الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شريف كامل شاهين: علينا أن نقضي على الفقر... المعلوماتي

شريف كامل شاهين: علينا أن نقضي على الفقر... المعلوماتي
31 مارس 2010 19:49
منذ تفتح وعيه، وبدأت ألغاز الحياة تتضح أمام عقله، ذهب الى المكتبة ليروي ظمأه الى المعرفة ولم يعد. سكن هناك، بين الأرواح الهائمة في ملكوت الفكر، وفي رحاب العلوم والآداب، مع الخالدين وصناع الجمال بكل أنواعه وأشكاله وجد نفسه. كانت رحلته ملأى بالعبر والحكايات والمواقف التي يستثيرها مجرد ذكر الكتاب او المكتبة. نشأ الفتى عاشقاً لا يرتوي نهمه للقراءة أبداً، وبين جنّات المعرفة وظلالها الوارفة تسامقت روحه صعداً في مدارج المعاني والأفكار؛ وكلما فتح كتاباً وجد نفسه أمام عالم ملوَّن يحلق فيه إلى سماوات جديدة، ومن سماء إلى سماء أخذه هوسه بالمعرفة إلى الفضاء، إلى الإنترنت؛ هذه الساحرة التي يجوب دهاليزها ودروبها باحثاً عن معلومة هنا أو رقم هناك، ليتوج رحلته الطويلة خبيراً للمعلومات راسماً في رحلته الكثير من الرؤى والآراء التي تتميز بالصراحة والوعي والجرأة. إنه خبير المعلومات الأستاذ الدكتور شريف كامل شاهين أستاذ المكتبات وعلم المعلومات والوثائق في جامعة القاهرة ومدير المكتبة المركزية الجديدة للجامعة. زار العاصمة مؤخراً للمشاركة في (ندوة الفهرسة العربية الآلية في القرن الحادي والعشرين) التي نظمها المركز الوطني للوثائق والبحوث في أبوظبي حيث التقيناه ودار هذا الحوار. ? ما دمنا في أجواء “ندوة الفهرسة العربية الآلية في القرن الحادي والعشرين”، ما هي التحديات الملحة التي تواجه عملية الأرشفة الإلكترونية؟ ? أعتقد أن التحدي الحقيقي يكمن في العامل البشري، فالعاملون في قطاع الأرشفة لا يرغبون في العمل. ويمكنني القول من واقع خبرتي ومعايشتي اليومية كإداري لأهم مؤسسة ثقافية في مصر وهي مكتبة جامعة القاهرة، أن العاملين في قطاع الأرشفة الإلكترونية يعانون مشكلات حياتية ومعيشية تؤثر على أدائهم. وقد وجدت الانطباع ذاته لدى الكثير من المختصين والمكتبيين العرب عبر حواراتي ومشاركاتي في الندوات والمؤتمرات المختلفة. وتجمع كل النظريات الإدارية أن إيجاد الرغبة في العمل تبدأ بإشباع الاحتياجات الأساسية للموظف، فماذا تنتظر من موظف يعاني صعوبات في توفير أهم احتياجاته الأساسية. أما المشكلة الثانية فهي أن معظم العاملين في حقل الأرشفة الإلكترونية يفتقدون الاستعداد للتعلم، وهنا أتحدث عن التعليم المستمر ما بعد الجامعة، حيث يتم الحديث باستمرار عن ضرورة المواكبة والتطور ورفع الكفاءة لكن كل هذا يحدث على الورق فقط، وفي المؤتمرات والندوات، لكن على مستوى الواقع تبدو الأمور صعبة جداً. هناك مشكلة لدى الموظفين لا بد من مواجهتها. نحن ما زلنا في إداراتنا نحاسب على ساعات العمل فيما تحاسب الإدارات في المجتمعات المتقدمة على الإبداع، ناهيك عن أننا لا نركز على الإنتاجية حين نحاسب على ساعات العمل، فالإنتاجية مصطلح لا وجود له، ولا توجد أدوات لقياس وتقييم الأداء الصحيح، وغالباً ما تدخل الاعتبارات العاطفية والاجتماعية والتي لا علاقة لها البتّة بسير العمل في التقييم. هذه مشكلة حقيقية ولا بد من القضاء على هذه الظواهر لأن الأرشفة الإلكترونية قوامها التجهيزات والبرمجيات والبشر. نحن لدينا الأجهزة ولدينا البرمجيات ولدينا عنصر بشري يستطيع أن يقضي على مؤسسة وليس على الأرشيف فقط. الحال العربية ? وكيف توصِّف الحال العربية في مجال صناعة المعرفة والمعلومات، ما هي أهم المشكلات التي تعيق إنجاز التقدم المعلوماتي؟ ? التنسيق هو الغائب الأكبر، لا بد من التنسيق بين الدول العربية في صناعة المعرفة بصفة عامة، وصناعة المعلومات بصفة خاصة. هناك مجموعة من الخطط الاستراتيجية الموضوعة على مستوى كل حكومة من الحكومات، إلا أنه لابد من تكامل هذه الخطط لكي نقدم شيئاً له فائدة لا سيما وأن المستفيد واحد وهو المواطن العربي. كما أن تشتت هذه الخطط وعدم تكاملها لن يفيد أحداً. يمكن القول هنا إن مؤشرات قطاع المعلومات بشكل عام متقدمة، لكن في الجانب الخاص بالصناعات تبدو الأمور سيئة. أما على صعيد البرمجيات فهناك بعض الجهود لكنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب. لدينا عقول بشرية متميزة جداً، لكن المطلوب هو العمل المشترك لتحقيق التكامل. ? لكن تقارير التنمية الثقافية المتعلقة بقطاع المعلومات تبدي قلقاً كبيراً من حال وحجم الإنجاز العربي على مستوى تكنولوجيا المعلومات، برأيك كيف يمكن صناعة أو خلق قاعدة إنتاج معرفية عربياً؟ ? لا أحد يستطيع إنكار أننا مستهلكون لما ينتج في الخارج، وكل أجهزة الاتصالات والكمبيوتر مستوردة، ومما يؤسف له أننا نفاخر بذلك. ولعل ما يشهده العالم من قفزات متلاحقة في تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في معظم الأنشطة الحياتية يضع على كاهلنا كعرب تنمية مجتمعاتنا لتسهم في هذه التطورات، وفي بناء مجتمع المعرفة الذي ينجزه العالم. من الضروري أن نضع في اعتبارنا أهمية بناء مجتمع معلومات جامع وشامل لكي نحقق تنمية المجتمعات، ومحاربة الفقر والجهل، وإقرار حق النفاذ لكل فرد في المجتمع لاستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والشفافية في إتاحة المعلومات. وغالباً ما ينجح الباحثون في تشخيص حالات الفقر المعلوماتي التي تبدو جلية لهم أثناء مرحلة البحث العلمي الجاد، بدءا بالتجميع السليم لأدبيات الموضوع وفحصها فحصاً صحيحاً والحكم عليها وتقييم مضمونها ودرجة الثقة في الاعتماد عليها والاقتباس منها. لذلك تبدو الصورة المعلوماتية بكل معالمها وملامحها ظاهرة بوضوح لهم. كما يستطيع المكتبي النشط الواعي لعمله والمهتم بأدائه على أكمل وجه، وخاصة القائمين على الخدمة المرجعية أو الرد على الاستفسارات، إصدار أحكام مبنية على الخبرة العملية فيما يخص حالات الفقر المعلوماتي التي تعانيها مصادر المعلومات المرجعية في الكثير من الموضوعات نتيجة لضعف التأليف والنشر في مجالها أو لعدم الاهتمام بدقة محتوياتها أو لافتقادها لسياسة خاصة لتحديث بياناتها. لكن السؤال هو: هل يمكن لمجتمع المعلومات القضاء على الفقر المعلوماتي؟ أم علينا البدء في محاربة الفقر المعلوماتي من أجل إنجاح مشروعات وخطط مجتمع المعلومات؟ الصورة المعلوماتية، مع الأسف الشديد، المتاحة عن مجتمعاتنا غير واضحة المعالم، يكتنفها الغموض في الكثير من جوانبها ولا تعكس الواقع، ويبدو أنها مرشحة لتظل على ما هي عليه لأن الكثير من مجتمعاتنا يؤخذ عليها عدم اهتمام مؤسساتها باستكمال نماذج جمع البيانات والمعلومات اللازمة لوصفها وتحقيق هويتها في الأدلة والإحصائيات العالمية وغيرها من أدوات الحصر والقوائم الإقليمية والدولية. وأنا أغتنم هذا الحوار لدعوة مجتمع المكتبات والمعلومات العربي لتجميع مقاطع صورة معلوماتية حقيقية بالأرقام والحقائق ننطلق من خلالها للعالمية بمشروعات عربية مشتركة تستهدف غدا مشرق لمواطن عربي أكثر وعياً بأهمية وقيمة المعلومات. أيضاً، أعتقد أن من المهم والضروري أن يكون هناك تضامن بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي، ولا يترك القطاع الخاص في جانب والحكومي في جانب، فالقطاع الخاص له دور كبير في تعظيم الفائدة، خاصة في قطاع المعلومات لكنه كما نعلم يستثمر لصالح نفسه. فإذا ما توفرت خطة تجمع بين الطرفين ستكون الفائدة أعم، وسوف تسهم في حل الكثير من المشكلات على رأسها البطالة لأنها ستوفر فرص عمل للشباب. فتِّش عن المدرسة ? تشير غالبية التقارير التي تصدر هنا وهناك الى ضعف المحتوى العربي على الإنترنت، واختلاط الغث بالثمين ما يستتبع تفشي نوع من المعرفة الشفوية التي لا تخلو من أغاليط وأخطاء تترسخ في ذهن الجمهور، كيف نحقق الاستفادة المثلى من الإنترنت بعيداً عن هذه الأخطاء؟ ? فيما يتعلق بالمحتوى العربي المتاح على الإنترنت فتِّش عن المدرسة، هناك يضع المرء إصبعه على الجرح ويجد الإجابة على سؤال كهذا. نحن نسمع الكثير من الانتقادات والمؤشرات الإحصائية التي لا أجد لها أي مبرر، لأن لدينا من المواقع العربية ما يفيد طالب المدرسة والجامعة والباحث، لكن المشكلة ربما في عدم وجود الرابط. ولو أردت الحديث عن مصر، على سبيل المثال، يمكنني ذكر عشرات المواقع والحديث عن أرشيفات رقمية على أعلى مستوى، لكن ليس هناك وعي بكيفية الاستفادة منها، هنا يأتي دور المدرسة التي ينبغي أن تقرن مقرراتها الدراسية بالمحتوى الموجود على الإنترنت، وهذا ما أتمناه شخصياً، فحين يقرأ الطالب عن جمال عبد الناصر يستطيع ان يجد معلومات وافية عنه وأن يرى صوره ويستمع الى خطبه في الأرشيف الموجود على الإنترنت، بدلاً من الاكتفاء بكتاب دراسي استاتيكي ثابت وغير مرن، وهذا الأمر ينسحب على الموضوعات الأخرى. أما عن الاستخدام الأمثل فيثير سؤالاً حول الأستاذ نفسه: هل عضو هيئة التدريس ملمّ بما هو متاح على الإنترنت؟ للأسف الشديد لدينا الكثير من أعضاء التدريس الذين يتجاهلون الإنترنت ولا يحيلون الطالب الى مواقعها، بل ويتحدثون دائماً عن سلبياتها وينسوا أن يظهروا أي إيجابيات لها. أما الطالب فهو يستطيع أن يميز بين الغث والثمين إذا كان هناك من يوجهه، إذا وجدت القدوة التي تضيء له طريق البحث على الإنترنت والاستفادة من محتواه. علينا أن نغير من طريقتنا في التعاطي مع الإنترنت وغيرها من القضايا، لا يكفي أن نظهر الجوانب السلبية فقط لأنها موجودة في كل شيء، بل في الإنسان نفسه وفي تكوينه حيث يوجد الجيد والسيئ. ? يتيح لك موقعك التكهن بحال القراءة بين الطلاب، من يقرأ وماذا يقرأ؟ ? الطالب لا يهتم بالكتاب الدراسي ولا يهتم بالمحاضرات التي يسجلها بل يتركز كل اهتمامه في مجموعة من المذكرات التجارية التي أعدها أساتذة بهدف الربح فقط. وقد لا يراها الأستاذ الجامعي لكنني كمدير مكتبة أراها باستمرار. وهي ظاهرة مهمة لابد من مواجهتها والقضاء عليها تماماً إذا كنا نبحث عن اصلاح للتعليم. البحث وهمومه ? ماذا عن البحث العلمي، هل يستفيد من المعلومات المتاحة على الإنترنت؟ كيف يمكن تطويره والارتقاء به؟ ? يشير معظم الباحثين والمختصين في هذا المجال إلى أن التمويل هو مشكلة البحث العلمي، لكنني ارى ان هناك مشكلة أخرى أكثر أهمية موجودة في الباحث نفسه. كيف يستطيع الباحث ان ينجز البحوث والدراسات التي تحتاج الى عمل كثير وتفرغ كامل وهو يجري وراء تأمين مطالبه الحياتية والمعيشية؟ وكيف نتوقع بحوثاً وتطوراً إذا لم نوفر للباحث حياة كريمة ومعقولة تتيح له التفرغ للعمل؟ البحث العلمي قائم على الباحث اولاً، فإذا توفر الباحث لا توجد لدينا مشكلة في الوصول الى مصادر المعلومات التي باتت متاحة وبشكل هائل. لدينا باحثون مؤهلون، ولدينا عقول مبدعة وقادرة على العطاء والإنجاز إذا توفرت لها البيئة المناسبة، وعندها سنجد طفرة في البحث العلمي. ربما تجدر الإشارة هنا الى أن تربية الباحث تبدأ من المدرسة، فالبحث العلمي يسجل غياباً كبيراً عن المدارس. يجب أن يعرف الطالب مفهوم البحث وأساليبه وأن يجري البحوث بنفسه، وهذا يتطلب اعادة النظر في المقررات الدراسية وإضافة مقرر خاص بالبحث العلمي ومناهجه في مدارسنا. أيضاً لا بد من إيجاد علاقة وطيدة مع المكتبة والكتاب ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال التشجيع على البحث. وما دمنا نتحدث عن الثقافة المعلوماتية فهذه الثقافة تبدأ من المدرسة، وإذا تم ترسيخها لدى الطالب نضمن أن نبني مواطناً جديراً بأن يضيف الى المجتمع، وأن يسهم في إحداث نهضة فكرية وثقافية واقتصادية وفي شتى المجالات. أم المشاكل ? هل تعتقد أن المعرفة الإلكترونية سوف تتفوق مستقبلاً على المعرفة المقروءة، هل يهدد الكتاب الإلكتروني الكتاب الورقي؟ ? هذا واحد من الأسئلة التي تؤرق الكثير من الباحثين والمفكرين والمثقفين، وأظن أن الأمر منوط بالقارئ نفسه. القارئ هو من يختار أيهما سيبقى له الحضور الأقوى. من خبرتي الشخصية استطيع القول إن الكتاب الورقي يلقى إقبالاً أوسع على صعيد الطلبة، والكتاب المطبوع هو المسيطر. بيد أن العلاقة بين الاثنين هي في نظري علاقة تكامل وليس تنافر ولا تهديد، ولا بد أن نغير في لغة الحديث عن النشر الإلكتروني لأن المسألة ليست نوعاً من التهديد بقدر ما هي تطور طبيعي لنشر المعرفة. إن المشكلة الحقيقية فيما نواجهه اليوم هي مشكلة الثقافة المعلوماتية. هذه هي أم المشاكل التي ينبغي أن تتم توعية المواطن بها، وبـ ما هو المقصود بالاحتياج المعلوماتي وكيف يشيع في المجتمع؟ وما هي المصادر التي يلجأ إليها وكيف يحصل على المعلومات من هذه المصادر، وهنا نحن نتحدث عن مهارات البحث، ثم توعيته بالكيفية التي يقيم بها المعلومات التي حصل عليها، وهنا ينتقل الحديث إلى مستوى آخر هو مهارات التقييم، التي تعني أن يميز المرء المعلومة الصحيحة والمصدر الموثوق به ثم يستخدمها بشكل صحيح. هذه هي المشكلة ولا بد أن نضع الخطط الكفيلة ببناء الفرد الواعي معلوماتياً، والبرامج الفاعلة منذ بداية التعليم الأساسي، والأمر نفسه ينطبق حتى على المواطن العادي، الذي ينبغي إشراكه وتوعيته وتوجيهه إلى الثقافة المعلوماتية، وإلا ما الفائدة من استثمار الملايين في الحكومات الإلكترونية والصحة الإلكترونية والاقتصاد الإلكتروني إذا لم نؤهل الإنسان للتعامل مع هذه الأشكال المختلطة للخدمات الإلكترونية؟ هذا واحد من التحديات الكبرى التي يجب مواجهتها. لا بد من وضع برامج للثقافة المعلوماتية تبدأ من المدرسة وتصل إلى المواطن العادي في الشارع. ? هل يمكن أن تلغي المكتبة الإلكترونية المكتبة التقليدية؟ ? هذا أمر وارد جداً، وهناك بالفعل مكتبات عديدة على الإنترنت ليس لها حضور في الواقع الملموس، لكن المشكلة تبقى هل لدينا الثقافة المعلوماتية للتعامل مع هذه المكتبات؟ هل لدينا الخبرات والمهارات والفكر والثقافة اللازمة؟ على سبيل المثال، هناك جرائم تمارس على الإنترنت وليس لدينا أي ثقافة عن تجنب مثل هذه الجرائم. هناك حقوق للنشر تنتهك بشكل طبيعي، وبجهل حقيقي من القائم بها، لابد أن نقف أمامها من خلال الواقع وليس من خلال المحاضرات. ? ألا يستدعي هذا تطوير قوانينا؟ ? بالطبع، هذا أمر في غاية الأهمية وإعادة النظر في القوانين والتشريعات واجبة. نحن حتى هذه اللحظة لا نجد قانوناً واضحاً يتعلق بالنشر الإلكتروني لأي شكل من أشكال مصادر المعلومات، ولا زلنا نجتهد ونفسر كيفما نشاء. اتهام ظالم ? ثمة اتهام يوجه للكثير من المواقع العربية يتمثل في إنها نقلت الماضي كله الى الانترنت، ولم تقدمه بحيث تعكس الصورة الحضارية المرغوبة عن ثقافتنا وتراثنا؟ ما رأيك بهذه التهمة؟ ? هذا اتهام غير صحيح وظالم. ولا أدري كيف تحسب الإحصائيات ومن يجريها. إن القول بأن المحتوى العربي في غالبيته ماضوي وتراثي يشوه الصورة الموجودة على الإنترنت والتي يمكن لأي شخص أن يطلع عليها. مع ذلك، هذا لا ينفي أن الكثير من المواقع العربية المختصة بالثقافة والتراث لا تحتوي على صفحات مقابلة باللغات الأخرى، وعلينا أن نضع أمام الصفحة العربية صفحة مقابلة بلغة أجنبية واحدة على الأقل. وأن يتم التعريف بكل نشاط عربي يحمل ثقافتنا ويعكس تراثنا على نحو جذاب تقنية وموضوعاً وكتابة. ? هل نحن بحاجة إلى مشروع قومي لوضع ثقافتنا على الإنترنت بشكل مناسب؟ ? ربما.. هناك مشكلات في وجود مشروع قومي للثقافة العربية، فقد سبق الكلام عن مشروع “ذاكرة العالم العربي” ثم توقف، رغم ذلك، ينبغي في النهاية أن نكون معاً لأن ثقافتنا واحدة. وربما نحتاج بالفعل الى مشروع قومي لوضع الثقافة العربية على الإنترنت على النحو الذي يليق بها. ثقافة المستقبل ? أنت مستشار في المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم (ألكسو)، وساهمت في وضع الخطة المستقبلية للألكسو 2011 – 2016. وما دمت من رجال الفكر المستقبلي هل يمكنك أن تطلعنا على ملامح ثقافة المستقبل؟ ? المواطن الفاعل والناجح والذي سيكون له دور في المستقبل هو في تقديري الشخص الذي يستطيع ان يتعامل بكفاءة مع كل أشكال التكنولوجيا في مجال الاتصالات والمعلومات لأن الاتصالات هي التي ستربط العالم. من المعيب أن لا يستطيع موظف الاتصال بمؤسسته او زميله عبر البريد الإلكتروني مثلا، أو يكون جاهلاً لأهم مواقع التواصل مع الآخر. والواقع يقول إن لدينا أمية رهيبة على هذا الصعيد. ايضاً لا بد أن يكون إنسان المستقبل ملماً بتاريخه وحضارته ولغته وبدافع عنها. باختصار ينبغي في مواطن المستقبل أن يسيطر على كل أشكال تطورات التكنولوجيا ويلم بها ويستثمرها لما فيه مصلحة عمله وحياته، ومصلحة المجتمع. وهذه نقطة مهمة، لأن المصلحة الشخصية باتت فوق أي مصلحة عامة، وهي ظاهرة خطيرة جداً لا بد من الانتباه لها ومعالجتها. ? أخيراً... هناك من يخاف خوفاً حقيقياً من الإنترنت ويرى فيها غزواً ثقافياً وتهديداً للهوية والذات الحضارية، كيف تنظر أنت إلى مثل هذه المخاوف؟ وما هي أسبابها؟ ? بداية، ليس لديَّ أي خوف من الإنترنت ولا أعتقد أن من الصواب النظر إليها بوصفها وسيلة للغزو. فالثقافة العربية الإسلامية ثقافة قوية وراسخة الجذور لما تتميز به من قدرة على الانفتاح والاحتكاك مع الثقافات، وفي هذا شأنها شأن الثقافات الأخرى تفيد وتستفيد. لكن ربما يأتي خوفي من شيء آخر، بالنسبة إلي أنا أخشى على اللغة العربية لأن الشباب والفتيات باتوا يكتبون بلغة غير عربية، وغير إنجليزية أيضاً، إنها لغة هجينة تهدد بأن يفقد الشاب أو الفتاة اللغتين معاً. أنا مشفق على هذا الجيل الذي يبدو ضائعاً، حائراً، وبلا توجيه، وهو يحتاج إلى قدوة، ولو استطعنا أن نجعل استاذ الجامعة قدوة لطلابه فلن نخاف على الطالب من شيء.. صحيح أن في الإنترنت بعض المخاطر، لكنها لا تؤثر على أي شخص واثق من دينه ولغته وثقافته، لأن لديه من القيم والصلابة الفكرية ما يؤهله لانتقاء الثمين وترك الغث. ومن غرست مثل هذه القيم في أعماقه تكون حصناً له يحميه. لقد شجعت أبنائي على التعامل مع الإنترنت، وهم يتمتعون بالمعرفة والثقة، ويعرفون كيف يتعاملون مع المواقع، وكيف يحصلون على المعلومات. هذه هي اللغة التي أتمنى أن يتحدث بها شبابنا لا أن يكونوا خائفين، ضائعين، يفتقدون الصلابة في مواجهة التحديات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©