الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«اتجاهات الشباب» حجر الزاوية في الوقاية من المخدرات

«اتجاهات الشباب» حجر الزاوية في الوقاية من المخدرات
1 يناير 2013 14:04
لم تشهد البشرية من أوبئة تحصد البشر، يفوق تأثيرها الطاعون والإيدز، مثل وباء المخدرات، لكن الاختلاف الكبير الذي يقدم إدمان المخدرات عما سواه، أن أي وباء يمكن محاصرته والتعامل معه مهما كانت خطورته. لكن المصيبة الأكبر تكمن في استحالة محاصرة آثار الإدمان المدمرة وقصرها على الشخص المدمن فقط، بل إنها تمتد لتشمل أسرته والمجتمع الذي يعيش فيه بأسره المخدرات.. باتت وباءً عالمياً يفوق جسامة مخاطرها ما أحدثته كافة الحروب التي دارت في أنحاء العالم على امتداد العصر الحديث مجتمعة دون أدنى مبالغة. آخر تقارير الأمم المتحدة يؤكد أن من أهم الأسباب الرئيسية لوصول تعاطي المخدرات إلى المستوى الوبائي الذي نراه عليه اليوم، هو فشل كثير من الدول والحكومات والمؤسسات المعنية في إيصال المعلومات الصحيحة حول خطر استخدام المخدرات والإدمان عليها إلى الناس، في ظل عوامل ومتغيرات عالمية عديدة خلفت ظلالاً سلبية عديدة على اتجاهات وسلوكيات الصبية والمراهقين والشباب. “الاتحاد” وبالتعاون مع “المركز الوطني للتأهيل” في أبوظبي، تطرح هذا الملف الشائك من خلال التعريف بالمشكلة، وأهمية التوعية المجتمعية في ضوء المتغيرات الثقافية الجديدة، واستعراض جوانب الإدمان وأهم المخاطر النفسية والأسرية والاجتماعية، وكيفية التعامل معها على صعيد العلاج والتأهيل، على امتداد خمسة أيام. خورشيد حرفوش (أبوظبي) - ظاهرة إدمان المخدرات لم تعد مشكلة محلية أو إقليمية فحسب، بل باتت ظاهرة عالمية بكل المقاييس تدر المليارات على مافيا زراعتها والإتجار فيها. وخطورة المخدرات تكمن في أنها تستهدف فئة الشباب، حيث أكد الخبراء في كافة أنحاء العالم أن أكثر من ثلثي المدمنين هم من الشباب، وأن السن المثالية لتعاطي المخدرات انخفضت إلى متوسط أقل من عشر سنوات. ونشهد اليوم أكثر من أي وقت مضى “موجة” عالمية قوية لترويج المخدرات وتعاطيها بصورة لم يعرفها التاريخ من قبل. ومن المسّلم به أن للمخدرات مخاطرها ومشكلاتها العديدة التي أصبحت تكلف العالم ثروة بشرية واقتصادية كبيرة، فالمشكلات النفسية والبدنية والاجتماعية والاقتصادية نتاج أساسي لانتشار المخدرات وتعاطيها، وهذه المشكلات هي - في حقيقة الأمر – من أخطر الظواهر الاجتماعية والصحية والنفسية التي تواجهها معظم بلدان العالم في الوقت الحاضر. ذلك أن حوالي ربع سكان الكرة الأرضية تقريبا يتعاطون أنواعا من المخدرات على أمل أن تساعدهم في تغيير نمط حياتهم وتفكيرهم!! من هذا المنطلق تتأتى أهمية توقف الخبراء والمعنيين بمكافحة المخدرات على الصعيد المجتمعي والعلاجي والتأهيلي عند “اتجاهات الشباب نحو المخدرات والإدمان”، لتحديد استراتيجية الوقاية والمكافحة وكيفية التعامل مع الظاهرة بأساليب علمية وموضوعية ومهنية مؤثرة وفاعلة. محددات السلوك الدكتور عبيد بن عبدالله العمري، أستاذ علم الاجتماع المشارك، في كلية الآداب بجامعة الملك سعود” بالسعودية” يوضح جانباً مهماً في هذا الاتجاه، ويقول:” إذا كان تعاطي الكبار للمخدرات تمثل ظاهرة خطيرة فإن تعاطي الشباب يمثل كارثة للمجتمعات حيث تمثل تلك الفئة رأس المال البشري الذي تعتمد عليها المجتمعات في تنميتها وتطورها وتقدمها. إن شباب الجامعة هم صفوة الشباب وعيا وإدراكا لطبيعة التفاعل الاجتماعي والأيديولوجية السائدة في المجتمع، ولا شك أن الكشف عن اتجاهات الشباب نحو المخدرات والإدمان ذا أهمية خاصة، وذلك لأن هناك علاقة بين الاتجاهات التي يعبر عنها الشباب وبين سلوكهم الحالي والمستقبلي، كما أن الاتجاهات التي يكونها الشباب تشكل القاعدة لفهم وتفسير الحوادث والقضايا الاجتماعية والسياسية المعاصرة والمستقبلية. ويعد مفهوم الاتجاهات من المفاهيم ذات الأهمية في الدراسات النفسية والاجتماعية والتربوية، فالاتجاهات من أهم مخرجات عملية التنشئة الاجتماعية، وهي في الوقت نفسه من أهم محددات السلوك ودوافعه، ولا شك من أهم وظائف عملية التنشئة والتربية تكوين اتجاهات سوية لدى الأفراد أو تعديل اتجاهات غير مرغوبة لديهم”. ويضيف الدكتور العمري:”إن مواجهة مشكلة المخدرات عند الشباب ليس بمجرد العقاب أو العلاج، وإنما لابد من الوقاية، فالوقاية خير من العلاج. وخير السبل للوقاية هي التربية السليمة. لا شك إن تنشئة الشباب على أسس تربوية سليمة تعتبر عاملا جوهريا في التصدي لهذه المشكلة منذ البداية. فالشاب منذ طفولته يحب إن يكتسب الإحساس بالثقة الذي يمكنه من اتخاذ القرارات برفض ذلك الوباء والابتعاد عنه والمبادرة في المشاركة في برامج الوقاية من الإدمان”. إن الضمان الحقيقي هو ذلك النابع من اقتناع الشباب بعدم تعاطي المخدرات، وهذه الاتجاهات والقناعات الداخلية الرافضة للإدمان ليست عملية سهلة ولا يتم بناؤها وتكوينها وتنميتها إلا من خلال برامج وخطط مدروسة تتوفر لها الإمكانات اللازمة لذلك. إذ لابد من العمل على صياغة برامج تنمي الاتجاه الرافض للمخدرات والإدمان وتخلق الوعي الذاتي والقناعات الشخصية لدى الشباب وتشجعهم على المشاركة في برامج الوقاية من الإدمان لكي ينمو الشباب محررين من عبودية المخدرات”. طبيعة الاتجاهات يرى الدكتور عبد الحميد يونس أستاذ علم الاجتماع أن مفهوم الاتجاه قيمته الكبيرة في مجال البحوث النفسية والاجتماعية بوصفه وسيلة للتنبؤ بالسلوك، وأيضا لفهم الظواهر النفسية والاجتماعية المختلفة، كما يعد تغييره وسيلة فعالة لجعل الأفراد يتصرفون بطريقة مرغوبة اجتماعيا، كذلك يمكن وقاية الشباب من بدء تعاطي المخدرات والإدمان عليها من خلال تغيير اتجاهاتهم المحبذة للمخدرات واستبدالها باتجاهات تستهجنه وترفضه. كما إن تغيير الاتجاهات نحو المخدرات، يعد من أهم الاستراتيجيات لتغيير عادات وسلوك الأفراد ونحوها. واستراتيجية تغيير الاتجاهات نحو المخدرات ينبغي أن يسبقهما تعرف على طبيعة الاتجاهات نفسها من حيث تشكلها ونشأتها وأسباب تكوينها. فمفهوم الاتجاه له قيمة كبيرة بوصفه وسيلة للتنبؤ بالسلوك، وأيضا لفهم الظواهر النفسية والاجتماعية المختلفة، كما يعد تغييره وسيلة فعالة لجعل الأفراد يتصرفون بطريقة مرغوبة اجتماعيا، كذلك يمكن وقاية الشباب من بدء تعاطي المخدرات والإدمان عليها من خلال تغيير اتجاهاتهم المحبذة للمخدرات واستبدالها باتجاهات تستهجنه وترفضه. كما إن تغيير الاتجاهات نحو المخدرات، يعد من أهم الاستراتيجيات لتغيير عادات وسلوك الأفراد ونحوها. واستراتيجية تغيير الاتجاهات نحو المخدرات ينبغي أن يسبقهما تعرف على طبيعة الاتجاهات نفسها من حيث تشكلها ونشأتها وأسباب تكوينها. وهذا هو الذي تركز عليه الدراسة الحالية. فالوقوف والتعرف على طبيعة اتجاهات الشباب نحو الإدمان يمكن أن تعين في التنبؤ بسلوك هؤلاء الشباب الفعلي وهل هذه الاتجاهات أقرب إلى الرفض أم القبول. فهذا من شأنه أن يعين الباحثين والمسؤولين عند تصميم مختلف البرامج سواء كان هدفها وقائيا أو كان تغييرا للاتجاهات القائمة حول المشكلة”. استطلاع «الاتحاد» استطلعت «الاتحاد» آراء عينة قوامها 100 طالب من طلاب المدارس المختلفة التي تقع أعمارهم ما بين (10 سنوات إلى 20 سنة)، وبشكل عشوائي للوقوف على اتجاهاتهم نحو تعاطي المخدرات والإدمان عليها، وقد تبيّن أنّ 53% منهم لديهم معلومات كافية عن أضرار المخدرات «من وجهة نظرهم»، وأنّ 43% منهم لديهم معلومات «معقولة إلى حد ما» - بحسب الطلاب - فيما أشار 4% منهم أن ليس لديهم أي معلومات عن تعاطي المخدرات والإدمان عليها. وقد أشار 73% من الطلاب إلى أنهم «لم يسبق لهم المشاركة في أي من البرامج التي تعني بالوقاية من المخدرات والإدمان عليها» بصفة منظمة، وإنما أشار 63% منهم إلى أن وسائل الإعلام متمثلة في التليفزيون وشبكات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والسينما والأفلام التليفزيونية كانت المصدر الرئيسي لإلمامهم بطبيعة المخدرات والمسكرات وتعاطيها والإدمان عليها. بينما أشار 18% منهم إلى أنّ الأصدقاء والزملاء والرفاق هم مصدر الإلمام بالمخدرات، فيما أشار 8% منهم إلى أنهم تعرفوا على تعاطي المخدرات أو سمعوا عنها من الخدم والأجانب. في الوقت نفسه أشار 11% منهم إلى تحديد مصدر معلوماتهم كان الأفلام التليفزيونية. أما فيما يتعلّق بالمصادر التي يحصلون عليها بمعلوماتهم عن أضرار تعاطي المخدرات، كانت: 40% من المدرسة من خلال المناهج الدراسية والأنشطة اللاصفية، وأشار 14% منهم إلى الزملاء، بينما أرجع 21% منهم إلى أن الأسرة كانت المصدر الرئيسي الذي يمدهم بمعلومات كافية ومفيدة عن أضرار المخدرات. وقد أشار 25% من أفراد العينة إلى أن وسائل الإعلام، والبرامج الإعلامية الإيجابية كانت مصدرهم الرئيسي للحصول على تلك المعلومات. الأسباب فيما يتلّق بالأسباب التي تدفع الصبية والمراهقين والشباب إلى تعاطي المخدرات، أو الوقوع في فخ التجربة، وحب الاستطلاع، أشار 87% إلى أن السبب الأول كان العمالة الوافدة، و86% بسبب عدم المعرفة بأضرار المخدرات، و86% بسبب زيادة وارتفاع دخل الأسرة وتوفر العنصر المادي بين هذه الفئة، كما أشار 85% منهم إلى أن «المفاهيم الخاطئة عن المخدرات والإدمان عليها تمثل السبب الرئيسي الذي يدفع الشباب والمراهقين إلى تعاطي المخدرات». وأشار 78% من أفراد العينة إلى أنّ عدم التفاهم بين جيل الآباء والأبناء، وغياب الحوار والتواصل الاجتماعي المباشر يكون سبباً رئيسياً لانحراف الصغار، ومن ثمّ تعاطي المخدرات. فيما أشار 68% منهم إلى عامل عدم إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية لفقدان حلقة التواصل بين الآباء والأبناء، فيما ألقى 86% منهم الأسباب إلى الملل من الدراسة، وعدم مواكبة البرامج التعليمية واليوم المدرسي، واحتياجات الطلاب النفسية والاجتماعية والترفيهية. وقال 49% من أفراد العينة إنّ وجود وقت كبير من الفراغ لدى هذه الفئة يكون سبباً مهماً من الأسباب التي تدفع إلى تعاطي المخدرات ومسايرة رفاق السوء الذين هم السبب الرئيسي لتعاطي المخدرات من وجهة نظر 63% من أفراد العينة. وأكد 45% منهم إلى التفكك الأسري، ووجود خلافات حادة بين الآباء والأمهات، أو زواج الأب بأكثر من زوجة، وعدم اهتمام الأسرة بمشاكل الأبناء تعد السبب الرئيسي للمشكلة، فيما أرجع 35% من أفراد العينة إلى أنه يجب عدم إغفال ضعف الوازع الديني، واعتباره عاملاً مهماً في إقبال أو اتجاه هذه الفئة إلى تعاطي المخدرات. تعزيز الاتجاهات السلبية من خلال قراءة الأرقام المذكورة، يمكن استنتاج أن هناك اتجاها قويا بين الطلاب بالرفض لظاهرة الإدمان واستعدادهم للمشاركة في برامج الوقاية من الإدمان، وينبع هذا الاتجاه من توفر معلومات للشباب عن المخدرات والإدمان عليها من خلال المواد والمقررات الدراسية والبرامج اللاصفية، كما دلت النتائج أن العمالة الوافدة وعدم معرفة الشباب بأضرار المخدرات وزيادة دخل الأسرة وانتشار المفاهيم الخاطئة عن الإدمان وعدم إشباع حاجات الشباب وعدم التفاهم بين الآباء والأبناء ، ووجود تصدعات أسرية، ومظاهر التفكك الأسري، من أهم الأسباب التي تدفع الشباب نحو تعاطي المخدرات والإدمان عليها. ومن ثم يجب توجيه البرامج الوقائية تجاه الطلاب والمراهقين والشباب، وبحسب مستوياتهم الثقافية، ونضجهم العقلي، واطلاعهم وتوعيتهم بأضرار المخدرات والإدمان عليها، وتزويدهم بالمعلومات والاحصائيات التي تبين مدى خطورة انتشار هذه السموم لتجنبهم الانسياق وراء هذه الآفة المدمرة ومن ثم تعزيز الاتجاه السلبي نحوها. انه يجب مشاركة الشباب أنفسهم في محاربة تلك الآفة طالما ذلك سيؤدي إلى تعزيز الجانب الرافض للإدمان وحماية أنفسهم ومجتمعهم من ذلك الخطر، يجب مناقشة الشباب لنصل إلى جذور المشكلة وأسبابها والعوامل المؤدية لها. أهمية التناول الإعلامي الإيجابي يجب أن تتوخى وسائل الإعلام تقديم المواد الإعلامية السوية لتكوين الاتجاهات الرافضة للمخدرات والإدمان لدى الشباب وتحث على المشاركة في برامج الوقاية من الإدمان، وتبصير الشباب بأضرار المخدرات وتفنيد المزاعم المتقوّلة بفائدتها، كما يجب أن تقدم المواد الإعلامية للشباب بأسلوب علمي مدروس وفي قالب فني مشوق حتى لا تؤدي - عن طريق الإيحاء - إلى عكس ما تهدف إليه. واتخاذ الحذر في اختيار الأفلام والمسلسلات حتى لا يظهر متعاطو المخدرات قدوة للشباب. كما يجب استثمار وتوظيف القيم الدينية والتربوية والوطنية، من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية في تكوين قناعات لدى الأفراد بعدم تعاطي المخدرات لتكوين اتجاهات رافضة للإدمان والاهتمام بمساعدة الأسرة على القيام بدورها من حيث غرس القيم والمبادئ المحفزة للاستقامة في الأبناء وخاصة الاهتمام بغرس المبادئ الإسلامية التي تقي الشباب من الوقوع في المخدرات، كما يجب تبصير الآباء والأمهات بالمعلومات الكافية عن المخدرات وأضرارها وذلك من خلال مجالس الآباء ومجالس الأمهات التي تعقد في المدارس. إن مسؤولية الأسرة هنا قوية وتتمثل في غرس قيم وأهداف واضحة ممكنة التطبيق في نفوس أبنائها من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، تكون لهم أساسا صلبا وتجنبهم خطر الوقوع في مزالق الانحرافات وعلى رأسها تعاطي المخدرات، وبذلك على الآباء أن يمدوا أيديهم نحو الأبناء لفتح حوار حر وصريح مع أبنائهم وأن يتبادلوا معهم ذلك بحب يزيد من الثقة بين الجميع. وفي الوقت نفسه يجب أن تستمر المناقشة والتفاهم ولا تنقطع الحوار بينهما من أجل التوصل إلى فهم مشترك وبغض النظر عن النتائج. ومن الأهمية تنمية الوعي والمعرفة لدى المراهقين والشباب بأنهم يمكنهم التغلب على مشكلاتهم ومقاومة الضغوط النفسية والاجتماعية وتحقيق الرضا والسعادة بإشباع وطرق غير المخدرات وأن قضاء وقت الفراغ في أعمال مفيدة مثل الرياضة والقراءة والعبادة، واصدار نشرات لتوعية الأسر بكيفية مراقبة أبنائهم واكتشاف أي سلوك غريب عليهم واكتشاف أي احتمال تعاطي أحد من أبنائهم لمواد مخدرة. الحلقة الخامسة والأخيرة غداً: آفاق العلاج والتأهيل لمرضى الإدمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©