السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رواد الظاهرة يقرأون تداعياتها عن بعد

رواد الظاهرة يقرأون تداعياتها عن بعد
24 ابريل 2008 02:22
هل لا تزال تسمية ''شعراء الجنوب'' سارية على شعرائها؟! هذا ما قد نتساؤله اليوم بعد مضي ما يقارب الثلاثة عقود على ولادتها وولادة هذه المجموعة، وإذا سألنا أولئك الشعراء، نرى أن أجوبتهم على اختلاف مزاجهم، تتقارب من حيث إيمانهم بالإنطلاقة الأولى التي قاموا بها آنذاك، كما إيمانهم بالقضية التي من أجلها تكوكبوا حول بعضهم البعض، مع إيمانهم العميق بأن لكل منهم طريقته وأسلوبه في الكتابة الشعرية على الرغم من أن قضية سياسية واحدة تجمعهم· معظمهم بات مقتنعاً اليوم أن انتماءهم إلى ما عرفناه من تسمية ''شعراء الجنوب'' قضية نضالية جماعية، لم يبعدهم عن جوهر الشعر والكتابة الداخلية الفردية، وهي القضية الأساسية الموازية لكل مَن أراد نفسه شاعراً حقيقياً، إذن، وانطلاقاً من هذه الظاهرة الشعرية الخاصة بجنوب لبنان التي حملت في قلبها قضية سياسية وإنسانية سامية، والتي لم يأت بعدها ما يشبهها، حاولنا المقاربة قدر الإمكان ما بين اليوم وأمس، وما بين الشعراء انفسهم، في محاولة منا للغوص مرّة أخرى في تلك الظاهرة الفريدة والتي لم تتكرر، الا أن هذه المقاربة حصلت عن بعد، أي من خلال مسافة زمنية وتجربة حياتية مغايرة· توجهنا بسؤالنا الى كل من محمد علي شمس الدين وجودت فخر الدين وشوقي بزيع والياس لحود، والسؤال، ما يمكنهم قوله اليوم حول ظاهرة مجموعة شعراء انطلقوا من قضية وكانوا كخلية نحل تعمل معا، ولماذا لم تظهر من بعدها مجموعة مماثلة ؟ شمس الدين: صوت جامع الشاعر محمد علي شمس الدين قال: ''أطلقت على مجموعة من الشعراء اللبنانيين، بدأت أسماؤهم تظهر على الساحة الأدبية وفي الصحافة منذ مطلع سبعينات القرن الفائت، تسمية ''شعراء الجنوب''··· وكنتُ واحداً منهم، إضافة إلى شعراء آخرين مثل حسن عبدالله وشوقي بزيع والياس لحود وجودت فخر الدين، على سبيل المثال لا الحصر، والأرجح أن التسمية لصيقة بالمجلس الثقافي للبنان الجنوبي الذي كان يرأسه ولا يزال الشاعر والسياسي التقدمي (اليساري) حبيب صادق، فكان هؤلاء الشعراء وسواهم يلوذون بهذا المجلس، ويرتبطون مع رئيسه، بصداقات أدبية وسياسية، وكان للحزب الشيوعي اللبناني دور في وجود هذا الاتجاه الثقافي، الذي توطّد ونما مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وتشكّل جبهات سياسية وثقافية تقود الصراع آنذاك ومحوره الإلتفاف حول المقاومة الفلسطينية، من خلال جبهة سياسية وعسكرية لبنانية تختصر تسميتها بالحركة الوطنية، إذن كان المجلس الثقافي للبنان الجنوبي كياناً ثقافياً وسياسياً من كيانات هذه الجبهة، وكان شعراء الجنوب جزءاً من تكوينه وعلاقاته وتوجهاته السياسية والشعرية، حيث يتقاسمون مع بعضهم البعض، ومع المجلس، الأمسيات الشعرية في العاصمة وفي حواضر وقرى الجنوب، ويشاركون في الندوات، وقد أخذت الصحافة تطلق عليهم هذه التسمية، التي راجت حتى بلغت ذروتها في ثمانينات القرن الفائت، ثم بدأت بالتراجع (من حيث التسمية) حتى نُسيت في أيامنا هذه أو كادت تنسى''· ويشرح شمس الدين: ''الجامع بين هؤلاء الشعراء إبداعي وسياسي في وقتٍ واحد· فجميعهم ينتمي إلى الجبهة السياسية التقدمية آنفة الذكر، وينتمون جغرافياً للجنوب اللبناني، وتكاد موضوعات الشهادة والتمسك بالأرض وفلسطين والمقاومة تجمعهم بلا استثناء· أما ما يفرّق بينهم فهو الأهم بنظري، أي الطاقة الإبداعية لكل منهم والأسلوب الشعري الذي يخصّه، ونستطيع أن نسجّل لهذه الناحية تمايزات فنية تناولها بعض النقد بالشرح والإستقصاء، إن صوت الجماعة واضح في أشعار هذه الكوكبة من الشعراء، والتميّز الشخصي أو التفرّد أيضاً واضح''· ثم يختم بالقول: ''أهم ما في المعادلة هو الحداثة الشعرية والانتباه للشروط الإبداعية في القصيدة وبالأسلوب والتقنية الشعرية، وليس فقط المعنى''· فخرالدين: ظاهرة سياسية بدوره الشاعر جودت فخر الدين قارب المسألة قائلا: ''دائماً كنتُ أقول إنّ ''شعراء الجنوب'' تسميةٌ سياسية أكثر منها فنية، وإنْ كانت قد مثّلتْ ظاهرةً أدبيةً مميّزةً في العالم العربيّ كلِّه، منذ نهايات السبعينيات من القرن المنصرم، وللتسمية، في نظري، سببان أساسيّان: الأول أنّ المعنيين بها هم شعراء من قرى الجنوب اللبناني، والثاني أنّ هؤلاء الشعراء قد حملوا، خصوصاً في بداياتهم، هموم الجنوبيين الخاصة والعامة، وعبّروا عن معاناتهم المريرة في المستويات كافةً، وبالأخصّ في مواجهة العدوان الإسرائيلي، الذي شكّل كابوساً لأهل الجنوب، وللبنانيين والعرب بعامة، منذ أكثر من ستين عاماً، والذي قاومه أهل الجنوب في مختلف المراحل، وبكلِّ ما أتيح لهم من وسائل''· وأضاف: ''في النصف الثاني من السبعينيات، كانت قضية الجنوب اللبناني قضيةً سياسيةً حارة، هي لا تزال حارةً اليوم، ولكنْ كانت لا تزال طازجةً إذا صحّ التعبير، فشكّلت محوراً أساسياً في توجهات وممارسات الكثير من الأحزاب والحركات السياسية، وقد عملت هذه الأخيرة على الاحتفاء بالأدب الذي احتضن هذه القضية، وبالأخصّ الشعر الذي كان الأبرز والأعمق في التعبير عنها، هكذا نشأت ظاهرة ''شعراء الجنوب''، وأُطلقت التسمية على كوكبةٍ من الشعراء الذين استطاعوا أنْ يُثْبتوا حضورهم المميّز في الساحة الشعرية العربية، ولكنّ هؤلاء الشعراء يختلفون كثيراً فيما بينهم من النواحي الفنية، لهذا يمكن القول إنّ التسمية لا تحْظى بمسوّغاتٍ فنيةٍ مثلما تحْظى بمسوّغاتٍ سياسيةٍ أو فكريةٍ أو موضوعيةٍ (أي في علاقتها بالمواضيع المطروقة في النصوص الشعرية المعنيّة)، ولكنّ هذا الأمر لا يُضيرُ كثيرا، فالتنّوع الفني بين شعراء الجنوب هو دليل غنى للظاهرة التي مثّلوها''· وهنا، يتابع فخر الدين، ''تبرز نقاطٌ مهمّةٌ ينبغي توضيحُها، خصوصاً للذين يرغبون في تناول الشعر ''الجنوبي'' تناولاً نقدياً، أولاً، لا ينبغي الاستناد إلى الموضوع في عملية التقويم الفني، فالموضوع ليس له إلا قيمةٌ ثانويةٌ في هذه العملية، المهمّ كيفيّة تناول الموضوع· ثانياً، واستناداً إلى النقطة الأولى، لا ينبغي النظر إلى شعراء الجنوب وكأنهم شاعرٌ واحد، أو إلى قصائدهم وكأنها قصيدةٌ واحدة· ثالثاً، حقّق شعراء الجنوب حضورهم المميّز ليس بسبب مواضيعهم الشعرية، بل لأسبابٍ فنيةٍ متنوّعة، فلدى كلّ منهم رؤاه وأدواته وأسلوبه وطريقته في استخدام اللغة والوزن ووجوه البلاغة، وما إلى ذلك، ومن هنا ينبغي التمييز فيما بينهم عند النظر إليهم نظرةَ استقصاءٍ فنيّ· ''شعراء الجنوب'' ظاهرةٌ فرضت نفسها، بما بين شعرائها من تقاطعات، وخصوصاً بما بينهم من تباينات· أما بشأن ما اكتنف الظاهرة وما سبقها وما تلاها، فليس لنا أنْ نُجيب عن كلّ سؤالٍ بهذا الشأن، وذلك لأنّ ''الظهور'' الشعري ينبثقُ دائماً من عناصر شخصية، وإنْ كان له بالتأكيد أنْ يتأثّر بالظروف العامة التي تكتنف انبثاقه· إنّ شعراء الجنوب لا يزالون اليوم معنيين بقضيتهم، التي لا تزال قضيةً متفجّرة، وإنْ باتوا من النواحي الفنية أكثر تبايناً وتمايزاً فيما بينهم''· لحّود: مصادفة الجغرافيا الشاعر الياس لحود يدخل الى الإجابة من باب السرد: ''كنا شباباً ووصلنا بيروت أوائل السبعينات، ومنها انطلقنا إلى عواصم ثقافية وجهات مختلفة، كان الجنوب يغلي، يموت ويولد، وكذلك لبنان، كل لبنان··· كنتُ في طليعة الصرخة أعدو لأرى من بعيد (وقريب أيضاً) ما يجري ابتداءً من هنا· حتى شعر المقاومة الفلسطينية (مع محمود درويش وعز الدين المناصرة وأحمد دحبور ألخ···) كان يجري، أكثر وأعمق، من هنا· من هنا من بيروت الجنوب والمدن والجهات حدث شيء، بالصدفة؟ صدفةً التقينا؟ صدفةً ''جمعتنا'' أرض حملناها معنا إلى كل مكان وكلمة؟ مصادفة هذه الجغرافيا المتحركة؟ والقصة طويلة، واضحة لديّ جداً وإشكالية لدى كثيرين؟! ربما··· والشرح لن يطول: في أوائل السبعينات وبالتعيين أكثر، بدءاً بأواخر ،1974 أي قبل الحرب وبعدها، جمعتنا مصادفة ربما في المجلس الثقافي الجنوبي وصلنا بعدما أتينا، كل من اتجاه شعري: حسن العبد الله ومحمد العبد الله وحبيب صادق وياسر بدر الدين ومحمد علي شمس الدين وعبد الكريم شمس الدين وجودت فخر الدين وشوقي بزيع وأنا، كان عصام العبدالله يرافقنا وكذلك جهاد الزين وحسن داوود، أتذكر أيضاً أحمد فرحات ومحمد علي فرحات ومحمد أبي سمرا ثم جوزيف حرب وعباس بيضون، وثمة أسماء كثيرة أخرى لا يسعها السرد السريع هنا، كلنا كانت لنا قضية واحدة: الجنوب· إنسان الجنوب والأرض والتصدي، كل شيء وصل معنا مختلطاً بالتاريخ النضالي والمقاومة البريئة والعظمة الناشئة والتاريخية الخالدة من لبنان، من جنوبه، إلى··· القصيدة الطامحة نحو فضاء''· يضيف لحود: ''مجموعة اشتدت أكثر وتعمّقت جذورها وامتدت إلى العواصم والمدن والمهرجانات والندوات، مجموعة زاحمت حتى مجموعة شعر المقاومة الفلسطينية، كان لها ـ رغم الجميع ـ مذاقها· وامتداداتها أيضاً، أعني امتدادات طرائق تعبيرها عربياً، امتدادات إيقاعها الكتابي وعلاقاتها، كما كان معها هنا جيل جديد على يمينها أو يسارها، من الجنوب إلى بيروت، يكتب بالعلاقة الجنوبية وإن طوّرها أو رفضها كصبغة تجميلية معينة وقبلها كقضية شعر وتعبير ذي إيقاعية خاصة (نذكر دون حصر: باسم عباس ويحيى جابر ويوسف بزّي، وعلي بزيع وعلي سلمان وفاروق الشويخ وآخرين في إطار ''شعراء الجنوب'' بطريقةٍ أو بأخرى''· ويستغرق الشاعر في الإجابة مؤكدا: ''نعم لم تأتِ بعد ''مجموعة شعراء الجنوب'' أيُّ فئة ''كمجموعة على تشابه معين''، رغم المقاومة والتحرير بعد ·1990 وهكذا استمرت مجموعة شعراء الجنوب وحدها تكتب، وتنشد وتنشر هنا وهناك إلى أبعد الإبداعات العربية الحديثة، التجربة اللبنانية من الجنوب غالباً، مبعدّةً أو مقرّبة من مركز البؤرة، بؤرة الإنفجار وارتداداته، ولكن دائماً من الخصم ذاته والهاجس نفسه نحو أفضية المختلف ومناخاته''· بزيع: لا قرار مسبق أما الشاعر شوقي بزيع فيروي التجربة مستعيداً تفاصيلها البكر: ''حينما بدأنا بكتابة الشعر في مطلع السبعينات من القرن الفائت لم تكن اللافتة التي ارتفعت في ما بعد حاملة اسم شعراء الجنوب اللبناني قد ظهرت بعد، ولم يكن في حسباننا أننا سننضوي تحت لافتة أو شعار، إضافة إلى أن من سمّوا لاحقاً بشعراء الجنوب لم يكد بعضهم يعرف البعض الآخر، ذلك أن قسماً من هؤلاء درس في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، ومن بينهم محمد العبد الله وحمزة عبود وأنا، في حين أن محمد شمس الدين درس في كلية الآداب، وحسن العبدالله في الجامعة العربية، كما أن سنوات عدّة تفصل بين أحدنا والآخر من حيث فارق أعمارنا· هذا يعني أننا لم نكتب الشعر بقرار، وأن كتابتنا كانت استجابة لإلحاح داخلي ولموهبة فطرية وليست ناجمة عن قرار مسبق في كتابة الشعر''· وفي سياق التعمق في تحليل الظاهرة يقول بزيع: ''أعتقد أن التصنيف تمّ لأسباب سياسية ''ونضالية''، حيث كان الجنوب في تلك الفترة يتعرض لقصف إسرائيلي شبه يومي، ولإجتياحات عدة، وكانت المقاومة الفلسطينية قد اتخذت من الجنوب منطلقاً لعملياتها العسكرية بعد إخراجها من الأردن· وربما تبلورت التسمية بعد أن عمد المجلس الثقافي اللبناني الجنوبي ورئيسه حبيب صادق لإقامة مهرجانات سنوية للشعر بعنوان مهرجان الشعر الجنوبي، حيث اكتشف الكثيرون أن عدد شعراء الجنوب يناهز 20 شاعراً، وكان معظمهم يتناوبون على منبر المجلس بشكلٍ دوري، ولمّا كانت ظاهرة شعراء المقاومة الفلسطينية قد تبلورت في حقبة الستينات مستفيدة من قداسة القضية نفسها، ومن المدّ الثوري العالمي بزعامته السوفياتية والصينية، فقد مهّد ذلك الطريق أمام الظاهرة الموازية التي نشأت في الجنوب اللبناني، خاصة وأن روابط في الجغرافيا والتاريخ والمواجهة مع العدو الإسرائيلي تجمع بين الظاهرتين، وإذا كانت السياسة قد خدمت هذه الظاهرة لفترة قصيرة من الزمن، فإن ذلك لم يدم طويلاً لأن الشعر الحقيقي لا يقوم إلا بشروطه الذاتية وعناصره الفنية، أما ما يفيض عن ذلك فسرعان ما يتراجع تأثيره''· لا يكتفي الشاعر بالجواب بل هو يحفز على طرح المزيد من الأسئلة: ''من الضروري أن يطرح البعض سؤالاً لم يعتادوا على طرحه، وهو: لماذا ينتمي القسم الأكبر من الشعراء اللبنانيين إلى الجنوب، ولماذا تضج التربة الجنوبية بكل هذه الوفرة من الشعراء؟ أعتقد أن مقاربة موضوع شعراء الجنوب من هذه الزاوية هي أقرب إلى الواقع وإلى الموضوعية من المقاربة الأيديولوجية المحضة، وإذا كانت المناسبة لا تتسع للإجابة المفصلة عن مثل هذا السؤال فإنني أستطيع أن ألخّص الإجابة بتضافر مجموعة من العوامل التاريخية والجغرافية والاجتماعية التي تبعد هذه الظاهرة عن دائرة الصدفة المجردة· فإذا أخذنا بعين الإعتبار الواقعة الكربلائية التي شكلت منذ أكثر من ألف عام خزاناً هائلاً للوجدان الجنوبي، والتي رفدت هذا الوجدان بحساسية مفرطة إزاء ذلك الدم المراق منذ زمنٍ بعيد رافضاً أن يتخثّر أو يتلاشى، إضافة إلى عنصر الجغرافيا المعتدلة التي هي مزيج من صلابة الصخور ورحابة المياه ومساحات واسعة من الهضاب المكسوّة بالأشجار والملفوحة بأكثر من ريح واحدة، وإلى الفقر والمعاناة اللاحقين بالجنوب كما بسائر مناطق الأطراف اللبنانية، وإلى المواجهة الضارية والمزمنة مع العدو الإسرائيلي لاستطعنا أن نفهم السر الذي يقف وراء تلك الشاعريات الكثيرة التي تتوزع بين مناطق الجنوب ومدنه وقراه· إن الشاعر الحقيقي وحده، أخيراً، يستطيع أن يفيد من هذا المخزون الغني للتراب الجنوبي، ويدخله في نسيج لغته ووجدانه لا أن يحوّله إلى مسوّغ للكتابة الرديئة والشعار السياسي''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©