الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الخراريف» رحلة في «الماضي الإماراتي»

«الخراريف» رحلة في «الماضي الإماراتي»
20 فبراير 2015 23:01
رضاب نهار (أبوظبي) على أرض مهرجان قصر الحصن، تواجه أنماطاً متعددة من السرد، الذي يحمل مستمعيه أو حتى مشاهديه إلى عوالم مختلفة من الأحداث والخبايا والشخصيات الواقعية والخرافية، من خلال مجموعة من القصص والحكايات التي تتنوع بأفكارها وحبكاتها، إلا أن الموضوع البطل في هذا كله هو «الماضي الإماراتي» وما يحمله من تجارب، تشويق، حكم بالغة التأثير. أحد مستويات السرد على أرض الموقع، يمثّله الروي الشفاهي والذي يطلق على واحد من أشكاله، ضمن اللغة الإماراتية المحلية اسم «الخراريف»، والخروفة وبغض النظر عن مرجعيتها التاريخية، هي قصة تضمّ كافة العناصر السردية، الحدث فيها له منطق يؤطره الزمان والمكان بفضاءاتهما الخاصة، وتقوم الخروفة وإلى جانب السرد الخبري، على الحوار بين الشخصيات الموجودة، وتقدّم في نهايتها رسالة أو حكمة أو خلاصة أخيرة تفتح المجال أمام الذين تأثروا بها للاستفادة منها. هنا، يؤكد الممثل الإماراتي حسن بلهون، أحد الذين يقصّون على المسامع الروايات الشفاهية، أن ما يسرده من قصص تعود بالإنسان المعاصر إلى الماضي القديم، تجذب الكبار والصغار ومن جميع الجنسيات دون استثناء، فحتى الأجانب تراهم يصغون إلى الروي محاولين أن يفهموا القصة من تعابير الوجوه وحركات الأيدي. مؤكداً أن سبب هذا الجذب، يعود إلى الحنين حول ما تقدمه الحكاية من مفاهيم مقتطعة من زمن جميل، بينما يحاول الشباب من خلالها استكشاف مشاهد وأحداث لم يعيشوها من قبل. ويضيف بلهون أن الحكاية الشفاهية «الخروفة» هي قصة تصويرية يقولها راوٍ لديه قدرة على تمثيل الأحداث درامياً واستحضارها إلى الآن وهنا، لخلق طقس تفاعلي يأتي بالمستمع إلى بيئة وزمان الفعل الحاصل، ويجعله يتواصل مع الراوي بالرد وبالتمثيل وبتفاصيل أخرى كثيرة. كذلك يبيّن الشاب يحيى عبد الله، وهو من الرواة، أن الحكاية التي يقدمونها للمتلقي، تتسم ببساطتها في طرح الفكرة. فالابتعاد عن التعقيد حاجة ضرورية في مثل هذا الطقس الثقافي الجمعي، لذا هم يعتمدون على حبكة واحدة في معظم الأحوال، ويتحاشون الوقوع في متاهة الحبكات المتداخلة والتي قد تبعد المستمع عن الفكرة الأساسية. وفي جلسات الروي هناك، في ساحات المهرجان، كانت الحكايات موجهة للصغار وللكبار، الجميع يصغون مترقبين وصول الحدث إلى نهايته. ويستطيع من ينظر في الوجوه أن يرى الملامح تتبدل وفقاً للحالة، حيث تسيطر اللهفة عليها لحظة الذروة، وتتصاعد الأنفاس ثم ترتاح ما أن نقف على عتبات الحلول. ولأن المضمون هو من الموروث الإماراتي، ثمة شخصيات متخيلة ترافق فعل القصّ، وهي ترتدي أزياءها التراثية التقليدية وسط أماكن وشوارع يجسدها فضاء المهرجان ببيئاته الأربع. وتشير حكايا الراوي في جلسات الروي الشفاهية، إلى الطبيعة الجغرافية والاجتماعية للفضاء المكاني والزماني المحتضن للحدث الدرامي، وبالتالي نكتشف بعضاً من الملامح الثقافية لهذه البيئات، والأركان الأخلاقية القائمة عليها. حيث إن غالباً ما يكون للرواية أبعاد تربوية وتوعوية تفيد في نشر التعاليم ذات المضمون الأخلاقي بين جميع الشرائح والفئات. مستوى آخر من مستويات السرد، تجسده الجلسات الغنائية في بعض الأمكنة داخل بيئات المهرجان، تماماً كما يحدث في جلسة أهل البحر ضمن البيئة البحرية. حيث يجتمع الرجال من البحارة ويقصّون الحكايا والروايات من خلال الأغاني باللهجة المحلية، والتي قد يصعب لغير الإماراتي أن يفهم أبعادها ومقصدها نظراً لخصوصية المفردات بعض الشيء. لكن وعند محاولتك أن تفك رموزها، ستغوص في العمق الثقافي الكامن وراء أبسط التفاصيل المعيشية وأكثرها تعقيداً. وستكتشف أن مثل هؤلاء كانوا قادرين أن يكتشفوا الآخر على بعد آلاف المسافات من الماء واليابسة، وأن يتواصلوا ويتفاعلوا معه عن قرب، الشيء الذي لم يكن أبداً بسهولة الواقع المعيش اليوم. أما القصص المروية عن البحر، فللغموض والتشويق حيز كبير من مساحاتها الدرامية. تبعاً لطبيعة علاقتهم القديمة معه، حين كان الخطر رفيقهم الخاص في كل مرة كانوا يذهبون فيها ضمن جولة بحرية تبعاً لأسباب وظروف مختلفة، أحدها السعي وراء كسب الرزق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©