الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا والمجر.. الغواية النووية

20 فبراير 2015 22:29
يرى كثيرون في الغرب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل قوي، وينتقده آخرون أيضاً. ولكن هنا في المجر، يستوجب الرئيس الروسي الشكر على ما يستمتع به المجريون من كهرباء. فنحو 80 في المئة من الغاز الطبيعي الذي تستخدمه البلاد مصدره روسيا. والأهم من هذا أن الكرملين قدم إلى بودابست صفقة مغرية ستجعل هذه البلاد الاستراتيجية أكثر اعتماداً على موسكو. والعرض يتمثل في محطة للطاقة النووية تمولها وتبنيها وتتمتع بنصيب الأسد في مشروعها الشركات الحكومية الروسية. ويؤكد المجريون أن الصفقة مجرد نشاط اقتصادي غير ذي دلالة سياسية، ولكن في ظل التجاذب الراهن بين روسيا والغرب، من الصعب الفصل بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي في هذا النوع من المشروعات. وهنالك شركتان روسيتان معنيتان بالصفقة النووية وتربطهما علاقات وثيقة بالمقربين من الكرملين الذين فرضت عليهم حكومات غربية العام الماضي عقوبات بسبب أزمة أوكرانيا. وتعول المجر على هذه المحطة النووية الجديدة لتوليد ثلث احتياجاتها من الكهرباء بحلول 2025. وقال وزير الخارجية المجري «بيتر تسيارتو» إنه لا يمكنهم «في هذا الجزء من العالم إلا يكون لهم تعاون براجماتي مع روسيا». وقد تضرر الاقتصاد الروسي من العقوبات الغربية وهبوط أسعار النفط والغاز، فيما تختبر قدرة موسكو على صياغة مجال أوسع للنفوذ الاقتصادي. وتتجه روسيا فيما يبدو إلى ساحة صراع جديدة مع الغرب عبر حشد حلفاء في مناطق استراتيجية من أوروبا. وقد غازلت روسيا في الأسابيع القليلة الماضية الحكومة اليونانية الجديدة ملوّحة باحتمال تقديم مساعدات لها إذا وصل اليونانيون الموشكون على الإفلاس إلى طريق مسدود في مفاوضاتهم مع مقرضيهم الغربيين. وتقدم روسيا لقبرص أيضاً، وهي عضو آخر متعثر مالياً في الاتحاد الأوروبي، صفقة تعاون اقتصادي جديدة من المقرر التوقيع عليها لاحقاً هذا الشهر. ولكن الصفقة الأكبر هي هذه المطروحة الآن مع المجر. ففي هذه الدولة التي كانت تابعة لمعسكر الاتحاد السوفييتي السابق، والتي أصبحت عضواً في الاتحاد الأوروبي، يقدم الروس استثمارات بمليارات الدولارات للفوز بولائها وتحقيق نفوذ فيها. وبدرجة ما يبدو أن الروس يحققون نجاحاً ملموساً لأن المجريين يقدمون للروس مجموعة من المزايا السياسية والدبلوماسية في المقابل، ولكنهم يسعون جاهدين أيضاً للحصول على أسعار تفضيلية فيما يتعلق بالغاز الطبيعي الروسي بشكل خاص. ويرى دبلوماسي غربي ضليع في شؤون السياسة المجرية أن «الروس يتطلعون لطريقة يفتّتون بها وحدة أوروبا، وهم يستهدفون الدول الأضعف، والمجر وبلغاريا تحتاجان إلى الطاقة، واليونان تحتاج إلى المال». والمجر تلائم تماماً المساعي الروسية لأنها تقع وسط مفترق الطرق بين الشرق والغرب، ورئيس وزرائها «فيكتور أوربان» زعيم سياسي ملائم أيضاً. فبعد أن كان «أوربان» معارضاً في الثمانينيات، ودعا إلى انسحاب القوات الروسية، وكان حتى العقد الأول من القرن العشرين يدعو إلى توخي الحذر تجاه روسيا، تبدلت مواقفه تدريجياً، وأصبح تغيرها على أوضح ما يكون في العام الماضي. ففي يوليو الماضي، وفي غمرة أزمة أوكرانيا، اعتبر «أوربان» أن روسيا تمثل نموذجاً يحتذى لما وصفه بخططه لإقامة «ديمقراطية غير ليبرالية» في المجر. ويزعم منتقدو «أوربان» حالياً، وهو في فترة ولايته الثالثة، بأنه يمثل نموذج حكم يضيق على حريات الصحافة ويتدخل في القضاء ويتحرش بالمنتقدين. وقد كافحت المجر كي تجد وسيلة تجدد وتوسع بها محطتها العتيقة للطاقة النووية في منطقة «باكس» بشرق البلاد وهي تعود إلى الحقبة السوفييتية وما زالت تنتج نحو ثلث حاجة المجر من الكهرباء. والمحطة فيها أربعة مفاعلات من المقرر أن ينتهي العمر الافتراضي لآخرها في عام 2037 مما يترك المجر أمام فجوة في الطاقة يأمل البعض في سدها بالموارد المتجددة مثل الطاقة الشمسية والوقود الحيوي. ولكن هذا البلد المتضرر بشدة من الأزمة المالية العالمية، يجد صعوبة في تمويل توليد طاقة جديدة بصرف النظر عن نوعيتها. وهنا تقدم روسيا الحل لأن شركاتها المملوكة للدولة ستقدم 80 في المئة من تمويل المحطة النووية الجديدة إذا وافقت المجر على الشروط. ومن هذه الشروط أن تحتكر روسيا تقديم قضبان الوقود للمفاعلات الجديدة لعقدين على الأقل، وأكوام الوثائق المتعلقة بالصفقة لن تعرض على الجمهور من خلال بنود في القانون المجري الجديد. ويرى منتقدون أنه بينما يسعى الغرب لعزل موسكو، تقدم لها الحكومة المجرية موطئ قدم مهماً. ولكن بودابست تؤكد رسمياً أنها تريد فقط إعادة شحن احتياطيها من الطاقة، لا أكثر، وهذا يصبّ في مصلحتها الخاصة. أنتوني فايولا كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©