الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكونجو.. ديمقراطية لا مفر منها!

27 مارس 2017 00:44
في مقال نشرته دورية «فورين أفيرز» بداية الشهر الجاري بعنوان «ما يُفوّته الصخب بشأن الانتخابات الكونجولية»، تزعم «سيفيرين أوتسيري»، أستاذة العلوم السياسية في جامعة «كولومبيا» والمتخصصة في الشؤون الأفريقية، أن التركيز الدولي على الدراما التي تكتنف محاولات الرئيس «جوزيف كابيلا» التشبث بالسلطة في جمهورية الكونجو الديمقراطية يُشتت الانتباه عن المشكلات الأكثر إلحاحاً في البلاد. وتقول أوتسيري: «إن الفقر والبطالة والفساد وقضايا محلية، مثل قدرة الفقراء على الحصول على الأراضي والعدالة والتعليم.. هي في جوهر العنف المستمر في الكونجو منذ أمد طويل». وأضافت: «إنه لن يتم إحلال السلام والرخاء في الكونجو ما لم يتحول التركيز من الأزمة في كينشاسا إلى القوى الفاعلة المحلية». ودعوة «أوتسيري» لإجراء الأبحاث والتدخلات من أجل الاهتمام بالديناميكيات المحلية، تطرح تحدياً مهماً أمام الأساليب المركزية التقليدية في صنع السلام. غير أنه عندما يتعلق الأمر بالمشكلات الراهنة في الكونجو، فإن تأكيدها على إيجاد حلول محلية للمشكلات المحلية أمر مضلل. فالتطورات العالمية والإقليمية والمحلية، من القوانين الدولية الخاصة بالثروات المعدنية في مناطق الصراعات، والحروب الأهلية في الدول المجاورة، إلى التدخلات من أجل حفظ السلام، والتغييرات السياسية في كينشاسا.. تؤثر في مجملها على الأحداث المحلية في الكونجو وتشكلها. وفي الحقيقة، يكاد لا يكون هناك دليل على أن الصراعات المحلية تشكل الأسباب الرئيسة للعنف الدائر في شرق البلاد، كما أنه ليس من الواضح أن القوى الفاعلة المحلية لديها نفوذ لمواجهة الميلشيات الوحشية أو الشبكات القوية التي تدعمها. وإسقاط هذه الحقائق يمثل مجازفة بمنح صلاحيات لقوى محلية لا نفوذ لها. ومن الصعب أن نجد نزاعاً محلياً في الكونجو منفصلاً عن السياسة النخبوية، فمعظم الصراعات المجتمعية في شرق الكونجو وأماكن أخرى في البلاد حفزتها أو عززتها أو وجهتها قوى فاعلة إقليمية أو محلية أو أقاليمية تستغل المظالم الشعبية، وتستخدم لغة تحريضية للحشد ضد خصومها والجماعات المسلحة لاستهدافهم. وعلاوة على ذلك، يثير العنف الذي تمارسه الجماعات المسلحة الصراعات بين المجتمعات، وليست الانقسامات داخل المجتمعات هي التي تنتج العنف. وحتى تلك النزاعات التي قد تبدو محلية تماماً ترتبط في كثير من الأحيان بصورة عميقة بالسياسات الوطنية. وعلى سبيل المثال، تكتنف الصراعات على الأراضي المزيج السيئ من القوانين العقارية الغامضة وغير المطبقة محلياً، وسياسة الوصاية، وأنظمة العدالة المهترئة. وفي وجه النخب الفاسدة، تزعم «أوتسيري» أن الجهود الشعبية التي تقودها السلطات العرفية ومنظمات المجتمع المدني، تمثل أفضل أمل للسلام والأمن في الكونجو. والحقيقة أن مثل هذه المنظمات والسلطات العرفية تبذل بالفعل كل ما بوسعها للتعامل مع الصراعات العنيفة، وفي الكونجو تقليد منذ عقود يتمثل في مجموعات الدفاع الذاتي والمنظمات المدنية التي تعوض ضعف الأجهزة الحكومية. وإذا استمر العنف، فإن ذلك، لن يكون بسبب نقص الجهود المحلية، ولكن بسبب ضعف القدرات المحلية أمام معالجة الجذور العميقة للعنف. ويشار هنا أيضاً إلى أن مصالح القوى المحلية ليست بالضرورة أكثر نبلاً من مصالح القوى على المستوى الوطني. وخلال السنوات الأخيرة، قدمت تنظيمات مسلحة كثيرة في الكونجو نفسها على أنها حامية حمى المجتمع التي تدافع عنه، غير أن كثيراً من هذه التنظيمات في الحقيقة ترفع السلاح للمواجهة أو التحالف مع شبكات اجتماعية أو سياسية أكبر، مثل المنظمات المتمردة المدعومة من الخارج. وتلك التنظيمات التي لم تعد تعتمد على الدعم الشعبي، أصبحت أكثر رغبة في انتهاك المجتمعات التي تزعم أنها تدافع عنها، من خلال الابتزاز والسرقة والخطف، وما شابه من أعمال إجرامية. ورغم أن هذه التنظيمات المسلحة ربما تتعاون مع قادة محليين عندما يخدم ذلك مصالحها، فإن السلطات المحلية لا تسيطر عليها. وتميل الميلشيات إلى متابعة أولوياتها، وبالطبع بقائها. ويتضمن ذلك إبرام صفقات مع النخب السياسية ووحدات الجيش. ويكمن جوهر مشكلات الكونجو في الافتقار إلى إرادة سياسية من جانب النخبة في السلطة، والتي لا تعتبر تخفيف وطأة الفقر والخدمات العامة والإصلاح المؤسساتي.. من بين أولوياتها. وتعانى الوكالات الحكومية في الكونجو من نقص التمويل، ما يدفع المسؤولين إلى فرض ضرائب ورسوم غير شرعية، والمطالبة برشى. لذا، ينبغي أن يمر الطريق صوب الاستقرار في الكونجو عبر إصلاح المؤسسات الحكومية. والطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي تعزيز محاسبة المسؤولين، والتي تتطلب انتخابات وطنية، وفتح مجال ديمقراطي، والتحول من النهب إلى الحوكمة اليومية المسؤولة. *كُتاب متخصصون في الشؤون الأفريقية عن دورية «فورين أفيرز» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©