السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة النوايا...

قراءة النوايا...
20 فبراير 2013 20:44
سعاد العنزي تنطلق رواية «هند والعسكر» لبدرية البشر من عنوان تقليدي له دلالاته وإيحاءاته المتعددة بالنص، لتصف وضعاً تقليدياً لعادات مهيمنة ومسيطرة على بنية مجتمعية ما إن تنفك قليلاً حتى تأتي هجمات مكثفة من المجتمع ليعيد ربط وتوثيق هذه البنى بأرضها الصلبة، هذا واقع مجتمعاتنا الخليجية والسعودية التي لا تزال المرأة فيها تطالب بسلسلة طويلة من الحقوق.. وهذا ما يجعلنا نلتفت إلى رواية «هند والعسكر» التي أحدثت ومازالت من الآراء وردات الفعل الاعتباطية وصولاً إلى تفاعل قراء مثقفين واعين لها تحاور آفاقهم كمتلقين فاعلين ومتفاعلين بإيجابية مع النص، فهو نص ينفتح إما على جحيم التلقي أو تلاقح الأفكار، فالأصوليون يرونه باباً من أبواب الدعوة إلى جهنم، بينما الليبراليون يرونه نصاً معتدلا في طرحه وفكره. كقارئة كانت بذهني صور مؤرشفة ومسبقة، ولكن مع بدايات عوالم الرواية، التي تسحبني بقوة إلى قصص عدة نساء يقبعن تحت معالم القمع الذكوري، والنسوي للمرأة ذاتها، بأسلوب أدبي أكثر من مشوق ومحبوك، وبلغة مقتصدة تؤدي غرضي سرد الحقيقة، وإمتاع المتلقي عبر اللغة، حتى اتخذت معالم القراءة لدي منحى آخر، وهو مشروع كتابة هذا المقال. ما يهم في هذه المقاربة ليست البنى الفنية والجمالية في الرواية، رغم أنها تستحق دراسة منفصلة عنها، ولكن أود التوقف عند صور متعددة من التلقي الخاطئ والمؤدلج للرواية والذي قام بالتضليل لطرح الرواية الفكري، ولا يزال يضلل العديد من القراء في قراءة العمل أو غيره من الأعمال، فعلى الرغم من تركيزي هنا على رواية «هند والعسكر» إلا أنني أقدم نموذجاً لبنية خاطئة من التلقي تنطبق على تفاعل القارئ بشكل عام مع نصوص كانت صادمة لأفق التلقي لديهم والمشحون بطاقات تغييب الآخر، ورفضه، ورفض فكر الاختلاف والتعدد والتنوع بالتوقف أمام بعض القراءات التي كتبت عن العمل، بدءاً من قراءة «جوجل» البسيطة وردات الفعل من قراء رصدوا تفاعلهم مع النص سواء كانوا عاديين أو مختصين، كما سأحاول في نهاية المقال وضع العمل في حقله المعرفي المناسب المنبثق منه، والذي لا بد أن يدرس فكرياً ومعرفياً من هذا المنطلق. المؤلف والعمل هناك بعض من يربط بين حياة الكاتبة بدرية البشر وشخصية هند في الرواية، وهذه حقيقية إشكالية كبيرة في آلية القراءة عن المتلقي السطحي والأيديولوجي الذي يربط بين النص ومؤلفه كأنه وثيقة حياتية مترجمة بالعمل الأدبي، ومن ثم محاسبة المؤلف ثقافياً، ودينياً، وأخلاقياً، ومجتمعيا، هؤلاء القراء يجهزون مقاصل إعدام العمل قبل قراءة العمل قراءة موضوعية منصفة لما جاء في النص من خلق لمعالم بطلة متخيلة وليست حقيقية من دم ولحم، وهذا ما دعت له نظرية «موت المؤلف» لرولان بارت منذ نشر مقاله في 1968، وما زلنا نحن نعيش في انسداد من أفق التلقي، ولا نعرف متى يمكننا استحضار حضور شخصية المؤلف الحقيقية للعمل، ومتى يتم تغييبها. وما هو منشور في أحد المواقع الإلكترونية إلا واحدة من نماذج القراءة الخاطئة، فقد قرأوا البطلة هند على اعتبار أنها ذات الكاتبة نفسها، على الرغم من أن المؤلف الضمني وقت العمل يكون جزءاً من ذات المؤلف ولكنه ليس إلى الأمد؛ لأن المؤلف نفسه ذات متغيرة ومتطورة، ولا يعبر عن قصصه الشخصية خلال كتابة العمل، وإلا أعلن إنها سيرة ذاتية وليست رواية. ولكن ليس هنا الإشكال، الإشكال يكمن، كما تقول الكاتبة في إحدى مقابلاتها، عندما سئلت عن القارئ السيئ: «القارئ السيئ هو القارئ الذي يشبه دودة العلق يلتصق بكلماتك ويمتص دمها، يحشرك في زاوية ثم يبدأ بالصراخ وجدتها وجدتها»، وهو ما يشوه عملية التلقي المثالية للنص، فما وصفه أحد القراء السطحيين أو المؤدلجين بأن الكاتبة تتطاول على أمها، هو في حقيقته قراءة تلوي عنق النص بما يريده القارئ، إذ إن الرد واضح في الرواية، الكاتبة هنا قامت بتحليل نفسي عميق لشخصية الأم التي التمست لها من البيئة والتربية العديد من المبررات لتكون معالم شخصية الأم انطلاقاً من بعد نفسي، ومجتمعي، وإرث ديني مفهوم بطريقة خاطئة يجعل من بعض الأشخاص يفهمون ويصورون الدين للناس بطريقتهم الخاطئة التي لا تكون بالضرورة مقصودة، بل تكون ناتجة بطريقة اجتهاد شخصي خاطئ، وهذا ما أرادت أن تقول الكاتبة على لسان شخصياتها.. وصولاً إلى بعض القراء المختصين الذين ركزوا على رصد الأخطاء اللغوية للرواية، وتراوح السرد بين استخدام الساردة ضمير الأنا في سردها أحداثاً تخصها أو وصفها الآخر عبر ضمير الغائب، وغيره من المحاولات القسرية التي تحاول رصد نقاط ضعف الرواية. فبعض المتخصصين يأخذون من هفوات السرد البسيطة جرارا ينسفون فيه العمل، أو إنهم يستغلون معرفتهم ببعض تقنيات السرد ليفسروا العمل بطريقة غير منصفة بناء على رغباتهم الشخصية. وهم بهذا الاتجاه المحدود من القراءة يحاولون نسف الفكرة الإنسانية العميقة للكاتبة حول رصد أزمة مجتمعية كاملة، تتناول المرأة والرجل وبنية التفكير في مجتمع متكامل، فالناقد الذي يقف عند أخطاء لغوية بسيطة وسطحية، ما إن تكن ظاهرة عامة في النص، ولا يلتفت إلى فكرة عميقة خلف النص هو ناقد بسيط في معرفته وثقافته لغوية بحتة تركز على اللغة، متناسياً أن العمل الأدبي من طرفين متكاملين الشكل اللغوي، والمضمون الفكري والمعرفي الإنساني. ?انطلاقة معرفية حقيقة القراءة المثلى بوجهة نظري، للنص تنطلق من الفكر النسوي ونظريات الجندر التي من الواضح جداً اطلاع المؤلفة العميق عليها، فالرواية هنا واحدة من النصوص التي تمثل لقضايا المرأة السعودية بجدارة، مع تقاطع مضموني وطروحات النقد النسائي العالمي، فالكاتبة بهذا العمل تتبنى طرح سيمون دي بوفوار?? عندما تحدثت في كتابها «الجنس الآخر» (1949): «إن النساء لا يولدن نساء، ولكن المجتمع هو الذي يعطيهن هذه الصبغة الأنثوية»، من خلال الأدائية التي تحدثت عنها جوديث باتلر? في كتابها «مشكلة النوع» الذي مثلت فيه لنماذج تمثل الدور النسائي الأدائي فرضه عليها المجتمع من ناحية، وتوارثته وتعبر عن نفسها من خلال أدائه بالتعرف على الأدوار التي يلعبها المماثل لها من النساء، وهذه النظرة لها جذور أيضاً في جهود العالم النفسي الشهير فرويد ونظريته في عقدة أوديب وعقدة إلكترا، ومرحلة الخوف على النوع الجنسي، عند الإنسان الذي يحل العقدة، ويجعل الرجل تابعا للرجل (الأب)، والمرأة كذلك تابعة لأمها. هنا في الرواية تتضح معالم هذه النظرية النقدية النسائية من خلال إبراز الدور الأدائي الذي تقوم به الشخصية الرئيسية هند ومجموعة النساء معها بعدة مواقف تجعلهن يتماهن ودور الأنوثة المطلوب منهن، وإلا كن في دائرة الانحراف عن المألوف، وما كان الجدل حول هند كشخصية في النص، إلا أنها تؤدي نصف هذا الدور المناط بها فأحدث هذا الجدل حول شخصيتها. إذن، انطلاق الكاتبة من ثلاثة أجيال نسوية متعاقبة وإيضاح كيفية التعامل مع كل جيل وكيف يرمين على قارعة الزواج من دون أدنى استشارة لهن في الماضي، مثلما حدث للأم، حيث تزوجت الأب من دون تربية وتأهيل كاف لهذا الزواج، وهند تزوجت منصور باستشارة ظاهرية وقوى وظروف عميقة ضاغطة تجبرها على الموافقة والإذعان لهذه الأوامر التي لا تبدو هند فيها قادرة على ردها، وكل هذه الملابسات والظروف التي تعيشها المرأة كما رسم في الرواية يؤكد أن المرأة رسم لها دورها من قبل المؤسسة الذكورية المتوارثة، والأم بوصفها واحدة من حارسات القهر النسوي، في ظل غياب الرجل عن البيت أو حتى حضوره المتسامح مع المرأة قليلا، مثل مواقف الأب مع هند. الجدة، والأم، والابنة ثلاثة أجيال افترض لهن أن يقدمن طقوس الطاقة العمياء والتسلم لمظاهر هذه الثقافة الذكورية التي يعيشها الجميع، نساء قبل الرجال تحت إطار نسق علوي يمثله الرجل، ونسق دنيوي تمثله المرأة بشكل عام، والمرأة الخارجة عن نطاق السائد والمألوف، فإنها ستلاقي الأمرين، أولاً: محاربة السلطة الذكورية لها في المجتمع الخارجي، والمحاربة الداخلية لها في محيط أسرتها، ومحاربة المرأة لها، فأشد الصعوبات على من يريد التغيير هو رفض المقموعين ذاتهم التغيير، أو استيعاب حقيقة قمعهم.. هذا وغيره بوجهة نظري ما جعل الرواية تقابل هذه الموجة الرافضة لها، لأنها تحاول كشف المستور، وتحرير المسكوت عنه في مجتمع ذكوري، ونساء حارسات لقهرهن الأنثوي من خلال إبداء صكوك الطاعة العمياء لنماذج القهر في المجتمع لكيلا يطردن في هاوية السمعة المشوهة. ناقدة وكاتبة كويتية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©