الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سـر الولـد

سـر الولـد
20 ابريل 2008 00:10
كنت مستغربة من تصرفات هذا الولد، يأتيني ببعض الملابس الرياضية ويطلب مني غسلها وكيها ووضعها في حقيبة خاصة ليأخذها معه إلى المدرسة، ثم ينبهني بعدم إخبار أحد بهذا الأمر، كنت متعجبة جداً، فلماذا يحاول إخفاء مثل هذا الأمر عن الجميع، لابد وأن هناك شيئاً ما، لذلك فكرت في أن أستفز الولد وأحاول أن أستفيد قدر الإمكان من هذا الموقف، فللسكوت ثمن كما يقولون، وقد صار يعطيني من مصروفه بعض ''الدريهمات''، بالإضافة لبعض الحلويات والأقلام والأوراق، أشياء لا بأس بها، عموماً، لم أحاول معرفة سبب إخفائه مثل هذا الشيء البسيط عن أهله، مع علمي بأنها مجرد رياضة وليست جرماً يستحق إخفاؤه، فهو في النهاية يعود الى منزله بعد المدرسة، فيكتب واجباته ويتناول طعامه ثم ينطلق للعب مع الأولاد خارج المنزل، فما الضرر إذن إن كان يذهب لمدرسته ليشترك مع فريق المدرسة؟ في النهاية، الأمر كله من صالحي، فقد كف الولد تقريباً عن تكليفي بأية مهمات، لأنه كلما حاول أن يطلب شيئاً أو ''يتشاقى'' معي غمزت له بأنني ربما سأخبر أهله بسره، فيتراجع بسرعة وتظهر عليه علامات الخوف وكأنه قد ارتكب جريمة· لم أكترث للأمر كثيراً حتى حدثت المشكلة والتي عرفت بعدها ما هي حكاية هذا الولد· كان الولد مشتركاً في فريق كرة السلة التابع للمدرسة، وقد أخفى الأمر عن أهله، لأنه يعلم أن والده يرفض اشتراكه في أية أنشطة قد تلهيه عن المذاكرة، وهو يعلم أن أمه لا تستطيع إقناع والده بتغيير رأيه لأنها ضعيفة الشخصية· كان الولد متميزاً في اللعب وصارت المدرسة تعتمد عليه لتحقيق الفوز في المباريات التي تجرى بين المناطق التعليمية المختلفة، اضطر في إحدى المباريات الهامة لمرافقة الفريق إلى منطقة بعيدة، فتأخر في العودة إلى المنزل حتى المساء، قلقت الأم عليه واضطرت الى إخبار والده فذهب الوالد إلى المدرسة وسأل الحارس فأخبره بأن ولده ذهب مع فريق كرة السلة إلى منطقة بعيدة للمشاركة في المباريات النهائية· في الوقت الذي كان فيه الولد في غاية السعادة والفرح لأنه حقق لمدرسته الفوز، كانت غصة الخوف من والده تعتصر قلبه، وقد تحققت مخاوفه عندما وجد والده في انتظاره أمام باب المدرسة، وقد كانت مفاجأة غير متوقعة لجميع الأولاد، إذ نزل المدرس وأسرع ليهنئ الأب بما حققه ابنه، فبقي الأب متجمداً في مكانه، وما أن شاهد ابنه حتى وجه له صفعة قوية تركت آثارها العميقة على وجهه ونفسه، ثم سحبه وهو يبكي إلى سيارته وسط ذهول الجميع· بقي الولد منتحباً طوال الوقت· وفي اليوم التالي لم يتناول طعامه وقد ارتفعت حرارته وازداد نشيجه، وكانت أمه تبكي بجانبه وإخوته كلهم في حال متوتر سيئ حتى جاء مدرس الرياضة لزيارة عائلية غير متوقعة· استقبله الأب بترحاب وتحدثا سوياً لفترة طويلة، يبدو أنه استطاع إقناعه بضرورة مشاركة الطفل في الأنشطة وأنها لن تعيق الدراسة وإنما ستكون حافزاً للتفوق· ثم خرج الأب ونادى ابنه ليسلم على مدرسه، ثم ودعا المدرس وجلسا معاً جلسة ودية، فشرح لابنه وجهة نظره، موضحاً أنه عاقبه لأنه أخفى عنه أمر اشتراكه في الفريق، وأنه لم يأخذ رأيه في الأمر ولم يحاول إقناعه وإنما فضل أن يخفي كل شيء ويتصرف مثل الحرامي، كما أخبره بأنه لا يعاقبه لأنه يكرهه وإنما خوفاً على مستقبله لأن مستقبله يهمه كثيراً· فرح الولد بهذه المحاورة واستعاد حيويته ونشاطه وتناول طعامه وهو سعيد للغاية· وللأسف انقلبت الأمور في غير صالحي، لأن الولد عندما شعر بالأمان صار ينتقم مني بطريقته، لأنني قد قمت باستغلاله في تلك الفترة، فصار يأمرني بأوامر كثيرة، نظفي غرفتي مرة أخرى لأنك لم تنظفيها جيداً، اغسلي ثيابي مرة أخرى واكويها من جديد لأنها غير نظيفة· صرت أتمنى أن يقوم هذا الولد بأي خطأ فأمسكه عليه وأتقي شره قدر الإمكان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©