الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هوية جديدة بلا أقنعة

هوية جديدة بلا أقنعة
23 فبراير 2011 19:37
الفن الإفريقي من الفنون التي تضرب جذورها في أعماق أرض التاريخ، جذور تعود إلى آلاف السنوات، وقد تطور هذا الفن البصري تحديا عبر مسيرته، مستخدما مفردات البيئة وأدواتها، فاكتسب هوية لا يمكن أن تخطئها عين البصير، هوية ذات سمات ومواصفات متميزة، حتى باتت ذات حضور وتأثير كبيرين في الفن العالمي كله، بل ربما كان هذا الفن ولغته التعبيرية الصارخة من أكثر الفنون تأثيرا في العالم، بكل ما عرفه من الأقانيم والخرافات والآلهة. لن نعود إلى تاريخ هذا الفن العريق، سنتوجه مباشرة إلى الفن الأفريقي المعاصر، بل سنخصص أكثر فنكتفي بملامح من الفن الأفريقي والشتات، من خلال ما تعرضه صالة “غاليري موجو” في دبي، عبر سلسلة من المعارض للفن الأفريقي، في التصوير الفوتوغرافي، كما في اللوحة الزيتية أو المنحوتة البرونزية أو البلاستيكية. وهو معرض يقدم صورة كانت غائبة تقريبا عن المشاهد والمهتم العربي بالفنون. نحن هنا أمام مشهد جديد للفن الأفريقي مختلف في ملامحه ومعالمه، يختلف في مفرداته وسمات هويته المألوفة، الأقنعة والوجه الأفريقي بملامحه الشهيرة، إضافة إلى الألوان الصاخبة في الأزياء، النسوية خصوصا، وألوان الطبيعة بصورة عامة. هذا كله سيظهر في لوحات ومنحوتات يقدمها عدد من الفنانين الأفارقة، فنانون يقدمون تجارب أهم ما يميزها المزج بين تراث عريق ومفردات جديدة حداثية وغربية في هذا الفن، من خلال ما عاشه هؤلاء الفنانون من “شتات” (دياسبورا) ومنفى ولجوء في دول أوروبا وأمريكا خصوصا، حيث الأعمال التركيبية والمفاهيمية والسوريالية، مع الحفاظ على بعض الملامح الأفريقية. القديم والحديث الفن الأفريقي اليوم، وخصوصا في الشتات، لم يعد هو ذلك المهجوس بالأقنعة، ولا هو الفن الكلاسيكي الذي عرفناه، فالهوية القديمة باتت مهددة بهذا التزاوج بين القديم والحديث، أو ما يمكن اعتباره “جسرا بين الفنون التقليدية والحديثة”، دون أن يعني هذا أن الجيل الجديد قدم حتى الآن ما يمنح تجاربه هوية جديدة، ذلك أن بعض التجارب تبدو شديدة الالتباس على مستوى هويتها، وخصوصا على صعيد القضايا والهموم التي تعالجها، وكذلك على مستوى الأساليب التي يجري العمل بها، لكن المشهد الحديث يتطلب قراءة جديدة. فهو يوضح جماليات رؤية جديدة لأفريقيا، ولمشهد خال من الإيديولوجيات التي تكرس عادة، ومشهد يجسد عظمة وحماسة أفريقية الجمالية التي تمثل الطليعة الصالحة والتنشيط على صعيد النظام العالمي الجديد. وهناك محاولة لإيجاد حلول لهوية الاندماج في المجتمعات الجديدة، دون التفريط بالهوية المحلية عبر لوحات فنيه مرتجلة الصور تترنح بين الذاكرة والخيال، ورحلة اللغز، والرموز الخاصة، وخلق إشارات تصور الطبيعة والحياة والانسان، المستقاة من ثقافة الكاريبي المحلية، وأجواء أفريقيا وأميركا الحضرية، لمعالجة الوضع الإنساني الهش. تحولات في الهوية وفي هذا السياق نعود إلى ما يقوله الفنان والناقد عمران القيسي عن التحولات التي جرت في المشهد الفني الأفريقي، وخصوصا في مجال النحت، فهو يقول “شهدت فترة العقدين الأخيرين تدميراً خطيراً لطبيعة النحت الفطري الإفريقي، خصوصاً عندما بدأت بعض التجمعات تنحت لكي تبيع ما تنتجه إلى أفواج السياح الذين باتوا يتوغلون في قلب المنطقة الاستوائية. إن إنشاء متاحف للفن الأفريقي في عدد كبير من البلدان الأفريقية كجنوب أفريقيا والكاميرون وساحل العاج والحبشة، إنما يعني البدء بعميلة تصنيف الفن تصنيفاً زمنياً، ومن ثم مناطقياً، فعلى المستوى الزمني نجحت بعثات مختصة في جنوب إفريقيا بالذهاب إلى مناطق نائية، حصلت منها على منحوتات أو أجساد بشرية مصبرة (محنطة) ومجففة منذ قرن أو أكثر من الزمن، وكانت تلعب دور الحارس الروحي الأزلي لهذا التجمع أو ذاك، كما جمعت البعثة عدداً كبيراً من منحوتات طرد الأرواح الشريرة، وهي مصنوعة أو مركبة من أخشاب قاسية، وقد غرزت فيها مسامير وأوتاد كثيرة”. موضوعيا يمكن التوقف عند محاور أساسية في التجارب التي سنعرض لها، إذ يمكن لمن شاهد الأعمال المعروضة تقديم قراءة ولو أولية في الملامح البارزة فيها. نقرأ عددا من الأعمال الفنية في كل محور من المحاور، وفي المحور الأول نقف على مجموعة أعمال تركيبية لفنان يحاول التعبير عن رؤية سياسية واجتماعية نقدية ساخرة، باستخدام مواد مختلفة من الورق والخشب والمعدن للتعبير عن قضايا محددة مثل الحرية والمتاجرة بالأطفال والرحيل أو الهجرة في طريق طويل التي يقوم بها الأفارقة عادة نحو الحلم بـ”جنة” العالم الغربي، ليكتشفوا الخديعة المتمثلة في العنصرية و”ثمن الحرية” كما يعبر أحد الفنانين. وهو ما يمثل التجربة الأكثر “حداثة” من بين التجارب المشاركة في هذا المعرض. في محطة ثانية نقف مع تجربة مختلفة، تجربة الاشتغال على اليومي في علاقته مع الروحاني، عبر ثقافات ترحل وتتلاقى وتحاول أن تلغي الحدود، ومحاولة معرفة الذات، وما يمكن فعله في الشتات، والمواجهة مع الآخر، والخلافات وإمكانية التجاوز. هي تجربة يختلط فيها العمل التشكيلي القائم على اللوحة المعلقة إلى جانب المنحوتة المتشكلة من مواد مختلفة، بلاستيكية وترابية- طينية، لكنها تعبر عن جموع بشرية تبدو كالقطيع، في مجتمعات تلتقي فيها التناقضات بما يحيل إلى محو الهوية الفردية والجمعية والعرقية. ويأتي ذلك في سياق تشكيلي يتخذ أسلوبا يجمع بين الهاجس الراهن وبين التقليد الأفريقي وعناصره الأساسية المتمثلة في الوجوه الأفريقية، واستخدام أسلوب الرسم الطفولي في التعبير عن ذلك، وبما لا يبتعد عن ذلك الأسلوب السوريالي الذي لا يختلف كثيرا عن رسومات الأطفال. رموز وظلال للهوية وفي المحطة الثالثة نرصد تجربة لفنان من جامايكا مولود في بريطانيا، يرسم ملامح من هويته والتحديات التي تواجهه في مجتمع يبدو فيه غريبا من حيث النظرة إليه، باحثا عن جذوره وكل ما يمت إليه بصلات تراثية، عبر أعمال نحتية تستحضر الوجه الأفريقي بملامحه القاسية في تشوهاتها وعذاباتها التي تبلغ حد الشهادة كما يبدو في بعض الأعمال النحتية، وكذلك الأمر في لوحات فنية يستخدم فيها الفنان مواد مختلفة مستحضرا الوجه نفسه ضمن تشكيلات مختلفة من حيث التكوينات والخطوط والتلوين. وتبدو هنا محاولة جادة للحفاظ على رموز الهوية الوطنية، وخصوصا عبر الألوان والتكوينات التي باتت جزءا من الهوية الأفريقية. وفي التجربة الأخيرة يظل شبح الإنسان الأفريقي حاضرا بصورة ما، فهو حضور يطل بعيدا عن عن الشعارات والرموز المألوفة، بل إن ظلاله هي التي تطل من خلال الألوان والتكوينات التي تحيل إلى الأجواء والمناخات الأفريقية بصورة من الصور. ففي تجربة أحد الفنانين المشاركين في هذا المعرض، نجد ملامح مهمة تشير إلى الفن الأفريقي، تتمثل في كثافة السواد الذي يكلل اللوحة، وفي شخوص اللوحة المتشابكين في صورة تشير إلى المشهد المزدحم بالبشر البائسين، وفي الألوان التي سبقت الإشارة إليها، وفي القامات الطويلة التي تدوس أجساد البشر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©