السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخوارق والعجائب تسيطر على كتب الرحالة العرب

الخوارق والعجائب تسيطر على كتب الرحالة العرب
24 ابريل 2008 02:25
يحمل هذا الكتاب عنوان ''الرحلة في الأدب العربي'' من تأليف اكاديمي مغربي هو الدكتور شعيب حليفي ويدور حول الرحلات التي عني العرب بتسجيلها منذ بواكير العصور الوسطى حيث يحاول مؤلفه اكتشاف تصنيف جديد لمؤلفات الرحالة العرب باعتبارها جزءا اصيلا من الادب العربي· ويتبنى الدكتور حليفي ما ذهبت إليه الدراسات الادبية الحديثة من اعتبار الرحلة أحد الاشكال الكبرى الام للأدب ويرى ان نصوص الرحلات العربية تتشكل بعناصر اولية رئيسية اهمها السيرة الذاتية للرحالة والتراجم التي يوردها كل الرحالة لحياة أشخاص صادفهم أو سمع عنهم أثناء رحلته بالاضافة إلى النصوص التاريخية والمعلومات الجغرافية والملاحظات ذات الطابع الاجتماعي· معين السفر ويرى المؤلف ان السفر هو المعين الذي لا ينضب لتجدد الحكايات في أدب الرحلات، وتعطي قصص ألف ليلة وليلة نموذجا واضحا على أهمية السفر في تغذية الحكاية بموادها ويعطي تصنيفا لانواع الرحلات في الادب العربي إلى نوعين اولهما الرحلات الخيالية وتشمل رحلات متخيلة تجري وقائعها في العالم الدنيوي واخرى مسرحها العالم الاخروي، اما النوع الثاني فهي الرحلات الفعلية وهي الغالبة في الادب العربي وتنقسم الرحلات الفعلية إلى الرحلة الدينية كالحج والرحلة العلمية او الادبية والرحلة السفارية والسياسية· وتمتاز رحلات الحج بتنوع نصوصها واشتمالها على سير ذاتية ومذكرات شخصية تحوي مشاهد الخروج والمسير والوصول أما رحلات المثاقفة والتي تعنى بالاحتكاك بمكونات معرفية وثقافية أخرى فهى تتميز بالمزج في السرد بين معارف الرحالة والمعارف التي صادفها خلال رحلاته، بينما تندر الرحلات من نحن إلى الآخر لان اغلبها كان سفارات رسمية لم تقيد وما تم تسجيله منها قليل· ومن هذا الصنف الاخير يبرز المؤلف رسالة ابن فضلان مبعوث الخليفة العباسي المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة البلغار وتتضمن العبور والوصول من بغداد إلى فارس وبخاري والجرجانية والغزية والبنجاك الصقالبة والروسية والخزر· وتفصح رسالة ابن فضلان عن سفر يجسد العبور السريع مع توقف قصير للاستراحة دون ذكر المشهدات او الانطباعات وهو ما كان بالنسبة للمراحل الاولى من الرحلة الى حين وصولهم الى بخاري وهي بنية اختزالية سريعة مقابل البنية الثانية من السفر وهي الموسعة الحافلة بالاحداث· معلومات وملاحظات ويمزج ابن فضلان في سرده بين المعلومات المنقولة وملاحظاته الشخصية مثلما هو الحال عندما تناول أمر البرد الشديد في أواسط آسيا حيث يقول: ''ولقد بلغني ان رجلين ساقا أثنى عشر جملا ليحملا عليها حطبا من بعض الغياض فنسيا ان يأخذا معهما قداحة وحراقة وانهما باتا بغير نار فأصبحا والجمال ميتة لشدة البرد· ولقد رأيت لهواء بردها بأن السوق بها والشوارع لتخلو حتى يطوف الانسان اكثر الشوارع والاسواق فلا يجد احدا''· ووجه الدكتور شعيب حليفي عناية خاصة بالعجائب والحرص على تدوينها لاستقطاب اهتمام القراء موضحا ان ابن منظور يعرف العجب بأنه ما يرد عليه لقلة إعتياده، فالعجب هو النظر إلى شيء غير مألوف ولا معتاد ويلتصق به ايضا مفهوم ''الغريب'' مع الفوارق الملحوظة بينهما· وتجسد رحلة ابن بطوطة هذه الحقيقة ففي أكثر من ثلاثين موضوعا ترد مفردتا العجيب والغريب، وبهما يعبر ابن بطوطة عن اندهاشه وانبهاره اكثر من حيرته مركزا انفعالاته تجاه بعض الامكنة والمعالم مثل: ''ورأيت من العجب عند باب الجامع فيما بينه وبين السوق رأس سمكة كأنه رابية، وعيناها كأنهما بابان''· وقوله ايضا: ''ومن اعجب ما اختبرناه من فواكهها البطيخ والسفرجل وكل فواكهها عجب، لكن للبطيخ فيها خاصة من الفضل عجيبة''· حكايات منقولة وبعض العجائب كانت ترد في كتابات الرحالة نقلا عن اخرين ومن ذلك الصنف قول الغرناطي: ''ولقد حدثني بعض التجار أنه خرجت اليهم سنة من السنين سمكة عظيمة فثقبوا اذنها وجعلوا فيها الحبال وجروها فانفتحت اذنها وخرجت من داخلها جارية حسناء جميلة بيضاء سوداء الشعر حمراء الخدين عجزاء من احسن ما يكون النساء ومن سرتها إلى نصف ساقها جلد ابيض كالثوب خلفه يتصل بجسدها يستر حيها وجسدها كالازار دائر عليها فأخذها الرجال الى البر وهي تلطم وجهها وتنتف شعرها وتعض ذراعها وثديها وتصيح وتفعل كل ما تفعل النساء في الدنيا حتى ماتت في ايديهم فتبارك الله''· وهناك ايضا في الرحلات احاديث كثيرة عن الخوارق والسحر مثل حديث ابن بطوطة عن الجوكية السحرة بالهند فكان الواحد منهم يتصور في صورة سبع لانه من السحرة ويدخل في الابواب المغلقة يفترس الناس وقيل انه يشرب الدم ولا يأكل اللحم· ومنهم من ينظر إلى الانسان فيقع ميتا من نظرته· وتقول العامه انه اذا قتل بالنظر وشق عن صدر الميت وجد دون قلب، ويقولون اكل قلبه واكثر ما يكون من النساء· وثمة اشارات مختلفة في الرحلات العربية إلى المسخ والتحول، مثلما يقول ابن بطوطة عن مجموعة من الحجارة رأها على صورة الآدميين والبهائم في ذلك المكان الذي كان مدينة عظيمة اكثر اهلها من الفساد فمسخوا حجارة وكما اشار ابن فضلان ايضا إلى حيوان مختلط بين الجمل والثور والبغل· إعادة الاعتبار لنثر حافظ إبراهيم في كتاب انشغل النقاد في تصنيفه ليالي سطيح بين المقامات والمقالات حلمي النمنم، نشر المجلس الاعلى المصري للثقافة الاعمال النثرية لشاعر النيل حافظ ابراهيم في مجلد بالاضافة إلى ديوانه الشعري· ونثر حافظ يتمثل في تعريب رواية فيكتور هوجو ''البؤساء'' وترجمة كتاب في الاقتصاد بالاشتراك مع خليل مطران، وترجمة كتاب في أدب الاطفال عن الفرنسية، وعمل ابداعي سماه ''ليالي سطيح''· صدر ''ليالي سطيح'' عام 1906 وذهب النقاد إلى أن حافظ إبراهيم وضعه على غرار ''حديث عيسى بن هشام'' للمويلحي الذي صدر عام ،1904 وشغل النقاد انفسهم بتصنيف العمل من حيث الشكل هل هو قصة ام مقامة او مقال· وبغض النظر عن تساؤلات النقاد فإن ''ليالي سطيح'' حقق نجاحا وقبولا لدى القراء وطبع عدة مرات، غير انه منذ عام 1964 لم يعد طبعه داخل مصر، وصار نسيا لدى الاجيال الجديدة· وتأتي الطبعة الجديدة لتعيدها إلى الاذهان· خليط من الأجناس و''ليالي سطيح'' من حيث الشكل خليط من عدة اجناس ادبية، فيه من المقال ومن المقامة ويمكن ان نقول القصة القصيرة، اما الرواية فلا شيء منها هنا، خاصة الرواية بالمفهوم الكلاسيكي، ولكن وفق بعض المفاهيم الجديدة للرواية يمكن ان نعده كذلك، وفيه أيضا من القديم او التراث والجديد او الحديث· وفكرة الليالي ليست بعيدة عن ليالي ألف ليلة وليلة، وهنا بطل متكرر في كل الليالي وهو ''سطيح'' ومحاوره، والموضوع يختلف بين ليلة وأخرى· وقدم حافظ في كتابه سبع ليال وكان من المقرر ان يتبعها باجزاء أخرى، ولم يتمكن من إتمامه لكن المشروع كان في ذهنه، والتأثر بحديث عيسى بن هشام ليس مستبعدا، فالمويلحي اختار بطله من عصر محمد علي حيث خرج من القبر ذات ليلة يطل على القاهرة في عصر الخديوي إسماعيل ويتجول بها ويستطلع احوالها بعد جيل من رحيله، لكن حافظ ذهب ابعد من ذلك بكثير واختار ''سطيح'' وهو ليس شخصية خيالية تماما، فقد كان موجودا في الجزيرة العربية، عصر ما قبل الاسلام، وكان معروفا بالحكمة والقدرة على التنبؤ وتوفي عام 570 ميلادية، نفس العام الذي ولد فيه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)· لكن ''سطيح'' لدى حافظ ابراهيم ليس متنبئا ولا حكيما، وتدور رواياته حول فترة مهمة من تاريخ مصر، لا تجد اهتماما بين الدارسين خاصة في الجانب الاجتماعي والثقافي، وهي الفترة التي أعقبت الاحتلال البريطاني لمصر وفشل الثورة العُرابية إلى مطلع القرن العشرين، وقد عايشها حافظ، فهو من مواليد ،1872 لكن المحققين يرون انه ولد قبل ذلك، فلم تكن لديه شهادة ميلاد واستخرجت له شهادة من القومسيون الطبي ''تسنين'' حينما كان بصدد التعيين بدار الكتب، والشهادات التي تستخرج في هذه الحالة تراعى فيها مقتضيات الوظيفة، أي ألا يكون العمر كبيرا وإلا رُفض التعيين، وحديثه عن الفترة ما بعد الثورة العُرابية هو حديث العارف المتابع والمعايش كذلك، تكشف الليالي تتلمذ حافظ على الاستاذ الامام محمد عبده وتأثره به، ويتحدث عن نفسه كذلك وكيف كان يحتمي به ويقول في الليلة الاولى ''اديب بائس وشاعر يائس، دهمته الكوارث، ودهته الحوادث، فلم تجد له عزما ولم تصب منه حزما''· ويخاطبه ''سطيح'' قائلا: ''اي فلان لقد اخرجت للناس كتابا ففتحوا عليك من الحروب ابوابا وخلا غابك من الاسد، فتذاءب عليك أهل الحسد'' والمقصود بالاسد هنا هو الامام محمد عبده الذي توفي قبل صدور الكتاب بعام· وفي الليلة الأولى يلتقي الراوي الذي هو حافظ نفسه ـ على الاغلب ـ مع ''سطيح'' اما الليلة الثانية فتدور حول المرأة وقضية السفور والحجاب وهنا يظهر قاسم امين وكتاباه ''تحرير المرأة'' ثم ''المرأة الجديدة'' وتقدم الليالي دفاعا عن قاسم امين ضد منتقديه ومهاجميه، ويقول عنه ''صاحب مذهب جديد ورأي سديد، دعا القوم إلى رفع الحجاب، وطالبهم بالبحث في الاسباب فألقوا معه نقاب الحياء، وتنقبوا من دونه بالبذاء، أي فلان اذا مضت على كتابك خمسون حجة، وظهر لذي العينين إدلاؤك بالحجة، تكفل مستقبل الزمان باقامة الدليل والبرهان فلعل الذي سخر لجماعة الرقيق والخصيان، من انقذهم من يد الذل والهوان، يسخر لتلك السجين الشرقية والاسيرة المصرية من يصدع قيد اسرها ويعمل على اصلاح امرها''· وليس مستغربا دفاع حافظ عن قاسم أمين وتحرير المرأة، فكل منهما قاسم وحافظ كان تلميذا في مدرسة محمد عبده، واستمعا إليه فضلا عن ان قاسم وحافظ جمعتهما الصداقة وكان حافظ من المؤمنين بضرورة تحديث المجتمع والاخذ بالافكار الجديدة التي لا تمس الشخصية القومية وكان يرى ان المستقبل والنهضة يتحققان بنشر التعليم والمعرفة في المجتمع كله بين الرجال والنساء على حد سواء· وتدور الليلة الثالثة حول العلاقة بين مصر وسوريا وقتها كانت سوريا الكبرى، وتحدث عن السوريين ودورهم الثقافي وهجرتهم إلى مصر ويقول: ''أنسى ابناء اللسان العربي ان جماعة السوريين قد بلغوا في نشر اللغة العربية منزلة لم تبلغها جماعة المبشرين في نشر الملة المسيحية''· ويقول عن مصر وسوريا'' اختان امهما اللغة العربية، تشرف عليهما الدولة العلية: مصر الامان وسوريا روضة الجنان اي فلان: ضع خريطة الارض بين يديك ثم اغمض بعد ذلك عينيك واهو باصبعك عليها وانظر نظرة الحكيم إليها تجد في موقع ذلك الاصبع سوريا يعمل ويبدع، فأنتم أهل العمل والنجدة وان كان بأخلاقكم بعض العهدة''· ليالي واختصاصات والليلة الرابعة خصصها حافظ للامتيازات الأجنبية في مصر ويشرح قصة ظهورها ومدى الضير الذي توقعه بالاقتصاد وبالمصريين عموما، ومخاطرها على الاستقلال الوطني ودور الانجليز فيها وموقف المصريين منها· أما الليلة الخامسة فقد خصصها للصحافة وكتابها، ما لهم وما عليهم، ويجب ان نذكر ان قضية الصحافة ودورها وكفاءتها الاجتماعية كانت موضع تساؤل منذ قضية الشيخ علي يوسف وصفية السادات عام 1904 وهو كان من أصدقاء علي يوسف وكتب قصيدة في الدفاع عند يوم صدور الحكم القضائي بتفريقه عن زوجته صفية استجابة لطلب والدها بدعوى عدم الكفاءة الاجتماعية لها لانه صحفي ويقول عن الصحفيين ''رجال اذا استلوا اقلامهم ثلوا العروش الراسية واذا ارسلوا بيانهم عطفوا القلوب''· والليلة السادسة للآدب وللشعر، وركز حافظ تحديدا على شعر احمد شوقي، ويسميه هنا ''شاعر الشرق'' كما يطلق على نفسه ''شاعر النيل'' ومن خلال الحوار يبدي رأيه وتحفظه على بعض اشعار شوقي وحكمه عليه فقد أخذ على شوقي كثرة قصائده ورأى ان تلك الكثرة على حساب المضمون الشعري وهو بذلك يدفع عن نفسه الاتهام بقلة القصائد ويأخذ على شوقي اهتمام الصحافة به وابراز اخباره وقصائده بحكم تواجده بالقصر قريبا من الخديوي عباس حلمي، بينما تتجاهله هو ''شاعر النيل'' لانه بلا حول· والليلة الاخيرة للشأن السوداني او القضية التي عرفت باسم قضية الذخيرة والتي انتهت باخراج الجيش المصري من السودان واهمية هذا الجزء ان حافظ ابراهيم كان احد العاملين بالجيش المصري وقتها في السودان· محامية فرنسية شهيرة تفتح ملف اغتصاب النساء الجزائريات أثناء حرب التحرير جيزال حليمي·· دافعت بالكلمات عن أبطال وضحايا الطيب بشير إنّ اغتصاب الفتيات والنساء الجزائريّات بعد تعذيبهنّ أثناء الحرب التحريرية كانت عملية تكاد تكون روتينية، وضحايا الاغتصاب عددهنّ لا يحصى ولا يعدّ: هذه إحدى الحقائق المريرة التي كشفت عنها المحامية الفرنسية جيزال حليمي ـ بوصفها شاهدة عيان ـ في كتابها الصادر في باريس، والذي استعرضت فيه بعض ما عاشته أثناء اضطلاعها كمحامية، بمهمة الدفاع عن المناضلين الجزائريين عندما كانت الجزائر ترزح تحت الاستعمار الفرنسي· وقد استرجعت الكاتبة ـ وهي يهودية من أصول تونسية ـ في مؤلفها بعض الأحداث التي عاشتها، وانتقت منها ما له صلة بمهنتها في الدفاع عن المناضلين سواء عند بداية عملها في تونس أو بعد استقرارها في باريس· وأشارت المحامية الشهيرة في مذكراتها إلى أنّ من تم اغتصابهن من الجزائريات كنّ يخفين أمر الاغتصاب خشية من الفضيحة لاعتبارات دينية واجتماعية تمس بالشرف والعائلة، مضيفة: ''إنّ المناضلات الجزائريات اللاتي توليت الدفاع عنهن في المحاكم اعترفن لي أن أخواتهن تم اغتصابهن أيضا، ولكن أغلب المناضلات وحتى من تم اغتصابهن أثناء التحقيق معهن أو عند إيقافهن في السجن يرفضن أثناء محاكماتهن الإشارة إلى اغتصابهن''· وكشفت جيزال حليمي عن قصة فتاة اسمها مريم روت لها كيف تمّ افتضاض بكارتها بواسطة قارورة جعة من طرف الجنود الفرنسيين إمعانا في إذلالها، ثم تداول عليها الجنود الفرنسيون بكل وحشية، وكانت الفتاة وهي تبكي بكاء مرا أمام محاميتها جيزال حليمي تكرر ما يفيد انها فقدت أعز شيء لديها، وأنها تشعر بأنها ماتت داخليا وانها لم تعد صالحة للحياة، وتشرح المؤلفة للقارئ الفرنسي والفرنكفوني اهمية العذرية في التقاليد العربية الاسلامية· إمرأة لا تعرف الخوف وروت المؤلفة بعض الأحداث التي عاشتها ومن بينها ما حصل يوم 28 ديسمبر ،1956 فقد تمّ في ذلك اليوم اغتيال اميدي فروجي رئيس بلدية مدينة ''بفارك'' الجزائرية، وهو أحد غلاة الاستعماريين بإطلاق ثلاث رصاصات عليه في التاسعة والنصف صباحا عندما صعد الى سيارته· وفي جنازته حصلت مجزرة رهيبة، فقد قتل الاستعماريون الفرنسيون كل جزائري اعترضهم في الطريق انتقاما وتشفيا· كما استعرضت المحامية الكثير من المحاكمات الجائرة للمناضلين الجزائريين الذين تم ظلما الصاق شتى التهم بهم للزج بهم في السجون او لإعدامهم، وعدّدت أمثلة من تلك المحاكمات التي أصدرت أحكاما بالإعدام على مواطنيبن اثبت التاريخ والاحداث انهم كانوا ابرياء، ولكن النظام الاستعماري كان يريد ارهاب السكان باعتماده أسلوب الانتقام خاصة بعد اغتيال أي جندي او مستعمر فرنسي من طرف المقاومين· وجاء في الكتاب ان جيزال حليمي وهي كما تبدو من كتابها امرأة لا تعرف الخوف، انها التقت بمسؤول فرنسي في مكتبه بالجزائر سعيا منها لإقناعه ببراءة بعض من تم اطلاق القبض عليهن ظلما وجورا فكان رده: ''انهم ثعابين، انهم إرهابيون، وسادوسهم وأرفسهم بحذائي''· سلاحها: كلمات ولإصرارها على الدفاع عن المناضلين فإنه تم إيقاف جيزال حليمي من طرف الجيش الفرنسي يوم 13 مايو 1958 في الجزائر، وتم تهديدها فعلا بإعدامها رميا بالرصاص، تقول: ''أصدروا قرارا بإعدامي فكانوا يرسلون لي نعوشا ورسائل بذيئة وتأتيني مكالمات هاتفية مجهولة المصدر كلها تهديد وشتيمة وبذاءة''· ولكنها - وبصفتها امرأة تعد نفسها مناضلة عن حقوق الانسان قبل ان تكون محامية ـ صمدت امام كل محاولات لإثنائها عن أداء مهامها النبيلة في فضح التجاوزات للرأي العام الفرنسي والدولي والدفاع عن الابرياء، وفعلا فقد واصلت جيزال حليمي وعلى امتداد سنوات الدفاع عن المناضلين الجزائريين امام المحاكم الفرنسية العسكرية في الجزائر المحتلة وهي تذكر انها اتجهت في إحدى المرات الى رئيس المحكمة لتقول له بكل جرأة: ''سيدي الرئيس، ان الجزائر مثل فيتنام وكمبوديا ستتحصل على استقلالها، وان هؤلاء الماثلين أمام المحكمة وضعوا حياتهم في خدمة استقلال بلادهم''· وقد ضجت القاعة باحتجاجات الحاضرين من الفرنسيين، ففي تلك السنوات كان تمسك فرنسا بالجزائر كبيرا، وكان لدى الاستعماريين اليقين بان الجزائر ستبقى فرنسية أبد الدهر· تقول جيزال حليمي التي كانت تأتي خصيصا من باريس الى الجزائر للدفاع عن المناضلين: سلاحي هو الكلمات، كلمات أشرح بها، اقنع بها وأدافع بها عن المتهمين الابرياء''· وجيزال حليمي هي مناضلة من أجل حقوق المرأة والانسان يتجاوز دورها كمحامية الى دور شاهدة على ما حصل من ظلم وقمع، وتقول: ''اخترت ان اكون محامية لأكسر القاعدة التي تحكم ميزان القوى بين الضعيف والقوي ضمانا لاحترام الكرامة الانسانية''، وهي تصف نفسها في كتابها بأنها امرأة متمردة وضد ماتسميه ''الالة الاجتماعية''، وهي تتساءل بعد هذه التجربة الطويلة: هل صحيح ان القانون يطبق على الناس بنفس المقاييس وهل القضاة حقا مستقلون وعادلون وفوق كل شبهة؟ قاسم حسين صالح·· يحلل سيكولوجية الواقع العراقي هل ينجح الضحك حيث أخفق البكاء؟ يتحدث قاسم حسين صالح في دراسته القيمة والممتعة ''المجتمع العراقي - تحليل سيكوسوسيولوجي لما حدث ويحدث''، عما طرأ على المجتمع العراقي في محنه المتتالية، بلغة العلم، وبنزعة أدبية وسياسية ساخرة، تجعل كتابه فيضاً من المرارة والأسى، أقرب في بعض الأحيان إلى الضحك من شدة البكاء· تعدد الولاءات في الفصل الأول من الكتاب، الذي جاء تحت عنوان ''تحليل سيكولوجي لحالة الثقافة والمثقف''، وفق مزيج من التحليل السياسي والاجتماعي والنفسي، يرى الكاتب أنه ''عندما سقط رئيس النظام انهارت تلك المعادلة نفسياً، فتوزع الـ 27 مليون عراقي إلى ما يزيد على المليون انتماء، وصاروا أمام واقع نفسي جديد، هو أن الولاءات المتعددة في المجتمع الواحد، الذي ينهار انتماؤه الموحد طوعاً أو قسراً، لابد أن تتصارع فيما بينها على السلطة، حين لم تعد هناك دولة أو نظام''· وخلص إلى القول أنه من هنا ''نشأ تحول سيكولوجي جديد لدى الناس· فبعد أن أطيحت الدولة (وليس النظام فقط) وافتقدوا الامان، ودفعهم الخوف إلى البحث عن قوة تحميهم، ''العشيرة بشكل خاص·· أكثر الولاءات تخلفاً''، بدأ مجلس الحكم يأخذ في وعيهم أنه الوسيلة إلى السلطة·· ثم الدولة· فتقدمت لديهم سيكولوجية ''الحاجة إلى السيطرة'' التي تؤمن لهم بالتبعية ''الحاجة إلى البقاء''· الجميع يأكل الجميع وتحت عنوان آخر هو ''السياسة·· والبارانويا·· والبرلمان''، يقول الباحث في ما يبدو مزيجاً من الخطاب السياسي والوجداني والنفسي: ''المحنة التي فيها العراقيون أن قادتهم السياسيين من ''الأفندية'' و''المعممين'' فرقاء مصابون ''بالبارانويا''·· كل فريق منهم يشك بالاخر، ويعتقد أنه يتآمر عليه لانهائه، حتى وصل بهم الحال إلى رفع شعار ''لاتغدى بصاحبي قبل أن يتعشى بي''، فتغدى الجميع بالجميع، بوجبات من البشر تعدت المائة ضحية باليوم، ودفعهم هوسهم إلى الإيغال بأيهم يقتل أكثر، وأيهم يتفنن بأساليب غير مسبوقة في بشاعة القتل والتعذيب''· ويستخلص من ذلك نتائج منها ما جاء في قوله ''بوصفنا سيكولوجيين ولسنا سياسيين·· والسياسة تعني فن إدارة شؤون الناس بما يريحهم لا بما يضنيهم، فإننا نقول إن البارانويا السياسية، إذا طبخت على نار الطائفية والعرقية، صار شفاء أصحابها قريباً من المستحيل، بينما اتفاقهم هو المستحيل بعينه''··· ''والمشكلة أن البارانويا السياسية بين الفرقاء سريعة العدوى والانتشار بين الغالبية المأزومة والمتقبلة للايحاء والمتطيرين الذين أتعبتهم الاحتمالات المتناقضة، فيما ''الغلابة'' من ملايين أهل بغداد حيارى لا يعرفون ماذا يفعلون، وما عادت تنفعهم حتى أساليب النفاق والازدواجية التي اضطر أجدادهم إلى ممارستها مع السلطة من قبيل ''الياخذ أمي يصيرعمي''· فصام سياسي في مجال آخر، وتحت عنوان ''شيزوفرينيا'' أو الفصام، وفي سخرية مرة، يقول الكاتب متحدثاً من دون تمييز عن تلك النماذج التي تكلم عنها بعد أن تخيل أنه يمتلك القدرة على الدخول إلى أعماقها''، وجدت عقولهم فيها احولال، وأنهم إذا تكلم أحدهم مع أحدهم راه اثنين، وإذا تكلم مع اثنين راهم أربعة·· وكل لسان مختلف وعقل مختلف·· مع أنهم واحد· والأغرب أنني عندما تفحصت جيناتهم، وجدت أنهم يتشابهون في جميعها إلا جينة واحدة، كانت تمشي متبخترة، وتصيح ''أنا الأمير وعلى غيري أن يسوق الحمير''·· وخلفها جوقة تلبس الجراوات والشراويل والعقل والجينز·· يدقون الطبول بهوس·· أيقظوني من صحوتي عليهم اللعنة''· بيئة طاردة ولأن موضوع الفصام يستهويه، نجد لدى الكاتب في مكان آخر من الكتاب موضوعاً عنوانه ''شيزوفرينيا العقل العربي''، وفيه يتحدث عن الحوارات التي تبثها القنوات التلفزيونية العربية، فيقول: ''وقد لفتت انتباهي مسألة تحتاج إلى تفسير، هي أنني لم أجد بين المئات من المتحاورين حالة واحدة يقول فيها المتحاور لنظيره·· أنك على صواب، أو·· أشكرك لقد صححت عندي فكرة···'' وكثيراً ما تنتهي الحوارات بالتسفيه والسب والشتم''· وتحدث عن انقسام المشاهدين على الأسس نفسها، شارحاً: ''وذهب بي تفكيري إلى ما هو أبعد·· مستقبل ''خير أمة''· فأوصلني إلى أن حال مثقفيها إذا بقي على هذا الحال··· فإن البيئة العربية ستكون طاردة للمفكرين ''الخلافيين'' وأنها في المحصلة النهائية ستكون أكبر مشفى للعقلاء المجانين·· أترى أن توقعي هذا منطقي أم أنني مثلهم أهذي''؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©