الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسنو لبنان.. حكايات لا تنتهي عن غدر الزمان

مسنو لبنان.. حكايات لا تنتهي عن غدر الزمان
21 فبراير 2011 21:18
يتحين كبار السن إنهاء سنين الخدمة، بكثير من القلق والاضطراب، خصوصاً في ظل التطورات الاجتماعية الراهنة، التي تعصف بالعالم كله، والتقاعد بعد أن كان يعتبر مرحلة جديدة، لمن شقوا دروب الحياة بصبر دؤوب، آملين بنهاية سعيدة لشيخوختهم، لناحية ممارسة هوايات معينة بعد التقاعد لم تكن ظروف عملهم تسمح لهم بالقيام بها، أو على الأقل التمتع بما بقي لهم من عمر. وسنقف في هذا التحقيق لماذا أصيب بعضهم بخيبة أمل! عماد ملاح (بيروت) - يترقب المسنّ ويأمل ويتحمس لغد لا يعرف ماذا يخبئ له، فبعد أعوام طويلة من الكفاح والعمل والجهد، قضاها في خدمة وظيفته أو عمله الخاص، وأيضاً في خدمة أسرته وأولاده، يحين أوان الراحة، لكن لا راحة! خيبة أمل بعد أن عرفوا أن تعويض نهاية الخدمة أو الراتب التقاعدي لا يغني ولا يسمن في مواجهة أعباء الحياة الاستهلاكية، أصيبوا بخيبة أمل، بل إن فئة كبيرة من المسنين ترى أن رحلتهم الطويلة والمضنية، بدأت الآن، وبدلاً من أن تكلل بالحب والعطاء لمن فنا حياته وضحى عمره في سبيل عمله وعائلته، وتدبير مصير أولاده، على حساب شقائه وراحته، بات يرى بعد مضي هذه السنين، أن الفقر والمرض والإهمال ونكران الجميل، وعقوق الأبناء تنتظره على مفارق دربه القصير! أما في الغرب فلا خيبة أمل كما لدينا نحن! إذ يقال عن التقاعد أنه تاريخ لحياة جديدة للمسنين، الذين يعتبرون الشيخوخة متنفساً لهم بعد رحلة عمل شاقة، فيلجأون كل حسب رغبته وهوايته، إلى هواية يحبها ومهنة غير التي كان يمارسها، فيتطوع فيها لقتل الوقت وطرد الملل. وإذا كانت القدرة المالية متوافرة فلا بأس من افتتاح مؤسسة صغيرة، أو محل تجاري يقضي به بقية عمره. تجاعيد لبنانية في لبنان، للشيخوخة تفاصيل أخرى، أقلها أنها تعتبر عملية “هرم” لأناس أتموا خدمتهم وأدوا واجباتهم، وأفنوا أعمارهم في تربية عائلاتهم، فأصبحوا ذكرى بالية في نفوس البعض من الأبناء والأقارب. ومن المستحسن أن يكون مصيرهم وملاذهم، مأوى العجزة أو دور المسنين للرعاية الاجتماعية. طبعاً إنها نهاية حتمية ومأساوية، ويصف أبو أحمد (74 عاماً) ويقيم في إحدى دور الرعاية، مدى الألم والحزن اللذين يشعر بهما، وهو يرى مقدار الجشع وقساوة الأبناء وإجحافهم بحقه، لاسيما بعد وفاة زوجته ورحيل رفيقة عمره، حيث أصبح عبئاً على من حوله. ويقول: “كانت أحوالي المادية جيدة، ولم أبخل يوماً على أولادي، أو أقصر في تأمين احتياجاتهم، بل العكس قضيت كل عمري متفانياً مخلصاً من أجل أن أوفر وأومن احتياجاتهم، لذلك عندما داهمتني الشيخوخة اتفق الأولاد كلهم عليّ، فرموني في الشارع بعد أن استولوا على جني العمر من العقارات التي ورثتها عن والدي، وباعوا المنزل الذي كان ملاذي الأخير في هذه الحياة”. أصدقاء جدد ويضيف أن الندم ينتابه دائماً، لكن الزمان لن يعود إلى الوراء، ولو كان يعرف أن مصيره سيكون هكذا من قبل فلذات أكباده لتنبه على نفسه من غدرات الزمن القاسي. من جهته فإن أبو عمر- أحد المسنين، له رأي آخر في الشيخوخة، قال: “بعد استقالتي من العمل بسبب تقدمي في العمر، صرت أتردد كل يوم إلى حديقة “الصنائع” حيث أقضي الساعات الطوال، في ظل الأشجار أراقب طيور (الحمام الزاجل) تفترش الأعشاب وأغصان الأشجار للتزود بفتات الخبز والحبوب التي ألقيها لها، وهذا ما ولّد علاقة حميمة ترسخت بيني وبينه، إلى درجة أنني ما إن أدخل الحديقة حتى تحيط بي”. ويضيف مسترسلاً: “من الضرورات التي يحتاجها المسن كي يتجنب معاناة الشيخوخة، أن تكون له اهتمامات وهوايات، وأن ينعم الله عليه باكتفاء اقتصادي يكفيه شر العوز والحاجة”. اليوم، يتجنب أبو عمر كل الأعمال المرهقة وارتبط بعلاقات اجتماعية وطيدة مع الأقارب والجيران والأصدقاء، خصوصاً من هم بعمره، مؤكداً أنه يجب عدم الخلط بين مفهوم الشيخوخة وكبر السن. عجز وتحديات تحدث المسن صلاح زعيتر عن حالته وطيبة قلبه التي أوصلته إلى ما هو عليه، يقول: “بعد أن كنت أمتلك منزلاً كبيراً، قامت زوجتي بالاتفاق مع بناتي لانتزاعه مني عبر الاحتيال وسوء الائتمان، فأصبحت على قارعة الطريق، بعدما كبرت في العمر وانفضوا من حولي، وأنا لم أعتد العيش عالة على أحد، وأصابني العجز، فكان لابد أن أبحث عن مكان يأويني ويحفظ كرامتي فسكنت في أحد دور العجزة”. إلى ذلك، تتقدم الصحة كإحدى أهم أسباب السعادة، إذ من طبيعة المرء أن يحاول الظهور بشكل أنيق وصحة جيدة، وهناك أناس لا يعرفون كيف يواجهون الشيخوخة ومرحلتها وعوارضها، فممارسة الرياضة والتفاعل مع الآخرين والتنقل والسفر من مكان إلى آخر، كلها عناوين يمكن الاستفادة منها، فكما هناك مراحل تسمى الطفولة والبلوغ والشباب، كذلك هناك الشيخوخة التي يجب التعاطي معها بجدية ووعي. وتقول جورجيت فرحات- باحثة اجتماعية: “إن نظرة المجتمع للمسنين، قد تغيرت وأصبح الناس أكثر تقبلاً لها، بالرغم من التحديات التي تواجه هذه الفئة، كذلك بالنسبة إلى القيمين والمشرفين عن دور العجزة والإيواء. خصوصاً في دمج الأصحاء من كبار السن مع غيرهم من ذوي الإعاقات، إضافة إلى صعوبة تأقلم الطرفين، نتيجة اختلاف البيئة والثقافة والطباع، ونتيجة لهذا الاختلاف فإن المشكلات دائمة وكثيرة، والحساسية مفرطة بين الجميع”. نظام إنساني وأخلاقي يعمد كبار السن الى افتتاح مصالح جديدة، تمثل وجهاً مغايراً للعمل الذي مارسوه طوال حياتهم السابقة، فمثلاً من كان ينوي افتتاح وامتلاك دكان صغير يبيع فيه حاجيات وسلعاً منزلية، يحاول في سن التقاعد تحقيق ذلك قدر الإمكان، خاصة بعد أن عمل كموظف طول حياته في شركة ما. بينما هناك من يتقاعد نهائياً عن العمل، بعد فترة صعبة من المثابرة والجهد، فيعتبر الشيخوخة نقلة نوعية في حياته، من حيث الاستمتاع بما لم يقدر عليه في السابق. يقول أحد مسؤولي الضمان الاجتماعي في لبنان: “إن التأمينات الاجتماعية نظام إنساني وأخلاقي يجب أن تسعى إليه الدولة، لتوفير حياة كريمة ولائقة من خلال تهيئة الفرصة لمستقبل ضمان للشيخوخة، يوفر للعاملين مستوى مستقرا هادئا، لاسيما في ظل الظروف التي يفقدون فيها القدرة على الكسب بسبب الشيخوخة والعجز، أو نتيجة إصابة عمل أو إعاقة، والتأمينات شكل من أشكال الحماية الاجتماعية المتجسدة منذ التاريخ بالمساواة والعدل والاكتفاء الذاتي. إلى ذلك، تذكر كتب التاريخ عن الخليفة عمر بن الخطاب عندما رأى رجلاً عجوزاً يستعطي الناس باستيحاء، فسأله ما الذي دفعك إلى هذه الحال، فأجابه الرجل: إنها الحاجة والسن. فأخذ عمر بيده إلى بيت المال، وقال للقيم عليه: انظر إلى هذا وأمثاله، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شيبته، ثم نخذله عند الهرم والكبر” فخصص للرجل مبلغاً يحصل عليه شهرياً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©