الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النساء في دارفور... أعباء ومخاطر

22 فبراير 2012
إنه مشهد مألوف جداً في مدينة نيالا بإقليم دارفور السوداني أن تطالعك النساء وهن مثقلات بأعباء تنوء بحملها الجبال، فهن عادة ما يعملن في ورش خاصة بالبناء حيث يضطررن إلى حمل على ظهورهن مواد البناء وغيرها من المواد مقابل أجور زهيدة بالكاد تكفي لإعالة أسرهن. وعن هذا العمل الشاق الذي ينتشر بين النساء في دارفور، تقول عائشة التي تعمل في إحدى ورش البناء "عملنا شاق للغاية، فمعظم الأيام نأتي من الساعة السادسة صباحاً حتى الساعة السادسة مساء دون أن نأكل شيئاً، بل نكتفي بشرب الماء مرة أو مرتين في اليوم، وأي طعام نأكله يخصم من راتبنا". لكن لماذا تجبر النساء على هذا العمل؟ ولماذا لا يمكثن في بيوتهن؟ أغلب الردود تذهب في اتجاه الفقر المدقع الذي تعيشه الأسر والحاجة إلى خروج المرأة للعمل وتوفير لقمة العيش لأطفالها، وفي هذا الصدد تقول خديجة التي تعمل هي الأخرى في ورشة للبناء بمدينة نيالا بدارفور "لا يتعدى ما نتقاضاه بعد عناء يوم طويل من العمل 50 سنتاً، وفي بعض الأحيان لا نحصل حتى على هذا المبلغ الزهيد. وبالمقارنة مع الرجال الذين يؤدون نفس العمل فإنهم أفضل حالاً، إذ يتقاضون 1.25 دولار في اليوم أو أكثر، وعندما طالبنا بنفس الأجور رفضوا ذلك وأصروا على المبالغ الحالية التي لا تكفي لسد الرمق". ومن الأسر التي تعمل فيها النساء في مجال البناء هناك أسرة أحمد موسى آدم المدرس بإحدى المدارس الابتدائية بالمدينة، والذي تعمل زوجته في مدينة الفاشر بدارفور، وهو يقول عن عملها "إن البناء ورفع أحمال ثقيلة من الحجر وغيرها لا يناسب تكوين المرأة"، مضيفاً "في بعض الأحيان تمرض بسبب هذا العمل الشاق وتصيبها الحمى كما تعاني من آلام في جسدها، وهي دائمة التفكير في العمل وما ينتظرها من مهام ترهقها وتؤثر على نفسيتها، وحتى عندما تمرض وتبقى طريحة الفراش تفكر في العمل أيضاً، وما إن تتحسن حالتها قليلًَا حتى تعود إليه". والأمر في دارفور وقراها لا يقتصر على صعوبة العمل وطبيعته القاسية التي تجبر المرأة على امتهان البناء، بل يمتد أيضاً إلى الوضع الأمني غير المستقر والمخاطر التي تواجه المرأة أثناء توجهها إلى العمل في الصباح الباكر، أو العودة منه متأخرة في المساء، حيث يخاطرن بالتعرض للهجوم من قبل العصابات وقطاع الطرق. ويرى آدم أن عمل زوجته في البناء يؤثر على الأسرة قائلاً: "تترك زوجتي البيت قبل السادسة صباحاً ولا تعود إلا في الليل، وطيلة اليوم يظل الأطفال لوحدهم في المنزل ينتظرون عودتي من العمل، وأُجبر على البقاء معهم لأرعى شؤونهم حتى رجوعها إلى البيت". لكن بالنسبة لآدم وللعديد من سكان دارفور لا يوجد بديل عن عمل المرأة حتى لو كان ذلك يعني الاشتغال في البناء، ويوضح آدم هذا الوضع قائلًا: "تجبرنا ظروفنا القاسية والفقر الشديد الذي نعيشه أن يخرجوا الناس للعمل في الخارج، حتى لو تطلب الأمر العمل في البناء الذي يصعب على الرجال فما بالك بالنساء. ورغم أني أعمل في التدريس بمدرسة حكومية، فإن الراتب لا يكفي لإطعام الأسرة"، والمشكلة في هذه المناطق السودانية أن قوانين العمل التي تحظر على النساء العمل في مهام شاقة وفي ظروف تكاد تكون لا إنسانية يتم تجاهلها بشكل دائم في ظل غياب شبه تام للمراقبة الحكومية، وهو ما يعبر عنه عمر موسى عمر، المحامي المتخصص في قانون العمل بقوله "في القانون السوداني الحالي هناك نصوص واضحة تمنع النساء والأطفال من امتهان أعمال شاقة تؤثر على صحتهم وسلامتهم النفسية، لكن المشكلة في القانون أنه لا يحمل المشغل مسؤولية أعماله ولا يحاسبه على استغلال الأطفال والنساء في العمل الشاق بأجور زهيدة". أما "آدم فضول" صاحب ورشة بناء ويشغل مجموعة من النساء في ظروف صعبة، فيدافع عن سياسة توظيف النساء قائلاً: "عندما تأتي امرأة تطلب عملاً، وتقول إنها لا تملك ما تطعم به أبناءها ماذا عساي أن أفعل؟ نحن نطلعها على طبيعة العمل، وفي النهاية ندفع لها مقابل ما تؤديه من عمل دون أن نجبرها على شيء، فهن يعرفن الأخطار وطبيعة العمل الشاقة". لكن وفيما عدا الجانب الإنساني الذي يتذرع به المشغلون هناك أيضاً عوامل اقتصادية تجعل آدم فضول وغيره من أصحاب ورش البناء يقبلون على توظيف النساء أكثر من الرجل، وهو ما يوضحه فضول قائلًا: "الرجال لا يعملون بنفس الجد والتفاني، كما أنهم دائمو الشكوى من الأجور التي لا تروق لهم، أما النساء فهن يأتين لإطعام أبنائهن وهن من أجل ذلك مستعدات لتحمل مشاق العمل وصعوبته والقبول بالأجور التي نعطيها لهن دون تأفف بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في إقليم دارفور"، ويضيف فضول أن الأمر بالنسبة له ولغيره لا يتعلق بالرغبة في استغلال من هم في أمس الحاجة إلى المال، بل يتعلق بمعادلة الطلب والعرض، فالنساء في حاجة إلى عمل والبناء هو القطاع الأقدر على استيعابهن، كما أن النساء في دارفور غالباً ما لا يتوافرن على مهارات أو تعليم، فليس أمامهن سوى العمل اليدوي لتأمين قوت أسرهن. بليك إيفانز وزكية يوسف - السودان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©