الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزخارف الإسلامية للأثاث المصري.. «ماركة مسجلة» في الأسواق العالمية

الزخارف الإسلامية للأثاث المصري.. «ماركة مسجلة» في الأسواق العالمية
1 مارس 2014 00:48
د. أحمد الصاوي (القاهرة) - تعرض صالات المزادات العالمية بين الفينة والأخرى قطعاً من الأثاث الخشبي المصنوعة بمصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث تلقى هذه القطع إقبالاً كبيراً من هواة شراء العاديات خاصة من الأوروبيين. ويعود الافتتان بهذا النوع من المنتجات الخشبية إلى أنها تجمع في تصميمها وزخرفتها بين البيئة الأوروبية والطابع الزخرفي للفنون الإسلامية. فتلك القطع تماثل من جهة هيئتها الهيكلية، بل ومسمياتها قطع الأثاث الأوروبي الكلاسيكية، بينما تمت زخرفتها بالتقنيات والعناصر الزخرفية الإسلامية ذاتها. وتلك المزاوجة تعكس إلى حد كبير طبيعة التطور الحضاري الذي عرفته مصر في عهد الخديوي إسماعيل والخديوي عباس حلمي الثاني، فخلال سنوات حكم إسماعيل يممت مصر وجهها نحو فرنسا لتستعير منها نسخة كربونية مصغرة من بعض أحياء عاصمة النور. وجسَّد حي «الإسماعيلية» المعروف اليوم بوسط القاهرة هذا المسعى حتى أن الخديوي إسماعيل أسند أمر تصميم القاهرة الحديثة للمهندس الذي قام بتخطيط باريس الجديدة، وأدى إنشاء العمائر الحديثة وسكنى الأجانب بين المصريين إلى تقليد نمط الحياة الأوروبية، وأغرمت النخب المصرية الحديثة باقتناء الأثاث الأوروبي لغرف الاستقبال والطعام والنوم.وبعد هذه الموجة من الافتتان بنمط الاستهلاك الأوروبي جاء الخديوي عباس حلمي الثاني في السنوات الأخيرة من القرن 19م، ليدشن حقبة سياسية تقوم على تحقيق حلم النخب المصرية بالتخلص من سطوة الاحتلال البريطاني. صناعة وطنية وتبرهن قطع الأثاث الفخمة التي صنعتها ورش النجارة المصرية الكبيرة على أن هذا الاتجاه الجديد وجد متنفساً له في تشجيع الصناعة الوطنية، عوضاً عن استيراد الأثاث الخشبي من فرنسا وإيطاليا وتبنى صناع الأثاث أنماط الأثاث الأوروبي المستحدثة، ولكنهم استخدموا أساليبهم التقليدية في تنفيذها أولاً بأسلوب التعشيق، ثم في زخرفتها باستخدام التطعيم سواء بأخشاب ثمينة مثل الأبنوس أو باستخدام العاج والصدف في محاكاة رشيدة لأسلوب وعناصر الزخارف الإسلامية. وقد وجدت هذه القطع طريقها في النصف الأخير من القرن العشرين إلى صالات المزادات الأوروبية الشهيرة، حيث استقبلها روادها بحفاوة كمنتج هجين يجمع بين البنية الوظيفية الأوروبية والمكونات الزخرفية الإسلامية. المشربيات ومن القطع الثمينة التي عرضت للبيع في السنوات القليلة الماضية أريكة أو مخدع على النمط الأوروبي من ناحية التصميم، ولكن الفنان أضاف له مسنداً إسلامياً خالصاً من خشب الخرط المعروف بالمشربيات وأعطى قوائمه طابعاً شرقياً خالصاً، مزاوجاً بين أشكال العقود والخشب الخرط وزاد على ذلك تطعيم الخشب بقطع من الأبنوس على طريقة الفنانين المسلمين في العصور الوسطى، وأدى ذلك لمنح الأريكة قيمة مادية أكبر، ناهيك عن التباين اللوني بين الخشب الطبيعي واللون الأسود لخشب الأبنوس الثمين، الذي يمنح شعوراً بالرقي والفخامة. ومن نفس تلك الفترة في بداية القرن العشرين عرضت أيضاً للبيع أريكة كبيرة ثلاثية المقاعد، وهي تشبه من جهة البنية الوظيفية قطع صالونات الاستقبال الأوروبية، ولكن مصممها استوحى نمط الأرائك المملوكية والعثمانية بروح حديثة، وذلك من جهة استخدام قطع من المشربيات واستخدام ثلاث مواد لتطعيم الخشب بالزخارف الإسلامية الهندسية، وهي الأبنوس الأسود والعاج والصدف. ويعتبر استخدام أسلوب التنجيد عوضاً عن الوسائد المتنقلة إضافة أوروبية خالصة لتلك الأريكة الثمينة. أنماط أوروبية ونجد أيضاً عدداً من الدواليب الحائطية سواء تلك التي تزين مناطق الاستقبال أو تستخدم بغرف الإقامة، وقد استخدمت في صناعتها ذات الأنماط الأوروبية الكلاسيكية، ولكن بعد صبغها بروح شرقية خالصة في مظهرها الزخرفي. ومن أمثلة ذلك دولاب صغير به رفان أحدهما مغلق لحفظ الأشياء الدقيقة، وقد استخدم الفنان في زخرفته حشوات من خشب الخرط أو المشربيات وأسلوب التطعيم بالأبنوس والصدف والعاج أيضاً، لتنفيذ زخارف هندسية قوامها الأشكال النجمية التي كانت سائدة في زخرفة أخشاب العصر المملوكي. وفي دولاب آخر له أرفف مفتوحة لجأ الفنَّان لما هو أبعد من الزخرفة لمنحه روحا إسلامية فريدة إذ استخدم هيئات العقود من نوع حدوة الحصان، وكذلك التطعيم بالعاج والصدف والأبنوس لتنفيذ الزخارف النجمية فضلاً عن كتابة في حشوتين بإحداهما الاقتباس القرآني «وما بكم من نعمة فمن الله»، بينما كتب في الحشوة الأخرى في «نوفمبار» بدلاً من «نوفمبر» سنة 1884 وربما كان التاريخ لمناسبة خاصة بمن صنعت من أجلهم تلك القطعة الفنية، إذ يعود تاريخ صنعها فعليا للنصف الأول من القرن العشرين. ومن قطع الأثاث الأوروبي التي اكتست بثوب قشيب من الزخارف الإسلامية منضدة ملابس صنعت من خشب جيد، وقد أكسبها الفنان هيئة فريدة عبر تشكيل بداية قوائمها على هيئة مقرنصات، ثم بتطعيم كافة أوجهها بزخرفة سابغة من الزخارف الهندسية الإسلامية التي نفذها بأسلوب التطعيم مستخدماً الأبنوس الأسود والعاج والصدف حتى باتت المنضدة، كما لو كانت تحفة فنية للزينة وليس للاستخدام اليومي. مرايا الإطارات الخشبية لما كانت قاعات الاستقبال تعطي انطباعاً خاصاً لزوَّار كل منزل فقد كان الحرص شديداً في تلك الفترة على استخدام المرايا، ولكن بعد وضعها في إطارات خشبية رائعة الزخارف ولمراعاة قواعد التناظر كانت هذه المرايا تصنع في أزواج توأمية متماثلة مثلما نرى في زوج من المرايا الصغيرة، وهي ذات إطارات مزخرفة بدقة بخليط من زخارف المعينات والمثلثات والأشكال النجمية المألوفة في الفنون الإسلامية، وقد وزعت تلك العناصر وفقاً لقواعد التكرار المتماثل علماً بأنها نفذت أيضاً بأسلوب التطعيم وبكل من الأبنوس والعاج والصدف. ومن أروع القطع الخشبية التي عرضت للبيع منضدة لها قرص مطعم بالصدف وهو حاشد بالزخارف الهندسية الإسلامية، ويمكن فتح هذا القرص لنجد بباطنه رقعة مغطاة بالقطيفة الخضراء، وذلك بغرض استخدامها كمنضدة للعب الورق ومن المألوف في النجارة الإسلامية أن نجد هذا الميل للاستخدام المتعدد للأداة الخشبية الواحدة. وتتجلى روح الفن الإسلامي في تلك الطرفة الفنية في الزخارف النباتية التي نفذت بأسلوب الحفر في أعلى قوائم المنضدة، ثم في استخدام المشربيات بجهاتها الأربع وقد استخدم الفنان الأبنوس والعاج في زخرفة هذه المنضدة الصغيرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©