الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أتجمل.. من أجله

أتجمل.. من أجله
25 مايو 2009 02:40
اعتقدت وقتها بأنني سأموت، وأن حياتي كلها انتهت، والعالم كله سيتوقف بعد تلك الصدمة، في الحقيقة هي ليست صدمة، وإنما هي صاعقة وقعت على رأسي وزلزلت كياني، هل يعقل أن زوجي متزوج من امرأة أخرى؟ وهل يعقل أنه قد رزق منها بأطفال؟ هل هذا يعقل؟ أين كنت أنا؟ ومتى حدث ذلك؟ هل هذا يصدق؟ فقدت توازني، وكاد قلبي يتوقف، وشعرت بأنها نهايتي الحقيقية، وصرت أدور حول نفسي كالمجنونة، لا أدري ماذا أفعل، أو كيف أتصرف. مع أنني تعودت على سماع مثل ذلك الخبر من عدد كبير من زميلاتي في العمل وصديقاتي ومعارفي وقريباتي، فالكثيرات مررن بنفس المشكلة، حيث اكتشفن وجود امرأة أخرى في حياة أزواجهن، وكأن هذا الأمر قد أصبح واقعاً مفروضاً في دولنا بعد أن امتلأت جيوب الرجال، وقد أصبحوا بلا مسؤولية في ظل عمل الزوجات وتحملهن مسؤولية البيت والأولاد، كنت أضع يدي على قلبي خوفاً من أن يتوقف فجأة وأنا أسمع حكايات كثيرة عن أزواج صديقاتي، وأتقطع ألماً عندما أرى دموعهن ومعاناتهن وهن يحكين عن التجارب المؤلمة التي عشنها بسبب ذلك، وكنت أدعو ربي ألا يحدث هذا الأمر معي، فأنا لا أحتمل بعد زوجي عني أو مشاركتي لامرأة أخرى في حياته، ولا أفهم كيف تستطيع بعض النساء أن تتقبل ذلك الأمر أو أن تتعايش معه، تلك الكارثة، فأين العقل وأين الحكمة وأنا أسمع عن وجود امرأة أخرى تمتلك حياة زوجي أبي أبنائي الذي عشت معه خمسة عشر عاماً بحلوها ومرها؟ جاهدنا معاً وكافحنا معاً لنبني أسرة متماسكة ونربي أبناءنا الأربعة أحسن تربية، وأن نوفر لهم الحياة الكريمة الطيبة التي تدفع بهم إلى النجاح وإلى الأمام، صحيح أن زواجنا كان تقليدياً، ولكن أحببته بالعشرة، فقد صار جزءاً من كياني ولا يمكنني التصور أن ينفصل عني أبداً، كنت أتصور أن مكانتي في قلبه كبيرة لأنه كثيراً ما أظهر هذا الاعتزاز وهذه المكانة أمام الأهل والأصدقاء، وكثيراً ما أسمعني كلاماً صادقاً اعتقدت معه أنه يحبني بصدق. كيف استطاع أن ينسى العشرة والحب والحنان والدفء الأسري الذي نعيشه، ويذهب للبحث عن أخرى؟ ربما لم يذهب ليبحث، ففي هذا الزمان لا يبحث الرجال عن النساء وإنما تتسابق الكثيرات للحصول على الرجال ذوي المكانة الاقتصادية الجيدة، بغض النظر عن كونه متزوجاً أم لا.. للأسف فهذه هي الحقيقة. أول صدمة لاحظت تغييراً طرأ على سلوك زوجي، فقد بدأ بالتغيب عن المنزل فترات طويلة، وأيضاً فإنه صار يطيل التحدث في الهاتف بصوت منخفض، أو يحاول الابتعاد قليلاً لكي لا نسمع حديثه، وأيضاً فهو لم يعد يهتم بالخروج معنا أنا والأولاد، وكان دائماً يدعي بأنه مشغول في العمل، بعد أن أصبح مسؤولاً كبيراً، ساورتني الشكوك، ولكني استعذت بالله من الشيطان الرجيم، وأقنعت نفسي بأنه ربما يكون صادقاً، لأن حياتنا الزوجية متكاملة من حيث التفاهم والانسجام والاهتمام، فهل يعقل أن يفكر في خراب حياتنا بسبب نزوة؟ كنت أبحث عن شيء في جيبه، فعثرت بالصدفة على بطاقة صحية لطفل صغير يحمل اسم زوجي، صدمت صدمة عنيفة، وبقيت واقفة في مكاني، وكأن العالم كله بدأ بالانهيار من حولي، دموعي تنهمر بلا انقطاع وجسدي ينتفض، ولم أعرف كيف أتصرف. بعد أن هدأت قليلاً أسرعت بالاتصال بصديقاتي المقربات اللواتي عشن نفس التجربة، فأسرعن للحضور في بيتي، ودارت المناقشات الحامية حول كيفية مواجهة مثل هذه المشكلة. كنت كالمصعوقة، أستمع إليهن وكأنني أعيش خارج الزمن، فكم من مرة كنت أنا أقف في مكانهن، أحاول جاهدة التخفيف عن صاحبة الأزمة، لم أكن أتخيل أنني سأكون في نفس الموقف، وأقوم بنفس الدور. مناقشات حادة كانت المناقشات حادة وكانت كلها تنصب حول خطة ذكية يمكنني بواسطتها استعادة زوجي بدون أن تكون هنالك مشاحنات أو خلافات تزيد في ابتعاده عني، وإنما التصرف بشكل عقلاني يضمن عدم الاستسلام والتراجع أو طلب الطلاق، لأن في ذلك ضرراً كبيراً على حياة الأطفال، ولا أدري لمَ لمْ يفكر الرجال في ما سيسببه ارتباطهم بأخرى من أضرار على حياة أطفالهم، وإنما يتركون هذا الأمر لتتحمله المرأة فقط؟ ثم بدأت المقترحات، كان أهمها: استعادة الاهتمام بنفسي وشكلي ومظهري الخارجي لأستعيد انتباه زوجي مرة أخرى، كنت أجلس بينهن كالمذهولة أو المنومة تنويماً مغناطيسياً ومستعدة لتقبل كل المقترحات، المهم هو استعادة زوجي بأي ثمن، اتصلت إحداهن بعيادة تجميل متخصصة، وحجزت لي موعداً مع الدكتورة، أما الثانية فقد حجزت لي موعداً في ناد رياضي صحي، أما الثالثة فحجزت لي موعداً مع حلاقة نسائية ممتازة، والأخرى اتفقت معي على موعد للذهاب إلى أرقى محلات الملابس، وكأنهن كلهن اتفقن على أن سبب ارتباط زوجي بامرأة أخرى هو لعيب أو نقص في مظهري وشكلي، لم أكن في حال يسمح لي بالشعور بالثقة بالنفس، لذلك طاوعتهن وذهبت إلى موعدي الأول مع طبيبة التجميل، حيث قالت إن جسمي يحتاج إلى عملية نحت كاملة، وشد في البطن والأرداف والوجه، وتعديل في الأنف ورسم للشفتين والحاجب والعينين، ورفع الصدر، وأعطتني سلسلة من المواعيد لعمليات مؤلمة شديدة تكلفت مبالغ خيالية، أعانتي عليها مدخراتي وما جمعته من أجل أولادي، حيث شعرت بأنني أولى منهم بها، ثم ذهبت إلى النادي الرياضي الصحي، فأعطوني نظاماً غذائياً صارماً مع جدول رياضي تحت إشراف دقيق، فتعرضت لمساجات مائية وهوائية وطينية وطحلبية وتدليك بزيوت مختلفة برية وبحرية، حتى أصبحت كالعجينة التي يتم عجنها وتشكيلها بطريقة جديدة، كل هذا وأنا أشعر بأنني أقوم بتفريغ شحنات الغضب التي امتلأت بها نفسي، أما زوجي فظل على حاله من التغيب عن المنزل وعدم الاهتمام بشؤون الأسرة، ولم أجعله يشعر بأنني عرفت عن أمر زواجه شيئاً. ذهبت إلى أفضل صالونات التجميل، فقصوا شعري وقاموا بتلوينه بألوان براقة، وقاموا بوشم حاجب جديد، ورسموا خطاً فوق الشفة لا يزول مع الزمن، ثم قاموا بتمرير أجهزة كهربائية وشحنات ليزرية لتجديد خلايا البشرة وإعادتها لشبابها، ثم ذهبت إلى محلات الملابس، فاشتريت أنواع البنطلونات الضيقة والتي شيرتات القصيرة كي أرتديها في بيتي أثناء وجود زوجي، لم أتوقع يوماً أنني سأرتدي مثل هذه الملابس، فقد نشأت وتربيت على لبس «الكندورة» ولم أفكر يوماً في أنني سأضطر لمثل هذا التغيير، خصوصاً وقد وصلت إلى سن الأربعين. ردة الفعل لاحظ زوجي كل تلك التغييرات التي طرأت على مظهري، وكان يحاول أن ينصحني ويؤكد لي أن كل ما أقوم به هو حرام، لأنه تغيير في خلق الله، فكنت أبتسم له، وأنا أقول بيني وبين نفسي: إذا كان في تصرفاتي اثم، فأنت الذي تتحمله، لأنك أنت من دفعني إليه دفعاً. كانت تلك التغييرات تستثيره وتستنفره، فيبدأ بالسخرية مني، وقد صار قلقاً متوتراً لا يدري بماذا أفكر؟ أو لماذا أفعل كل ذلك بنفسي؟ وصار يردد أنني قد جننت، أو خرفت، ولكني لم أكترث له، ومضيت في مشواري الذي حددته لنفسي، حتى وصلت إلى الشكل النهائي الذي حدده لي خبراء التجميل، فقد هنأتني الدكتورة وقالت لي: أنت امرأة جديدة رائعة الجمال الآن، ثم أخذت أجورها وكانت آخر ما وفرت وما جمعت من مال، ثم أعطتني ورقة فيها سلسلة من الملاحظات أهمها هو أنني يجب ألا أمر بتجربة حمل مطلقاً، وإلا تشققت عضلات بطني، كما يجب أن أستمر في الحمية فلا يزداد وزني وإلا سيتعرض جسمي لكارثة بعد كل عمليات النحت والشد التي أجريت لي. عدت إلى بيتي وفي رأسي تنفيذ الخطوة الأخيرة، وهي المواجهة، اتصلت بزوجي وطلبت منه الحضور فوراً لوجود أمر طارئ، جاء مسرعاً وقد ظن بأن مكروهاً قد أصاب أحد أبنائه، فاستغرب عندما وجدني أقف أمامه بكامل أناقتي ومكياجي، فانزعج قائلاً: كنت أظن أن مكروهاً حدث لكم، وها أنت مستعدة للخروج ولا شيء قد حدث، فلم فعلت ذلك؟ قلت بهدوء: هل أنا جميلة؟ استغرب لسؤالي وظن أنني ربما جننت، قال: ومن قال غير ذلك؟ هل أنت بخير؟ قلت: لماذا إذن تزوجت امرأة أخرى؟ كانت مفاجأة قوية بالنسبة له، فظل ساكتاً لا يدري ماذا يقول، فانفكت عقدة لساني وأخرجت كل ما كان بداخلي تجاهه، ذكرته بحياتنا المستقرة، وانه لا يملك سبباً واحداً يجعله يفكر في زوجة ثانية، ذكرته بوقوفي معه من الصفر حتى كبر وأصبح لديه المال والمنصب، ذكرته بكل ما كان بيننا من حب واهتمام، وسألته عن التقصير الذي يجعله يفكر في امرأة أخرى، فأجابني بأنني لم أقصر معه في شيء، فقلت له: إذن.. كان السبب الوحيد هو الشكل، أليس كذلك؟ أردت امرأة متبرجة، أليست هذه هي الحقيقة؟ كان يمكنك أن تطلب مني ذلك بسهولة، انظر إلي الآن، ألا أشبه تلك المرأة التي تزوجتها؟ فقال لي: أنت مخطئة، أنا لم أتزوج امرأة متبرجة كما تعتقدين، تزوجت امرأة محافظة ومحتشمة مثلك تماماً، وقد كانت تلك الخطوة بسبب أحد أصدقائي المقربين، حيث ظل يزن برأسي حتى أقنعني بفكرة الزواج مرة ثانية، وأكد لي أنه حق من حقوقي، فاستمعت لرأيه، وقد حرصت على عدم إطلاعك على الأمر كي لا أؤذي مشاعرك، وقد ندمت على تلك الخطوة، لأنني ورطت نفسي في مسؤوليات كثيرة كنت في غنى عنها، وقد تأثرت كثيراً عندما وجدتك وقد انجرفت في عملية تغيير شكلك، فترسخت لدي القناعة بأنك قد عرفت بأمر زواجي وأنك تعاقبينني بتلك التصرفات. لن اتخلى عنك بعد أن أنهى كلامه قلت له: أعلم أنه من حقك أن تعدد الزوجات، وأعلم جيداً أنه حق للمسلم، ولكنه ليس فرضاً عليكم، فلماذا تستخدمونه لخراب بيوتكم؟ خصوصاً إذا كان الإنسان يعيش حياة أسرية مستقرة لا ينقصها شيء. أطرق ولم يجب، فقلت له: أنا الآن أخيرك بيني وبين تلك المرأة، وأنت حر في الاختيار. قالي لي: أعترف بأني أخطأت، ولكن حدث ما حدث، وهي أم لطفلين لا ذنب لهما، فلا أستطيع أن أطلقها وأتخلى عن طفلي، كما لن أطلقك أبداً لأنك أم أولادي ولن أتخلى عنك لأنني أحبك. دارت مناقشات حامية بيننا، ولم نصل إلى حل، فهو مصر على التمسك بكلينا، فمررت بفترات من الكآبة والحزن العميق، وصرت أتردد على العيادات النفسية، لم أفكر في الطلاق خوفاً على أولادي، وبقيت في حالة من الجمود العاطفي نحوه، وقد عزلت نفسي في غرفة وحدي. مرت الشهور وجاءت نعمة النسيان والتكيف، فتصالحت معه وعدنا لحياتنا المستقرة، خصوصاً أنني قد لاحظت أنه يحاول أقصى جهده عدم التقصير معنا، فهو حتى عندما يكون في بيته الثاني، يكون حريصاً على الاتصال بنا والاطمئنان علينا، وإذا حدث أي شيء، فإنه يسرع إلينا ولا يتأخر عنا في أي حال من الأحوال. حدث ما لم أكن أتوقعه، فقد علمت أنني حامل، مما جعلني أمر بأصعب ظروف صحية، تشقق جسمي على أثرها، وتمت ولادتي بعملية قيصرية صعبة، وندمت على كل ما قمت به، ولم يكن له أية نتائج إيجابية لصالحي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©