الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سوق بوش» ومكافحة الفساد في أفغانستان

20 فبراير 2013 23:26
ريتشارد ليبي محلل سياسي أميركي لو سُرقت قطعة صابون من قاعدة عسكرية أميركية هنا، أو من حاوية شحن تابعة للناتو، فإنها ستجد طريقها على الأرجح، إن آجلا أم عاجلا، إلى»سوق بوش» وهو سوق للسلع المسروقة يقع وسط العاصمة كابول. وهذا السوق المسمى على اسم الرئيس الأميركي السابق الذي شن الحرب على أفغانستان عام 2001، شهد ازدهاراً لما يزيد عن ثمانية أعوام، نظراً لاستمرار بقاء القوات الأجنبية التي كانت توفر معيناً لا ينضب من السلع المسروقة. أما في عهد أوباما الذي يشهد انسحاباً تدريجياً للقوات الأميركية من أفغانستان، فإن» الأوقات الطيبة» التي شهدها هذا السوق، توشك على الانتهاء بالنسبة للكثيرين من الباعة الذين يبيعون جبالا من الحلوى الأميركية وكميات كبيرة من شامبو أميركي شهير مقاوم للقشرة، كلها تم السطو عليها من مخازن القوات الأميركية. على نحو ما، يمكن القول إن السوق يؤدي دور «الباروميتر» الاقتصادي لهموم ومشاغل الأفغان في مختلف الطبقات عندما يصل عام 2014 إلى نهايته، وتنتهي معه أيضاً المهمة القتالية للقوات الغربية بقيادة الأميركيين.وقد جاء إعلان أوباما في خطاب «حالة الاتحاد» يوم الثلاثاء الماضي عن خطته الرامية لتسريع سحب 38 ألف جندي خلال العام المقبل، ليزيد من هموم العديد من التجار في هذا السوق بشأن ما سيحدث بعد أن تغلق القوات الغربية في نهاية المطاف الأنبوب الذي يضخ النقود والدعم المادي لهم. ينعي «صنبور» البائع في السوق ما آل، وما سيؤول إليه الوضع، وهو يقف إلى جوار محله الصغير المكتظ بمنتجات مقاومة حب الشباب، ونوع شهير من أنواع صبغة الشعر حيث يقول» لقد كانت تجارتي جيدة فيما سبق، أما الآن، فقد أصبح السوق يعاني من الركود». وقال باعة كثيرون إن المبيعات في السوق قد هبطت بنسبة 50 في المئة من أعلى مستوى كانت قد وصلت إليه، إبان زيادة عدد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان عام 2009. فالقوات التي كانت قد وصلت في ذلك العام رحلت الآن؛ وبالتالي أصبح عدد السلع المستخدمة من قبل القوات الأجنبية، والقابلة للسطو أقل مما كان عليه ما أدى إلى زيادة أسعارها. وأضاف هؤلاء الباعة أن أعداد العاملين الأجانب في مؤسسات التنمية في أفغانستان الذين يترددون على السوق قد انخفضت أيضاً، مما ساهم في تفاقم حالة الركود التي يعاني منها السوق في الوقت الراهن. و«سوق بوش» الذي يتكون من متاهة مترامية من الأزقة والمنحنيات تضم ما يقرب من 600 محل يعتبر في حد ذاته تجسيداً مصغراً لبنية الفساد التي ازدهرت خلال الفترة التي تدفقت فيها على البلاد مئات المليارات من الدولارات في صورة مساعدات عسكرية وتنموية والتي كان اختلاس دولارات اليانكي أثناءها ممارسة تكاد تكون شائعة في كافة طبقات المجتمع الأفغاني من القمة نزولا للقاع. وتظاهر معظم أصحاب المحال بأنهم لا يعرفون شيئاً عن المصدر الذي جاءت منه بضائعهم. ولكن، وكما شرح لي تاجر قديم، فإن جميع الأفغان الذين يحصلون على وظائف في قواعد عسكرية أميركية يتميزون بالبراعة وخفة اليد في نهب كميات صغيرة- في كل مرة - من البضائع الموجودة بكميات كبيرة في المخازن. وتلك الكميات تغادر القواعد داخل صناديق يتم إخفاؤها تحت أغطية سيارات القمامة التي تخرج من تلك القواعد يومياً، كما يقول التاجر الذي رفض الكشف عن اسمه، وأضاف «لقد حقق جاري ثراء كبيراً من وراء هذا النشاط». قلما يخضع «سوق بوش» لحملات تفتيش من قبل السلطات الأفغانية، باستثناء الحالات التي تشك فيها القوات الأميركية أن هناك شيئاً ثميناً قد نُهب من القواعد، وانتهى به المطاف في السوق. ويقول البائعون إن آخر مرة رأوا فيها القوات الأميركية وهي تصاحب ممثلي السلطات الأفغانية في السوق، كانت منذ عامين على وجه التقريب. وقد رفضت السلطات العسكرية الأميركية هنا الاستجابة لطلب من جانبي بالتعليق على مخزون السوق من البضائع، إلا أن مشكلة البضائع المسروقة من القواعد، وشحنات السلع التي يتم تحويل مسارها، لم تغب عن أذهان المسؤولين هنا. يشار إلى أن السوق له سوابق تاريخية: فأثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان كان يطلق عليه «سوق برجينيف» على اسم السكرتير العام السابق للحزب الشيوعي السوفييتي، وكانت تباع فيه البضائع والمواد العسكرية المسروقة بما في ذلك الأسلحة. يقول «صالحي محمد» (59 عاماً) الذي يعرض في متجره كمية كبيرة من قطع الشوكولاتة المانحة للطاقة التي تكلف الواحدة منها دولاراً في سوق التجزئة في الولايات المتحدة، وتباع بـ40 سنتاً في السوق» الناس يأتون بالبضائع هنا ولا نعرف من أين أتوا بها». إلى جانبه كان يقف بائع يدعى «رحمة الله خان» وهو لاعب رفع أثقال سابق يتباهى بأن الكميات الكبيرة التي يعرضها في محله من عقار مكمل يستخدم في بناء الأجسام، قد جاءت كلها من قاعدة «باجرام» الجوية وغيرها من المنشآت العسكرية الأميركية. كان محله قاتماً -بعد أن تعرض السوق لانقطاع آخر في التيار الكهربائي- ويتناسب مع تقييمه للمستقبل. يقول رحمة الله» نحن أفغان ونريد أن نحافظ على بلدنا لأنفسنا». ويضيف:»ولكننا في هذه الأيام نعاني من نقص الوظائف، كما لا يوجد لدينا نقود، ولا ندري ماذا نفعل عندما يغادر الأميركيون»؟ كان ذلـك سؤالاً لم يكن لديـه إجابة جاهزة عليه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©