الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سريلانكا... صراعات ما بعد اندحار «النمور»

سريلانكا... صراعات ما بعد اندحار «النمور»
30 مايو 2009 00:03
عندما تعرض، «نيديسابلي فيتياتاران»، رئيس تحرير إحدى الجرائد الناطقة باللغة التاميلية في سريلانكا للخطف على يد ستة رجال صباح أحد الأيام وهو يشارك في جنازة توقع أصدقاؤه الأسوأ، فسارعوا إلى الاتصال بالشرطة وطالبوها بالقبض على الخاطفين وإعادة صديقهم سالماً، لا سيما أن ثلاثة من الرجال الذين خطفوا الصحفي كانوا يرتدون الزي الرسمي للشرطة. وفيما قالت الشرطة السريلانكية إن الحادثة تتعلق بجريمة اختطاف عادية انقلبت الرواية بعد ساعات قليلة رأساً على عقب عندما تأكد أن «فيتياتاران» تعتقله الشرطة للاشتباه في علاقته مع متمردي «نمور التاميل»، لكن بعد مرور شهرين على الحادثة أُطلق سراح الصحفي دون أن تُوجه إليه أية تهمة، وهو ما أثار استغراب المراقبين في بلد يعتبر هو الأكثر خطورة بالنسبة لظروف عمل الصحفيين. والحقيقة أن قصة «فيتياتاران» تتجاوز المصاعب التي تواجهها حرية الصحافة خلال الحروب لتسلط الضوء على عالم ميلشيات التاميل الذي يسوده الغموض والتنافس المحتدم بين السياسيين الذين يتسابقون على النفوذ والسلطة بعد هزيمة «جبهة تحرير إيلام» المعروفة باسم «نمور التاميل»، فحسب «فيتياتاران»، يندرج اختطافه في إطار الصراع بين عناصر التاميل، مُلقياً بالمسؤولية على أحد السياسيين من ذوي النفوذ الكبير، الذي تدعمه الحكومة في العاصمة كولومبو، وتهيئه لتولي منصب قيادي في المنطقة الشمالية بعد اندحار المسلحين. وفي الوقت الذي يعتقد فيه نشطاء التاميل أن انتهاء حرب التحرير التي قادها المسلحون واستمرت طيلة 26 سنة سيفسح المجال أمام القوى المعتدلة لتولي زمام الأمور في المناطق الانفصالية، أدى الوضع الجديد إلى اندلاع صراع سياسي في مناطق التاميل -مثل شبه جزيرة «جفنا»- وفي أوساط المهجرين، على نحو يهدد بزعزعة الاستقرار وتقويض النصر، لا سيما في ظل وجود ميلشيات تابعة للسياسيين وموالية للقوات الحكومية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع. وفي هذا الإطار يتساءل أحد نشطاء التاميل الذي رفض الإفصاح عن هويته: «لقد تعودنا طيلة الفترة السابقة أن يمثل نمور التاميل المناطق الانفصالية ويتحدثوا باسمنا، لكن من سيتولى هذه المهمة اليوم بعد هزيمتهم؟». ويبدو أن شعب التاميل وإن كان قد تعب من تصلب «جبهة تحرير إيلام» ومقاومتها الطويلة للأغلبية السنهالية في سريلانكا، ما زال الكثير من أبنائه يشعرون بـ «الفخر» تجاه المسلحين الذين وقفوا ضد القوات الحكومية لفترة طويلة وإن كان من الصعب قياس مدى شعبية «نمور التاميل» بسبب الخوف من الملاحقة والاتهام بمساندة المتمردين. وعلى رغم انتصارها على المتمردين، أعلنت الحكومة السريلانكية يوم الأربعاء الماضي أنها ستسمر في فرض حالة الطوارئ التي تشمل توسيع صلاحيات الشرطة مثل تفتيش البيوت واحتجاز المشتبه فيهم 18 شهراً بدون محاكمة، مبررة ذلك بمنع عودة المتمردين، وللحيلولة دون حشد قواهم مجدداً. كما أعلن المسؤولون السريلانكيون أنهم سيطلقون سراح بعض المعتقلين التاميل الذين يقدر عددهم بحوالي تسعة آلاف شخص بعد إعادة تأهيلهم. وإلى حد الآن حرص المثقفون التاميل على إقامة توازن دقيق بين حكومة حرب لا تسمح بالمعارضة وبين متمردين لا يقلون عنها بطشاً واضطهاداً للمعارضين، وقد جاء اختطاف «فيتياتاران» ليثير مخاوف الصحف الناطقة بالتاميلية ويفرض على صحفييها رقابة ذاتية مخافة اتهامهم بمساندة المتمردين. لكن على رغم ذلك، يواصل «فيتياتاران» تحرير صحيفتين في كولومبو و«جفنا»، ويصر على تبني الأفكار القومية لـ «نمور التاميل»، مرجعاً حادثة الاختطاف التي تعرض لها إلى مجموعة مسلحة مناوئة لـ «النمور» يقودها «دوجلاس ديفانندا»، المتمرد السابق والوزير الحالي في الحكومة السريلانكية الذي سبق أن وجهت له تهم بانتهاك حقوق الإنسان في منطقة «جفنا» بما في ذلك اختفاء بعض المشتبه في انتمائهم إلى «النمور». وفي تصريح لقائد الشرطة السريلانكية، تم التحفظ على «فيتياتاران» في 26 من شهر فبراير الماضي بعدما ألقى به مختطفوه على قارعة الطريق بأحد الأحياء في العاصمة كولومبو، وفيما تواصل الشرطة البحث عن المختطفين تقوم في الوقت نفسه بإجراء تحقيق مع الصحفي للتأكد من طبيعة علاقاته بالمتمردين. ويسعى الوزير «ديفانندا» المتهم بعملية الاختطاف إلى تولي منصب قيادي في المنطقة الانفصالية التي كان يسيطر عليها «نمور التاميل»، ويعتقد «فيتياتاران» في هذا السياق أن الوزير منزعج من التغطية الإعلامية للجريدة التي يشرف عليها، ويريد إخراس الأصوات المعارضة له حتى يخلو له الجو ويتمكن من السيطرة على الشمال، مؤكداً: «لا أعتقد أن الوزير يتمتع بشعبية كبيرة بين سكان الشمال من التاميل». ومن جهة أخرى، يحذر المعارض المنحدر من أقلية التاميل «فيراسينجام أنادنساجري» من تزوير الانتخابات التي ستُجرى في المناطق الشمالية لتحديد القوى السياسية القادمة بعد اندحار «نمور التاميل»، مؤكداً أنه لو تمت الانتخابات على ما يرام دون تزوير فسيكتسح مناطق التاميل ويحقق فوزاً كبيراً على حد قوله. وعلى غرار باقي السياسيين التاميل في كولومبو يخضع «أنادنساجري» لحراسة مشددة على مدار الساعة من قبل القوات السريلانكية خوفاً من استهدافه من قبل عناصر «نمور التاميل» التي دأبت على اغتيال المتعاونين مع الحكومة، وهو ما أعاق جهودها في نزع سلاح باقي الميلشيات في المناطق الشرقية. سيمون مونتلايك - سريلانكا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©