار النفط قد استعادت بعض أراضيها المفقودة في الأسابيع الأخيرة بمساعدة من التلميحات التي أشارت إلى عودة الانتعاش الاقتصادي بعد أن اندفعت الأسعار باتجاه 60 دولاراً للبرميل إلا أن القليل من المحللين يتوقعون لهذا الانتعاش أن يستمر لفترة طويلة وأن ترتفع الأسعار إلى مستوى أعلى من ذلك في المدى القصير على الأقل. أما بالنسبة لكبريات شركات النفط العالمية مثل اكسون موبيل وشل وبريتش بتروليوم فبعد أن تمتعت بفترة من الأسعار العالية واستدرت أرباحاً قياسية سرعان ما بدأت تشهد انخفاضاً حاداً في ايراداتها في الربع الأول من العام، إلا أنها مازالت تقاوم الانكماش السريع عبر الاستفادة من الانخفاض في التكاليف في جميع أنحاء الصناعة، إلا أن الحذر أصبح العامل المسيطر في اللعبة كما يشير باولو سكاروني المدير التنفيذي لشركة ايني الإيطالية للنفط، والذي مضى يقول: «إن من المرجح أن تتجه الأسعار إلى الانخفاض عوضاً عن الصعود، ولكن من المؤكد أن أهم سلعة في العالم قد تركت بالكامل نهباً للتقديرات والأطوار الغريبة التي تحتمل الخطأ والصواب»، بل ان انتشار انفلونزا الخنازير مؤخراً جاء ليضيف بُعداً جديداً للصورة التي تتسم أصلاً بالغموض وعدم وضوح الرؤية وبشكل شجع بعض الخبراء على إثارة التساؤلات حول التأثيرات التي يمكن أن تنجم عن انتشار وباء عالمي على قطاعات النقل والتجارة وعلى الطلب على النفط في نهاية المطاف. إلا أنه من المؤكد أن السؤال الأكبر أخذ يتمحور حول طول الفترة التي سوف يستغرقها الركود العالمي والتداعيات التي سوف تسفر عنه على الطلب العالمي على النفط، فلقد فاجأت الوكالة العالمية للطاقة جميع المراقبين بتقريرها الذي أفرجت عنه في الأسبوع الماضي والذي خفضت فيه سقف توقعاتها وبشكل حاد للطلب العالمي على النفط عندما قدرت أن متوسط الاستهلاك العالمي للنفط سوف ينخفض بمقدار 2.6 مليون برميل يومياً إلى مستوى 83.2 مليون برميل أي بتراجع بنسبة 3 في المئة عما كانت عليه الحال في العام الماضي وبمقدار أقل بحوالي مليون برميل يومياً من توقعات معظم المحللين. عن «انترناشونال هيرالد تريبيون»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©