السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فوْح القهوة

فوْح القهوة
31 مارس 2010 20:03
لم تكن المصادفة هي المسؤولة عن انتقال اسم القهوة في اللغة العربية من الخمر إلى شراب البُن، لكن الإطار التاريخي الذي تم فيه ذلك لا يزال غائماً. ولعل الرائحة القوية النفاذة أن تكون من بين الروابط بين الطرفين، إلى جانب إشباع المزاج الشخصي والحاجات النفسية والجماعية. وقد خصص الشعراء في أوصافهم للخمر باباً مميزاً للرائحة، فقال الحسن بن وهب: وقهوة صافية كالمسك لما نفحا شربت من دنانها من كل دنٍّ قدحا فعدتُ لا تحملني أعواد سرجي مرحا من شدة الكِبرِ الذي على فؤادي طفحا فصفاء هذه القهوة في أرومتها الطيبة مرتبط بشذاها الفواح، وأثرها في النفس يشهد عليه الشاعر طبقاً لتجربته الشخصية، حيث يتناول كل (دن) قدحاً فتمتزج لديه ويشتد مفعوله فيه، فلا تسعه الدنيا حينئذ من المرح والخفة. أما ابن الرومي فيقول في تتبع الرائحة مع منظومة الخواص الحسية المصاحبة لها: تلقاك في رقة الشراب وقد نشر الخذامى وحُمرة الشفقِ له صريح كأنه ذهب ورغوة كاللآلئ النسقِ فطيب النشر المشبه برائحة الخذامى هو العنصر الملازم للرقة والحمرة الشفقية بكل من الخمر الصريح المذهب والرغوة المتلألئة في نسقها المنطود الجميل. أما أبو نواس فيقول: جاءت بخاتمها من بيت خمار روح من الخمر في جسم من القارِ فالريح ريح الذكي الأذفر الداري والبرد برد الثرى واللون للنارِ فهي عذراء تزف إليه بخاتمها من بيت أبيها المتخصص في تربيتها، جاءت إليه مفعمة بحيوية الروح وإن كانت دانها مطلية بالقار، وأهم ما فيها هو تلك الرائحة الذكية الفواحة (والأذفر هو شديد الرائحة) المنسوبة إلى دارين ببردها ونارها. ثم يقول في معرض آخر: نحن نخفيها فتأبى طيب ريح فيبوح فكأن القوم نُهبى بينهم مسكٌ يفوح ويتوارد الشعراء بمستوياتهم المختلفة على هذه الخاصية المائزة للقهوة، فالبحتري يقول: ولها نسيم كالرياض تنفست في أوجه الأرواح والأنداءِ وفواقع مثل الدموع ترددت في صحن خدّ الكاعب العذراء فيجمع بين حالات البهجة في منظر الرياض العاطرة، وحالات الحزن الذي يتجلى في دمع يتلألأ على خدود الكواعب الحسان، مما يشي بإغفاله للجانب النفسي واكتفائه بالمنظر البصري. أما الخليع فيقول: سلبنا غطاء الدين عنها بسحرةٍ فضاعت بمسكس في الخياشيم ساطعِ وسلسلها الحاني في الكاس فانجلت بلون كلون التبر أصفر فاقع فيرتد إلى خبرة عملية في فض الدنان وسطوع الرائحة في الخياشيم وحركة صاحب الحانة في صبها، ويوجز المتنبي كعهده هذه الخواص الحسية بكلماته البليغة قائلاً في جمل محكمة: سهادُ لأجفان، وشمس لناظرٍ وسقمٌ لأبدان، ومسكٌ لناشقِ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©