الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

راشد شرار.. بيت القصيد

راشد شرار.. بيت القصيد
26 فبراير 2014 21:19
أية لغة.. أية بلاغة تستفيق على لسانك وتنهض بأجنحة الفراشات، معطرة من فوح، وجرح ألذّ ما فيه أنه نسج من دماء القلب قصائد وفرائد وقلائد، حتى اشتاقت النجوم لقطوف تلألأت أقمارها عند شغاف القصيدة.. هذا هو بيت القصيد والمجد السديد لشعر ينمو كأنه أعشاب القلب يزهو كأنه من نخب فاض وعيه عند شفة الكأس المترعة. راشد شرار.. على شفتيك تبدو القصيدة لحناً كونياً، جاز له أن يستولي على قارات القلب، ويستبد بمحيط الروح، مؤكداً أنك النشيد التليد، والصوت القادم من صحراء الشوق، مضرجاً بدماء اللوعة، متهدجاً مستدرجاً جل الفواصل والمفاصل اللغوية لأجل بنيان فيه البيان، ولأجل بنان يشير إلى تبيان، ويبني القصيدة على ضفاف وجد ما تهاوت عروشه، كونه المبتدأ والخبر وكونه الوادي والمطر، وكأنه اللغة الأبدية، والحرف المستعر، تجلى عن كواهل من يقرضون من بعدك، الصدأ والصدى، وصوتك المجلجل، لحناً يعربياً، يغسل رغيف الحياة من عرق ونسق ودفق، وحرقة في الثنايا، إذ إنك تمنح الشعر شرشف الأوزان، وتسترخي عند مضاربه، جواداً يجود بإجادة الجيدين. حِنّة المرتلين راشد شرار.. في صوتك حِنّة المرتلين، وبحة المذهلين عندما تنيخ القصيدة، مستسقية من معين الموهبة الفذة، مرتوية من نبع الزلال المبهم.. لك الشعر يبدو رؤيا ورؤية، وتبدو الناسك في صومعة التأمل، تتجلد صبراً، وأنت في القيامة الشعرية تجتاحك وعود الذات، فتغتسل قبل التحري، بماء التألق ثم تمضي في الانسياب منجباً نخلة أو قبلة.. أو سنبلة متواصلاً مع أخلاق القصيدة مجللاً بأسوار الوزن، ونبرة القافية. راشد شرار.. أسمعك وأراك، ويخب بعيري كلما لاحقت عدوك وأنت تتسرب في أحشاء القصيدة كأنك الدماء كأنك الماء، كأنك النجمة في السماء عندما تتطرف في الحب، وعندما يكون الكون نافذة لا تعاد نظرة على الأرض، أو ما تحت الأرض، وهكذا، وأنت بين كوكبة شعرية، في بيت القصيدة، تتناول أطراف الحديث، بشفافية العشاق، ورقة المشتاق، ودقة الأشواق، تطارد الفراشات في حقول ونهول، والجداول الشعرية، تحيطك بالعطر والزهر، تملؤك بالحياة كما أنت في الحياة عشباً قشيباً، تتخايل أهدابه بين النسمات كأنها القدرة الفائقة.. أنت هكذا يا سيدي، أنت للشعر وعد وعهد، ونهر وسد، وحد وسؤدد، أنت للشعر مكانة في الزمان، أمانة في المكان، نرى فيك النشوة نخوة تصب رحيقها في شمعة القلب، ثم تمضي في الفضاءات رافعة النداء أيها الأحباب، أيها العشاق، ما العشق إلا حرقة ودفقة، ما الحب إلا رعشة القصيدة عندما تكون من نسل الأصايل السامقات الباسقات اليافعات اليانعات، وخيمة العشاء، سماء دبابها شفة تلهج بالنوى والجوى، وتتهجى أسماء الذين خاطوا للحياة قماشة الفرح، الذين كتبوا للإنسان الياذة السعادة، والذين أعطوا وأفنوا العمر لأجل أن تضيء القصيدة فضاء الطير، ولأجل أن يضع الشعر قوافيه أوراقاً شفيفة على قمم الشجر. راشد شرار.. هكذا أنت منتمياً إلى قصيدتك محتوياً عقيدتك الشعرية، بالحب نفسه الذي أحب فيه يعقوب يوسف.. هكذا أنت يحرضك الشعر لأن تكتب، يملؤك وعياً بالحياة، فتنزح من قطراته وعاء القلب ثم تكتب وتكتب، حتى تشخب الروح، وتفيق الجياد على عشب المراحل الناهضة.. هكذا أنت تكتب لأنك تؤمن أن الكتابة وحي ووعي، وسعي باتجاه الشقاء اللذيذ، لأن الكتابة نفرة الحجيج عندما تتراخى عيون الآخرين، وتذبل الجفون. هكذا أنت سيدي، في ابتسامتك العفوية قصيدة مؤجلة، وحكاية مجلجلة، وشيء في أحشاء الكون لا يغمض عينيه عن رضاب الكلمات الموغلة في الضجيج. أجدك في القصيدة النبل والسبل، والجدل المؤرق، والأمل أجدك قاب قوسين من بيت في القصيدة وبيت القصيد، تسرج خيلاً بجموح الأوفياء، وتثابر بوفاء، وتطلق النشيد بأجنحة الطير المحدق في زرقة الماء، الناهل من شغف ولهف ودنف، سقفك السماء والملاءة دفء الشعر، والشعراء يتبعهم من عشقوا مفردة الفتوحات الكبرى، وما شق عليك سيدي أن تتبوأ عرش الكلمات بفصاحة وحصافة، ورجاحة المعنى، ورسوخ المغزى، فالقطر من نث وحث وبث والجداول، تستسقي من عيون الشعر العذب الفرات. راشد شرار.. لا يتبعك إلا الحر، ولا ينيخ لعصا الموهبة إلا قصيدة معتصمة بحبل الرزانة والرصانة، تتوخى الحذر من العصيان، كلما ناولتها فكرة متأججة، كلما قطفت من بساتين الذاكرة ما خبأته ساعة التوهج، وانحدار الشمس عند قامة الرأس.. راشد شرار.. تجسد في القصيدة قوامة الصحراء وقيامة الريح، ومقامة «الغاف» وقائمة من خصال ونصال ووصال، ولا احتمال لديك سوى حقيقة أن للشعر فرسين ونهرين، نهر يلهم ونهر ينعم بالأبدية، وأنت في الشعر، نهر وبحر، وفجر وقدر، وصدر يحفظ سر المعجزة عندما تكون القصيدة بلا رديف يخالج، ولا سقيف يغانج، إنك وحدك سيدي في المضمار والضمير إنك وحدك سيدي ما بين الفرزدق وجرير، إنك وحدك، المماثل للشعر الجدير.. إنك وحدك مثل ذاك الطير، تسجر بحاره ولا يستجير. راشد شرار.. في سكنات الوجد في ثكنات الحرقة، في اللحن والشجن، في موقد ومعبد، تصير القصيدة ميلاداً ونبوءة، نحن الذين نقرأ العبارة الملهمة، ثم نسجد حتى ترتعد فرائص الكون خشوعاً.. تصير القصيدة النبوغ والبلوغ إلى غاية الخلق، والأخلاق، تصير القصيدة في المجمل كائناً يهش بعصاه مآرب أخرى، ويكتب في المناقب عن وطن وغصن، وعن فن وفنن، يكتب كما ترسم المحيطات على السواحل تلافيف الإبداع المدهش.. سنبلة الحياة راشد شرار.. في المسافة ما بين القصيدة والقصيدة، تنبت سنبلة الحياة، ويعلو رفيفها، وتشتاق النخيل إلى رائحة الحبر والرضاب، تشتاق الصحراء إلى خبيب النوق، وعلى هودجها تسكن امرأة، في عينيها قصيدة وفي قلبها يسكن شاعر، أسس للمعنى فتنة وافتناناً، ولم يشق قميصاً من دبر، إنه المكلف بصياغة المشهد كما هو في القصيدة، هو المعنى في سبك حبات الخرز على نحر وجيد.. راشد شرار.. لا يحلو للقصيدة إلا أن تكون لسان حال شاعرها، ولا يحلو للشاعر إلا أن يكون ضمير القصيدة وأنت سيدي، ملأت وعاء القصيدة حُلُما وحِلْما وأسقيت أشجارها من ماء الروح، موقناً أنك في الشعر مثل الحياة تتنفس لتعيش كما تقصد لتستمر الحياة زاهية، بهية نقية عفية صفية، شفيفة عفيفة لطيفة بلطف الماء وهو يداعب الزعانف الرقيقة. راشد شرار.. من صخب الشعر من نخب القصيدة تكرع وتتفرع فكرة جلية، تتجلى في المعاني، كائناً يخصب الحياة بالفرح، فيزهر ويزدهر، وينثر وينتشر عطراً ونهراً، بطفولة يافعة بعفوية يانعة، ترفع بهجة الخيال، مخبئاً معناك في صلب الشعر، في ترائب القصيدة، مكتسياً بالألم اللذيذ، متوهجاً بالفراسة، وقرطاسك، قلمك، ألمك، حلمك، وجدك، نهلك وسهرك، هذا النسق الرهيب المترامي في غضون القصيدة، المتسامي في عيون إبداعك ويراعك، فماذا يمكن أن تقول امرأة قرأت ما بين السطر والسطر، ماذا يمكن أن ينطق وطن لامست حبات ترابه حروف كسنابك خيل، جاز لها أن تخفق، وتنطق وتتدفق، كمجرى في عروق الأرض، كورطة تؤسس للمعنى جمالاً وكمالاً، ونبلاً وأصلاً، وتكتب للعاشقين عن حكاية شاعر، يعشق القصيدة كما يعشق في عيون المرأة ومضة الانتماء، كما يعشق في زرقة البحر لحظة الصفاء، كما يعشق في سجادة السماء مصابيح الذروة القصوى كما يعشق في الأشجار ملامح القبلات ما بين غصن وغصن، كما يعشق في الطير نخوة التحليق بمجاديف الهواء المعلقة، كما يعشق في الليل مظلته الواقية، كما يعشق في النهار سلته البيضاء المترامية، كما يعشق في العيون نظراتها المتشظية، كما يعشق في الشفتين ورديتهما الغافية على نهر الرضاب، كما يعشق في الألم وخزاته الموحية، بأن الروح بلا ألم، كصفحة بيضاء بلا قلم.. كما يعشق الوجود حياً نابضاً، ينهض بالحياة، وينثر ورودها على كفوف العشاق ومن ناولتهم الأشواق رغيف الأسئلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©