الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله رضوان: نعيش خراب الأحلام

عبدالله رضوان: نعيش خراب الأحلام
23 فبراير 2011 19:42
عبدالله رضوان شاعر أردني بامتياز يقتحم المناطق الصعبة محلقا بلا قيود ليرش بلسمه على الوتر المجروح ويدفع باتجاه التفكير وتحديد موقف “مع او ضد” دون ان يفرش سجادة حمراء بل يحرض على إزالة الأشواك لنمارس حلمنا.. ففي قصائده شيء من البشارة والوجع. صدر له ما يقارب 13 ديوان شعر وكتابا نقديا آخرها كان “غراب أزرق” غير الموجود في منطقتنا وحاصل على وشام الفارس الفرنسي ويستعد حاليا لإصدار “كتاب القدس” وهو عبارة عن قصيدة درامية موضوعها القدس الشريف منذ بيت الأرباب الكنعاني القديم وحتى الراهن ومسرحية شعرية “أجراس ميري” تدور حول قصة حب بين شاب مسلم وشابة مسيحية. في حديثه عذوبة وصراحة وجرأة وخبرته تؤهله للبوح بما يرضي نهم وجشع الصحافة، فيؤكد أن الشعر تعبير جمالي وخلاص للروح وان المقاومة لا تقتصر على مقاومة المحتل بل موقف حياتي متجدد فكل رفض للسائد والمهيمن مقاومة. وفيما يلي تفاصيل الحوار: ? يرى البعض ان الشعر في زمن القنابل مجرد ثرثرة.. ما رأيك؟ ? أعطني زمنا واحدا في وطننا العربي منذ مطلع القرن الماضي لم يكن زمن قنابل، لقد ولدنا وعشنا واقتربنا من النهاية والزمن السائد هو الحرب والقنابل والدمار ومن سيء الى اسوأ فهل يعني هذا ان نتوقف عن كتابة الشعر؟ ثم أليست أجمل القصائد تاريخيا عالميا وعربيا انما كتبت خلال الحرب أو عن الحرب؟ الأوذيسة والالياذة ومعلقة عنترة وزهير ومغامرات المتنبي الحياتية والشعرية وأشعار محمود درويش ونيرودا وإيلوار وأبو القاسم الشابي وغيرهم، ألم تكتب قصائدهم في زمن الحرب؟ الشعر تعبير جمالي باللغة عن الحياة وتجربة وموقف الشاعر منها وفيها... الشعر لعب محترف باللغة... الشعر هجس الروح وخلاصها... الشعر ضرورة لازبة للحياة ولذا فطالما هناك حياة مهما تموضع زمنها حربا ام سلما ام استسلاما سيظل الشعر قائما. ? القصيدة المقاومة الى أين؟ ? كل كتابة شعرية منحازة الى الحياة (والشعر الحقيقي منحاز الى الحياة دائما) هي كتابة مقاومة لأن الإبداع عموما والشعر منه خصوصا هو فعل مقاوم بالضرورة وجوهره العميق هو جوهر متمرد ضد السائد والمقاومة لا تقتصر على تمجيد مقاومة المحتل فقط ـ على قداسة وأهمية هذا الفعل ـ المقاومة موقف حياتي متجدد، فكل رفض لما هو سائد ومهيمن هو مقاومة، وكل انحياز الى الحياة هو مقاومة وكل قصيدة غزل هي مقاومة، وقصيدة الوردة اذا اكتملت شروطها الفنية هي قصيدة مقاومة، باختصار كل شعر جميل مستوف شروطه هو شعر مقاوم تتعدد الأشكال والصيغ لكن الشعر باعتباره شعرا سيظل مقاوما دائما. أكاذيب ? يقال إن شعر الفخر أكاذيب بماذا تعلق؟ ? لقد عالج عدد من النقاد العرب التقليديين هذه المسألة فتجدها في كتابات الجاحظ وابن رشيق وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم فالكذب موقف أخلاقي لا علاقة له بجماليات الشعر وخصوصيته العميقة، أراد المتنبي ان يمدح سيف الدولة فمدح نفسه أكثر وأعطانا أبياتا وقصائد هي الاجمل في التجربة الشعرية العربية الكلاسيكية جوهر الشعر هو الخيال وليس الكذب، وأعظم الشعر ما بني بالصورة الشعرية عبر انزياحات اللغة باستخدام المجاز/ الاستعارة/ التشبيه الشعر صورة لفظية يبنيها لاعب محترف باللغة هو الشاعر عبر الخيال والمخيلة لا أكاذيب في الشعر ابدا، الكذب مفهوم أخلاقي غير شعري ولا علاقة له بالفن الكذب حكم أخلاقي قيمي يومي ومباشر فيما الشعر صورة فنية لفظية خيالية لا علاقة لها بالكذب ولا بالصدق كمفاهيم أخلاقية معيارية هناك شعر جميل وشعر غير جميل مهما كان موضوع الشعر، إذ لا علاقة مطلقا بين تحقق الشعرية وبين الموضوع مهما كانت طبيعة هذا الموضوع. ? ديوانك الاخير “غراب أزرق” والغراب طائر شؤم فما الدلالة؟ ? كل ما هو شؤم لطرف هو خير عميم للطرف الآخر أليس كذلك؟ فالمسألة نسبية اذن ثم ان الشؤم ونقيضه معياران أخلاقيان في الحكم وهو ما يعيدنا مرة اخرى الى مفهوم الأخلاق وهذا ما ليس له علاقة بالشعر مطلقا، اسم ديواني هو “غراب أزرق” وهو أندر أنواع الطيور، هذا ان وجد أصلا، ولم يرد في التراث الانساني الا عند الهنود الحمر وبمعنى ايجابي تماما يفيد الخير والتميز معا. من يقرأ الديوان يجد إشارات المعنى واضحة تماما وبشكل شبه مكشوف، لكن من الذي يقرأ هذه الايام؟ هناك استخدام لدوال رمزية وبالتأكيد ليست سلبية بل على العكس تماما لكنني لن أكشف سري واذا لم تستطع القصيدة تقديم خطابها واذا لم يستطع القارئ التقاط دوالها وفهمها ولو في اطارها العريض فلا خير في العمل والسكوت عن الحديث عنه أفضل لي وللنص معا. تلقي ? القارئ خلاّق آخر فماذا تقول؟ ? تمثل نظرية التلقي واحدة من النظريات الأدبية المهمة التي تلعب دورا في إعطاء وإبراز دور المتلقي فيفهم ووعي واستقبال النص الادبي وهذا أمر طبيعي لأن كل كتابة والشعر من بينها هي مرسلة موجهة الى آخر، بالتالي فان اكتمال الشرط بين مرسل ورسالة ومستقبل يتطلب وجود الاخر المتلقي بالضرورة، فالقصيدة ومهما كانت جماليتها لن تكتمل رسالتها الا بوجود المتلقي وهنا تبرز المفارقة، فالتلقي يتطلب وعيا موازيا بل وربما وعيا أكبر من وعي المبدع نفسه.. هنا الطامة الكبرى في مستوى تلقي القصيدة العربية الحديثه. فالشعر العربي تطور والموسيقى الشعرية خلقت آفاقا جديدة والصور الشعرية صارت أكثر عمقا والإحالات المعرفية والدلالية في القصيدة لم تعد مباشرة وواضحة، ومقابل ذلك فان الأذن الشعرية العربية السائدة والأوزان الشعرية التي تعلم في المدارس والجامعات، والنماذج الشعرية التي يتم اختيارها كلها مبنية على الأذن الموسيقية التقليدية. بالتالي فان أزمة حقيقية قائمة بين القصيدة الحديثة وبين المتلقي والمسألة أساسا تكمن في التربية الجمالية العربية السائدة، إنها تربية تقليدية بامتياز وهذا يشمل مجمل أشكال التربية السائدة، فقبلية النظام العربي شاملة تطال كل شيء من السياسة الى التعليم الى الاقتصاد الى التربية الجمالية. لذا فان قطيعة كبرى تبدو هي السائدة بين القصيدة العربية الحديثة وبين مستقبلها، إلا في حالات خاصة جدا تمثلها الانتلجنسيا العربية التي تجاوزت في وعيها السائد القبلي وهي نسبة قليلة جدا بين دهماء/ قطيع التقليد السائد. أسماء ? من وجهة نظرك إلى أين تسي القصيدة العربية؟ ? لست أميل الى التعميم فكل تعميم وبقدر ما يحمل من صدق فانه يحمل مقابله قدرا من عدم الدقة، ومع ذلك يمكن القول بثقة ان ما قدمه الشعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين هو منجز يستحق الاحترام كما وكيفا، ولعل في الإطلالة على موسوعة الشعر العربي التي قدمتها مؤسسة البابطين الكويتية ما يؤكد ذلك لكن الشعر يرتبط جذريا بالمتغيرات والحركة بل والثورات الكبرى والاحلام الكبيرة، فالشعر وبقدر ذاتيته العميقة فانه مرتبط جذريا بالعام السائد. وقد شهدت السنوات العشرون الأخيرة ضياع الأحلام وعمّ الخراب البيت العربي كله.. الخراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالتالي خراب الأحلام والرؤى القومية والوطنية معا لتعود القبيلة بسلوكاتها ووعيها السلبي فتصبح هي المسيطرة ويضيع ما بنته النهضة والرواد الأوائل، فكيف والحال العام كذلك يمكن للقصيدة ان تكون؟ ومع ذلك فقد شهدت القصيدة العربية في مطلع الألفية وعبر عقدها الأول منجزات وخسارات معا دواوين محمود درويش الأخيرة ومنجز أدونيس الشعري تعمق تجارب عدد محترم من الشعراء الاردنيين، ومحمد علي شمس الدين في لبنان وولادة تجربتي أحمد البخيت في مصر والبرغوثي الابن في فلسطين ونضال برقان في الاردن وغيرهم. لكننا أيضا خسرنا المبدع العربي العالمي الكبير محمود درويش والمبدع السوري العربي محمد الماغوط، وهما خسارتان كبيرتان للقصيدة العربية لن يسهل تعويضهما. باختصار يمكن القول بثقة ان الخراب العربي الكبير السائد، والعودة غير المظفرة الى مجتمع القبيلة العربي سيعم وسيسطر على كل شيء بما في ذلك القصيدة التي بدأت تهرب الى الداخل وتتقوقع على ذاتها مؤذنة بالخراب الكبير القادم ومنه ستولد الحياة من جديد وستولد القصيدة كذلك. ? البعض يرى أن القصيدة النثرية شاخت؟ ? وهل استوت ناضجة حتى تشيخ؟ كيف يمكن لكائن حي ما يزال يتشكل وينمو ان يشيخ قبل ان يستوي على سوقه؟ لقد خسرت قصيدة النثر العربية كثيرا بموت عميدها محمد الماغوط، لكن عطاء متميزا لكل من عباس بيضون وادونيس وقاسم حداد واسماء أخرى ما يزال قائما، ربما تكون قصيدة النثر بحاجة الى ولادة طاقة او طاقات جديدة، لكن متغيرات الحياة وتسارع ايقاعها يمثل دعما حقيقيا لها ولمستقبلها، ولذا فمن الظلم اتهامها بالشيخوخة، انها ما تزال تتكون وتنمو وتتاصل، ولدينا في الاردن عدد من التجارب الجادة في هذا المجال، واكتفي هنا بالاشارة الى اربع تجارب اردنية هي زليخة ابو ريشة وعمر ابو الهيجا وموسى حوامده واسلام سمحان. ? نعيش عصر الانترنت والمواقع الاجتماعية فما اثرها على الشعر؟ ? يمكن رصد عدد من القضايا في هذا المجال منها السلبي ومنها الايجابي ومن ذلك سهولة النشر والتوزيع وسرعة التفاعل ـ سلبا او ايجابا ـ بشكل غير مسبوق عبر التاريخ. يقابل ذلك استسهال الكتابة الشعرية وسهولة الادعاء ثم سرعة تصديق الذات وسرعة تضخمها وتعاملها مع الاخرين باعتبارها شاعرة. وهناك أيضا اختلاط الأوراق وتداخلها بين الشعر الحقيقي والكلام الذي يدعي الشعر بالتالي اختلاط الذائقة الجمالية لدى الجيل الجديد بخاصة وتشوشها. بوح الخزامى * أفق من غبوق الضحى ومباهج أحلامه رجع برنة أنغامها فرح العابرين إلى مسجد طاعن في الحنين إلى أرض الأرض أو مسجد ذاهب في المقدس حد الحلول فلمن أنتمي للمقدس فيك لأقواسك الدافئات لنكهة ليلك صحوة صبحك شرفات حلمك أضوائك الدامعات لـ”صخرتك” تزدهي بالبهاء لـ”أقصاك” لأجراس هذي القيامة فيك لـ”أيل” العظيم فالقدس فينا مقاما * مقطع من قصيدة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©