الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشباب الكوبي بين المونولوج والتعددية

الشباب الكوبي بين المونولوج والتعددية
21 ابريل 2008 01:03
يقف الفنان خارج مبنى البرلمان الوطني، الذي يُعد أبرز المباني في أفق هافانا، يضع ثلاث قطع من الزجاج على الرصيف، ثم يضع قناع غطس على وجهه، هذا الأداء، الذي يحمل عنوان ''عبور البحر ليلا''، ليس طويلا إذ لا تتعدى مدته بضع دقائق فقط، ويتألف من سلسلة من حركات السباحة، الطابع الاستفزازي لهذا الأداء يصعب الوقوف عليه، ولكن مكانه وموضوعه -بالنظر إلى الهجرة الواسعة إلى الولايات المتحدة بحرا- يشكلان جزءا من نقد اجتماعي من قبل مجموعة من الفنانين والشعراء والنحاتين والراقصين الذين يسعون إلى خلق حوار في بلد حيث لا تعكس الصحف والتلفزيون، في الغالب، سوى الواقع الذي توافق عليه الدولة· بعد نصف قرن تقريبا في سدة الحكم في كوبا، أفضت استقالة ''فيديل كاسترو'' إلى شعور بأن المزيد من فرص حرية التعبير باتت قريبة وفي الطريق -ولاسيما في ضوء إشارات من الرئيس ''راؤول كاسترو'' الذي خفف الحظر الذي كان قائما على شراء الهواتف النقالة وأقراص الـ''دي في دي''، ولكن الكثير من الكوبيين يرون أن ذلك لا يكفي، وبخاصة في أوساط الشباب، الذين لم يعيشوا أبدا الصعوبات وشظف العيش اللذين كانا سائدين قبل ثورة 1959 التي جلبت ''فيديل كاسترو'' إلى السلطة، ولكنهم نشأوا بالمقابل في فترة التقشف التي سادت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وتوقف دعمه المالي لكوبا، فقد قيل لهم مرارا وتكرارا أن يتحلوا بالصبر، والإيمان بأن التغيير سيأتي قريبا، ويقول ''ناتيبيدادسوتو كيسيل'' -النحات ضمن مجموعة من الفنانين الشباب التي اختارت لنفسها اسم ''أومني زونافرانكا''-: ''لقد وُلدنا في جيل زرع فينا الإيمان بأن الأمور ستتحسن معنويا وماديا إذا نحن واصلنا الطريق''، ''ولكن شيئا لم يتغير''، كما يقول ''أدولدفو كابريرا'' -أحد الأعضاء المؤسسين لـ''أومني زونافرانكا''-، ويضيف ''سوتو كيسيل'' قائلا: ''نعتقد أنه لا يوجد تحســـن لأنـــه لا يوجد حوار''· وربما لا يثير أحد الحوار في كوبا اليوم أكثر من المدوِّنة الشابة ''يواني سانشيز'' التي تقول إنها بدأت كتابة المدونات كوسيلة للتنفيس عما يجول في خاطرها، وإنها منذ ذلك الحين لاقت اهتماما عالميا، وتشكل مدونة ''سانشيز'' التي تحمل عنوان ''جينيريشن واي'' -فازت مؤخرا بجائزة ''أورتيجا إي جاسيت'' الخاصة بالصحافة الإلكترونية- انتقادا لاذعا لخطاب المسؤولين الكوبيين وترصد المشاكل اليومية التي يواجهها المواطنون، حيث ترى صاحبتها أنه إذا كانت إدارة ''راؤول كاسترو'' لا تختلف كثيرا عن الخلافـــة، فإن استقالة ''فيديل كاسترو'' تفسح مزيدا من المجال أمام النقاش إذ تقول: ''لقد قام فيديل بتنويم الناس مغناطيسيا، ولكنهم اليوم استفاقوا''، وحســــب ''سانشيز'' فإن أول مدوَّنـــة في البـــلاد ظهـــرت في ،2006 أمــا اليوم، فإن نحو اثنتي عشرة مدونة مستقلة مثل مدونتها تُقرأ عبر كوبا، وفي هذا السياق تقول: ''إننا لم نعد نعتمد على الحكومة حتى تخبرنا بما يحدث''· فالكثير يلعب دورا رئيسيا في هذه البيئة الجديدة، وإن التكنولوجيا ستساعدهم على الالتفاف على المراقبة الحكومية، فهي على سبيل المثال تكتب مدوناتها في المنزل، وتحملها في قرص معها إلى أحد مقاهي الإنترنت حيث تقوم بتحديث مدونتها، وعلى غرار آخرين في سنها، تطلع على أحداث العالم من الأخبار التي تُنقل عبر الأقمار الاصطناعية غير القانونية وتوزع في السوق السوداء ولكن بالمقابل يقول الكثير من الشباب إنهم ما زالوا يقبلون بالنظام وفي هذا الإطار تقول ''ماريت'' -طالبة الحقوق في جامعة هافانا-: إن الثورة هي سلسلة دائمة من التغيرات نحو التحسن، مضيفة أن هذا البلد ''ليس مثاليا ولا يتصف بالكمال ولكن إذا كنا نريد أن ننتقـــد، فينبغي أن يكون انتقادنا بناء وإيجابيا''· يقول الطلبة عبر الحرم الجامعي إنهم يؤمنون بالتغيير، ولكنهم يعتقدون أنه ينبغي أن يحدث في إطار حكومي، وفي هذا الصدد يقــــول ''خورخي وياهيســــا'' -طالبان في الجامعة- إن محدودية انتشار الإنترنت هي مصدر قلقهما الرئيسي· يقول ياهيسا: ''أن تكون طالبا ولا تتوفر على إمكانية الاستفادة من شيء رائع، وبخاصة إذا كنت طالب علوم الحاسب الآلي، فذاك أمر مثير للقلق''، مضيفا: ''ولكن علينا أن نجهر بقلقنا في إطار القنوات الرسمية، فمسؤوليتنا هي أن نكون مطلعين على ما يجري، غير أننا لسنا مستعدين سياسيا لمعرفة ما هو الأفضل''، وقد نشأ شباب اليوم خلال فترة التقشف الكبير التي كانت سائدة في التسعينيات بعد الفقدان المفاجئ للدعم السوفييتي، حيث كانت الصعوبات وشظف العيش الموضوع الطاغي في جيلهم، خلال تلك الفترة هاجر الكثيرون، ففي ظرف 25 شهرا من 2005 إلى 2007 فر 77 ألف كوبي من بلدهم إلى الولايات المتحدة، في عملية نزوح فاق حجمها أزمة ''القوارب'' التي سادت خلال التسعينيات· ويقول المراقبون إن الحكومة تحاول معالجة الشعور المتزايد بالإحباط الذي يسود في أوساط الكوبيين الذين لم يغادروا البلاد، حيث سعت إدارة ''راؤول كاسترو'' خلال الأشهر الأخيرة جاهدة إلى تناول شكاوى المواطنين ونشرها عبر وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، غير أن النقد المراقَب، كما يقول الكثيرون: ''ليس شكلا حقيقيا لحرية التعبير''، وتقول ''سانشيز'': '' إما أن تكون هناك تعددية، وإلا فإن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مونولوج!''· سارة ميلر لانا- هافانا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©