الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دروس «ماديسون».. لا جدوى من الحروب التجارية

9 مارس 2018 21:36
يقول الرئيس دونالد ترامب إن الحروب التجارية يسهل الفوز بها، على الرغم من أن وقائع التاريخ الأميركي تثبت أن ذلك ليس صحيحاً. فخلال السنوات الأربعين الأولى من عمر الجمهورية الأميركية، كافح الآباء المؤسسون كفاحاً مريراً من أجل إبرام اتفاقيات تجارة دولية، كان يمكن للأميركيين، آنذاك أن يروها مقبولة. كانت الحاجة إلى النفوذ التجاري، هي العامل الأول الذي حفز جيمس ماديسون للدعوة إلى دستور جديد. وكانت للحروب التجارية في ذلك الوقت طريقتها في التحول إلى حروب بالنيران. فالحرب الأميركية- البريطانية التي اندلعت عام 1812، وهي أول حرب معلنة في تاريخ الولايات المتحدة، وقعت نتيجة لصراع تجاري بدا الأميركيون فيه غير قادرين على الفوز، من خلال فرض عقوبات اقتصادية فقط. ومفتاح فهم معاناة الآباء المؤسسين مع التجارة، هو إدراك أنه في القرن الثامن عشر، كانت الإمبراطوريات، تقوم بنفس الدور الذي تقوم به اتفاقيات التجارة الحرة متعددة الجنسيات في عالمنا الحديث. فالأجزاء المختلفة للإمبراطورية البريطانية، على سبيل المثال، كان يمكن أن تتاجر مع بعضها بعضاً بكل حرية، ولكن لم يكن مسموحاً لها أن تقوم بذلك مع الإمبراطوريتين الفرنسية أو الإسبانية. لذلك، عندما أعلنت الولايات المتحدة استقلالها في عام 1776، كان المؤسسون يقومون في الحقيقة بنوع من«البريكست المبكر». وقد استاء البريطانيون للغاية، من التمرد الأميركي، وقرروا معاقبته بالحيلولة دون وصول الأميركيين إلى الموانئ البريطانية. «ما الذي يجب عمله؟»، كان هذا هو السؤال الذي وجهه ماديسون إلى «جيمس مونرو» في رسالة كتبها إليه في أبريل 1785. تساءل ماديسون في تلك الرسالة: «هل يجب أن نبقى ضحايا سلبيين للسياسة الخارجية، أم يجب علينا أن نمارس الوسيلة المشروعة التي وضعها استقلالنا في أيدينا، وهي انتزاع الحق في إعادة العنونة؟» كان ماديسون يقترح بكلماته تلك «انتقاماً بوساطة الأنظمة التجارية»، أي باختصار، حرباً تجارية من أجل إجبار البريطانيين على السماح بسفن الشحن الأميركية بالوصول إلى الموانئ البريطانية. كان حل ماديسون لمشكلة الحرب التجارية، هو تصميم حكومة جديدة أكثر فاعلية. وكتب في هذا السياق يقول: «أتصور أنه من الأهمية بمكان أن يتم تعديل عيوب النظام الفيدرالي». لأن الدول «لا يمكن أن تحترم حكومة ضعيفة للغاية، وغير قادرة على حماية مصالحها». ليس من المبالغة القول في هذا السياق إن أفكار «ماديسون» عن الدستور قد ولدت من التجارة. وبمجرد التصديق على الدستور، والحكومة الفيدرالية الجديدة، تبين أنه من الصعب للغاية تحقيق النتائج التي أرادها المؤسسون. فعندما تقاطعت الحروب البريطانية- الفرنسية، التي نشبت مع الثورة الفرنسية، مع ما يعرف بالحروب النابوليونية، لجأ الجانبان معاً لمنع وصول سفن الشحن الأميركية لموانيهما. وبصفته وزيراً لخارجية توماس جفرسون، عاد ماديسون إلى أفكاره القديمة حول الحروب التجارية، فاقترح أولاً، الحظر المشهور لعام 1807 الذي حظرت الولايات المتحدة بموجبه كل الصادرات الأميركية من أي نوع إلى بريطانيا على أمل تركيعها. ولكن مع فشل هذا الحظر، نفدت قدرة الأميركيين على العيش دون عائدات تصدير، وذلك قبل أن يبدي البريطانيون أي إشارة على الرضوخ. وعندما انتخب ماديسون رئيساً في عام 1808 م، قضى السنوات الأربع التالية من ولايته، في تجربة كل شكل من أشكال العقوبات التجارية التي يمكن تخيلها ضد بريطانيا وفرنسا، مع متابعته في الوقت ذاته لدبلوماسية عدوانية، هادفاً كما كان الحال دوماً، لاستعادة القدرة على الوصول إلى الموانئ الأجنبية. بيد أن الطبيعة السلمية لجهود ماديسون، كانت تتناقض مع الحكمة التقليدية السائدة في ذلك الوقت، والتي كانت ترى أن القوة العسكرية فقط هي التي يمكنها في نهاية المطاف أن تنتج تنازلات تجارية ذات معنى. لكن «ماديسون» لم يكن لديه خيار، حيث لم يكن لدى الولايات المتحدة، في ذلك الوقت جيش دائم، وكان أسطولها الصغير يتألف من ستة فرقاطات فقط، لا تعمل كلها. كان هذا مقصوداً، حيث كان «ماديسون» باعتباره «جمهورياً»، يعتقد أن جيشاً دائماً سيصبح أداة لتسهيل نهاية الحكم الديمقراطي واستبداله بإمبراطورية، كما حدث في روما القديمة. تدريجياً بدأ ماديسون يميل إلى الاعتقاد، بأن نظرياته حول الحرب التجارية مبالغ فيها - وبدأ يهدد بالقيام بعمل عسكري ضد بريطانيا العظمى. وفي النهاية قرر الذهاب للكونجرس ومطالبته بإعلان الحرب ضد بريطانيا. وفي نهاية المطاف، اندلعت حرب عام 1812 التي كان سببها المباشر عدم قدرة الولايات المتحدة على تحقيق الأهداف التجارية باستخدام أسلوب العقوبات التجارية. من المفارقات الغريبة في هذا الصدد، أن استراتيجية «ماديسون» للتهديد المقرونة بالعقوبات قد نجحت، حيث ألغى البريطانيون أوامرهم الدائمة بحظر التجارة مع الولايات المتحدة في يونيو 1812. ولكن هذا القرار جاء بعد فوات الأوان، ولم يكن كافياً لتجنب الحرب. إن الولايات المتحدة اليوم هي، بالطبع، قوة عالمية عظمى، تختلف اختلافاً بيناً عن جمهورية 1812. ولكن دروس الحروب التجارية التي انتهجها مؤسسوها لا تزال ذات صلة حتى اليوم. أهم هذه الدروس أن الحروب التجارية في الممارسة العملية لا تسير بالطريقة ذاتها التي يفترض أن تعمل بها من الناحية النظرية. وعندما تتأزم الأمور يمكن أن تثير شبح النزاع المسلح. كانت حرب 1812 شبه فاشلة، حيث جرى صد غزو الجيش الأميركي لكندا المرة تلو الأخرى، وكانت الولايات المتحدة محظوظة للخروج مع هذه الحرب متعادلة. وهذا الأمر يستحق منا أن نتذكره لأن ترامب يشرع الآن في إقصاء حلفاء الولايات المتحدة عن التجارة معها - بما في ذلك الحليف الذي يتاخم حدودها الشمالية مباشرة. *أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©