الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وبريطانيا··· اجترار الماضي السعيد

أميركا وبريطانيا··· اجترار الماضي السعيد
20 ابريل 2008 00:34
يبدو أن الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني يمران بأوقات صعبة للغاية، يؤشر على ذلك انغماسهما في الحديث عن الأيام الخوالي خلال الحرب العالمية الثانية؛ فقد وجد الرئيس ''بوش'' ورئيس الوزراء ''جوردون براون'' أمس نفسيهما في وضع لا يحسدان عليه وهما يواجهان أضواء الكاميرات في حديقة البيت الأبيض، بعدما أدت الحروب الفاشلة والأزمات الاقتصادية إلى تراجع غير مسبوق في شعبية الرجلين ومكانتهما -هو الأدنى في تاريخ البلدين منذ الحرب العالمية الثانية-، وفيما أصبح ''بوش'' الرئيس الأقل شعبية منذ الرئيس الأميركي ''ترومان''، لم تعد نسبة الدعم لرئيس الوزراء ''براون'' تقاس إلا بسخط الرأي العام البريطاني على ''نيفيل تشامبرلين'' بعد مهادنته لهتلر قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وهكذا لم يجد الزعيمان المأزومان بُداً من الرجوع إلى الماضي في مؤتمرهم الصحفي والحديث عن ''وينستون تشرشل'' والعلاقة الخاصة التي تربط البلدين· ''إني أقدر علاقتنا الخاصة مع بريطانيا''، كذا بدأ ''بوش'' حديثه عند اعتلاء المنصة، مضيفاً ''إن اعتقادي الراسخ أنه طيلة العقود السابقة لم تكن هناك شراكة دولية خدمت العالم أكثر من العلاقة الخاصة بين بلديْنا''، فرد ''براون'' مستذكراً ''الأيام الحالكة التي مر بها البلدان خلال الحرب العالمية الثانية عندما أقيم أقوى تحالف أطلسي''، لكن الصحفيين الذين حضروا المؤتمر أدركوا ما يسعى إليه الزعيمان ومحاولتهما الهروب من واقع مأزوم إلى ماض مريح فعلق أحدهم قائلاً: ''يرى بعض المراقبين أن العلاقة الخاصة بين بلديْكما هي أقل اليوم مما كانت عليه في السابق''، ''هذا خطأ'' سارع ''بوش'' إلى التوضيح قبل أن ينهي الصحفي تدخله بالقول: ''تربطنا علاقة وثيقة··· وهي علاقة خاصة قائمة على قيم مشتركة··· لذا فالعلاقة خاصة جداً وفيها تفرد من نوع خاص''· كان من الأفضل لو أن الرئيس ترك الأمور على هذا الحد، لكنه واصل حديثه مشبهاً البلدين بعاشقين غيورين، موضحاً ''لا يعني ذلك أنه لا يمكن لأحدنا أن يربط صداقات أخرى، لكن علاقتنا مع ذلك تبقى خاصة جداً، صدقوني إنها فعلاً كذلك!''؛ وحتى بعد هذا التوضيح المستفيض، شعر ''بوش'' بأن عليه شرح تلك العلاقة أكثر والإسهاب في توصيفها، رابطاً بين العلاقة الخاصة ودعوة العشاء التي وجهها لـ''براون'': ''إني أقدر العلاقة الخاصة بيننا والصداقة بين بلديْنا، وإذا لم تكن هناك علاقة خاصة ما كنت دعوت الرجل لتناول هامبورجر مطهي جيداً''؛ لكن هل بقول بوش إن الهامبورجر سيكون مطهياً جيداً كان يحيل إلى تلك الصورة النمطية عن البريطانيين الذين يفضلون اللحم مطهياً على نحو جيد؟ أم أنها كانت إشارة إلى احتمال تلوث لحم البقر الأميركي وبالتالي وجوب طهيه جيداً ليبعد الأخطار؟ ومهما يكن الأمر، يواجه الرجلان مشاكل أكبر يتعين مناقشتها والانكباب عليها، وهي المشاكل التي أشار إليها ''براون'' في معرض حديثه إلى الصحفيين موجهاً الكلام إلى ''بووش'' كما ينطقها الرجل بلهجته الأسكتلاندية، فقد تطرق الرجلان إلى تفشي العنف في أفغانستان والعراق، وإلى المشاكل في زيمبابوي وانتشار الإيدز في أفريقيا، فضلاً عن الأزمة الائتمانية وأسعار النفط المرتفعة، وحتى ما وصفه ''براون''، باحتجاجات الغذاء في العديد من بلدان العالم· ويبدو أن الأوقات عصيبة للغاية إلى درجة أن ''براون'' استقل طائرة تابعة لشركة ''تايتان'' للطيران التي تمنح تخفيضات للمسافرين، كما أن مكانة الزعيميْن تراجعت على نحو كبير، بحيث بدت المقاعد في حديقة البيت الأبيض فارغة من الصحفيين، ولم تهتم القنوات التلفزيونية بتغطية الحدث، اللهم مراسل وحيد لمحطة ''فوكس نيوز'' غطى المؤتمر الصحفي مباشرة، وعندما تقدم مساعدو ''بوش'' إلى البيت الأبيض تركوا الباب موارباً، مما دفع الرئيس ''بوش'' إلى مد يديه لفتحه بالكامل حتى يتمكن وضيفه من الدخول، والحقيقة أن ''بوش'' أدرك ما يعانيه من تراجع في المكانة، حيث أشار إلى خطاب كان قد ألقاه حول التغير المناخي مستفسراً، ''لكني لا أعرف إن كان أحد من الصحفيين تجشم عناء الاطلاع عليه''، وفي توضيح لسياسته في العراق لم يخلُ الخطاب من تكرار وحشو مُخليْن عندما قال: ''طيلة الفترة المتبقية لي في البيت الأبيض، فإن معيار النجاح هو الانتصار والنجاح''، ثم أضاف قائلاً: ''لم يتبق لي سوى عشرة أشهر من الرئاسة''· وفي ظل هذه المتوالية من الأزمات والمشاكل لم يجد الزعيمان سوى الأشياء الصغيرة للانشغال بها، حيث خاطب ''بوش'' ضيفه قائلاً: ''لورا وأنا سنعد لك وجبة شهية''، فرد الرجل ''إني أتشرف بتناولها معكما''، لكن أحد الصحفيين أعاد الزعيميْن إلى أرض الواقع وتوجه إلى ''براون'' بسؤال: ''هل تعتقد أن العلاقات الأطلسية ستتحسن في ظل الرئيس الجديد؟'' فراح يطمئن الصحفيين بأن العلاقة لن تخرج عن خصوصيتها، مشيراً في هذا السياق إلى لقائه مع مرشحي الانتخابات الأميركية؛ فعندما اجتمع براون مع ''أوباما'' أخبره هذا الأخير كيف جلس على مقعد ''تشرشل'' عندما زار مقر رئيس الوزراء في لندن وأعجب به، كما تحدث براون مع ''ماكين'' الذي أبدى تقديره للجنرال البريطاني الشهير ''مونتجومري'' ولدوره البطولي في الحرب العالمية الثانية، وبالطبع أعادت هذه الأحاديث ''براون'' إلى الماضي ودفعته في المؤتمر الصحفي مع ''بوش'' إلى تذكر ''الحرب المشتركة ضد الفاشية والانخراط في الحرب الباردة''، لكن في الوقت الذي كانت فيه العلاقة الخاصة بين البلدين تتجسد في خوض المعارك ودحر النازية، أصبحت تقوم اليوم على إعداد ولائم العشاء وطهي الهامبورجر! دانا ميلبانك كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©