الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجلس «العموم» البريطاني...أسباب الفضائح

مجلس «العموم» البريطاني...أسباب الفضائح
27 مايو 2009 00:36
شبَّه أحد أعضاء البرلمان البريطاني مسلسل الاعترافات والبوح المتواصل، وعن حق، بـ»التعذيب». فمرة، يُكتشف أن عضواً كبيراً في البرلمان كلف دافعي الضرائب البريطانيين 2000 جنيهاً استرلينياً من أجل تنظيف حوض الماء بمنزله الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث عشر. وبعد بضعة أيام، يتبين أن عضواً في البرلمان كلف دافع الضرائب البريطاني 1645 جنيها إسترلينيا من أجل إقامة خم عائم للبط. بل إنه في كل يوم تقريبا من الأسبوعين الماضيين، قامت الصحافة البريطانية بنشر قصص حول حلويات الزنجبيل، والسلطانية المصنوعة من الفولاذ الخالص المقاوم للصدأ الخاصة بطعام الكلب، وأجهزة تسخين أحواض السباحــــــة، و«موبايــــل» الزوجة... والتي جعل المشرعون البريطانيون الحكومةَ البريطانية تدفع ثمنها. وهو ما لا يعد أمراً سيئاً في الواقع بالمقارنة مع عضو البرلمان الذي تقدم بطلب استرجاع أقساط الفائدة الخاصة بالقرض العقاري الذي أكمل تسديده من قبل، أو أولئك الذين كانوا يقومون بتبادل الأملاك تلافياً للضرائب. والغضب في بريطانيا حقيقي؛ حيث دعت «ديلي تلجراف»، وهي الصحيفة التي حصلت على فواتير النفقات (لم توضح كيف، ولكن أغلبية الناس يعتقدون أنها اشترتها) - إلى انتخابات مبكرة، وهذا يهم الجميع تقريبا ما عدا بالطبع حزب «العمال» الحاكم. والحال أن ثمة بعض الحيف والإجحاف بخصوص هذه الفضيحة على اعتبار أنه، وباستثناء حفنة من الغشاشين الحقيقيين والمتملصين من الضرائب، فإن معظم السياسيين كانوا في الحقيقية يقومون بما يقومون به ضمن نظام قانوني. فحسب القوانين البرلمانية، كان من المسموح للنواب المطالبة باسترداد نفقات صيانة منزل ثان، سواء في لندن أو في دوائرهم الانتخابية. ولكن فقط لدرجة معينة، لأن نظام التعويض في نهاية المطاف إنما أُنشئ وأدير من قبل السياسيين أنفسهم، تحت رعاية مايكل مارتن، المقبل على التقاعد، وغير المتأسف على حدث في ما يبدو، والذي يعد أول رئيس لمجلس العموم يرغَم على الاستقالة منذ 1659. وعلاوة على ذلك، إذا كان بعض أعضاء البرلمان يستردون ثمن إصلاح التسربات في الأنابيب تحت ملاعب التنس في منازلهم، فإن آخرين –وللحقيقــــــة- كانـــــوا يحافظــــون على نفقاتهم في أدنى حد ممكن. وهنا يكمن سؤال سيكولوجي مهم: لماذا شعر أعضاء أقدم هيئة تشريعية في العالم بأنه يحق لهم أن يطلبوا من دافعي الضرائب أن يدفع ثمن السجادة ونفقات صيانة حوض السباحة في منازلهم؟ صحيح أن بعضهم كان ملتزما بالأدب واللياقة، إلا أن معظمهم لم يكن كذلك، فلماذا؟ الجواب يكمن، في تقديري، في تراجع اعتبار ومكانة مجلس العموم وصعود ثقافة العلاوات والمكافآت الكبيرة في حي المال والأعمال في لندن في نهاية الشارع نفسه حيث يقع مبنى البرلمان. الأمران كلاهما تعود جذوره إلى ثمانينات القرن الماضي حين جعل تضافر جملة من العوامل مثل الإصلاحات التاتشرية، وتحول الانجليزية إلى لغة للتجارة العالمية، والجغرافيا –فبريطانيا تقع في منطقة زمنية على منتصف الطريق تقريبا بين نيويورك وطوكيو– من لندن العاصمة المالية لأوروبا. فطيلة هذا العقد، شاهد الجميع في البرلمان كيف أن أصدقاءهم من الجامعة لم يصبحوا أغنياءا فقط، بل أغنياء جداً جداً، في حين ظلت رواتبهم هم جامدة على حالها. ونتيجة لذلك، كان أعضاء البرلمان الأوروبي نموذجاً لما يسميه كاتب العمود ديفيد بروكس بـالـ»لا توازن في الرواتب»، وهو مرض يشغَل المصابون به وظائف ذات مكانة واعتبار ولكنها في الوقت نفسه ذات رواتب هزيلة، مناصب تتطلب منهم «تناول وجبة الغداء على حساب «العمل» في فندق فاخر، وتناول «المعكرونة» في البيت كوجبة للعشاء». ثم تفاقمت المشكلة بينما تراجعت أهمية البرلمان. فمع صعود القنوات التلفزيونية العاملة على مدار اليوم، تراجعت أهمية المناقشات الجوهرية أيضا. ولم يكن أعضاء البرلمان فقراء نسبياً فقط، ولكنهم أصبحوا أيضا أقل أهمية. كانوا يكسبون أقل ليس مقارنة مع المصرفيين فقط، ولكن أقل أيضا مقارنة مع الصحفيين، وأقل مقارنة مع من سبقوهم في السياسة. وبدا أن هذه الأزمة بلغت ذروتها في فضيحة «المال مقابل الأسئلة» عام 1994 التي ظهر فيها بعض أعضاء البرلمان المحافظين وقد تلقوا أموالا – نقدا في أكياس ورقية بنية – من رجال أعمال أرادوا منهم أن يقوموا بتحقيقات رسمية لصالحهم.حينها، بدا أن الحل قريب، حيث وصل حزب «العمال» بقيادة توني بلير، بعد حملة تدعو للنزاهة والأخلاق في البرلمان، إلى السلطة في 1997، منهيا بذلك 18 عاما من حكم «المحافظين». ولكن هذه المرة، وبعد 12 عاما من حكم «العماليين» لا يوجد منقذون لأن كل الأحزاب البريطانية الرئيسية الثلاثــــــــة: (المحافظون والعمال والديمقراطيون الأحرار) تضرروا جراء فضيحة النفقات التي تتكشف تفاصيلها في وقت تدخل فيها بريطانياً ركوداً عميقاً (الذي يعد هو نفسه من نتائج ثقافة العلاوات والمكافآت الكبيرة). ونتيجة لذلك، فإنه من غير المستبعد أن تحمل الانتخابات المقبلة إلى السلطة مجموعة من المستقليــــــن السياسيين أو نوابــــــا من الحزب «الوطني البريطاني» المعادي لأجانب. كما يمكنها أن تكشف بكل بساطة عن حجم جديد لعدم اكتراث الناخب البريطاني؛ فإذا كان تراجع مكانة وصورة البرلمان جزءاً من أصل هذه المشكلة، فإن تراجعاً أكبر وأكثر درامية في صورة ومكانة البرلمان سيكون هو النتيجة. وهذا الشعور، الملموس جدا في لندن - وفي نيويورك وواشنطن – والمتمثل في «أنا شخص ذكي وأعمل بجد؛ وبالتالي، فإنني أستحق أن أكون أغنى، حتى وإن كان ذلك على حساب الآخر «، ساهم في انهيار «ليمان براذرز»، وساهم في خلق فضيحة مادوف، وأضر اليوم بمجلس العموم . فعلى من الدور المقبل يا ترى؟ آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©