الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهوية وجمالياتها في اللغة

الهوية وجمالياتها في اللغة
24 ابريل 2008 02:32
هل تمتلك اللغة العربية جمالياتها التاريخية والسياسية والاجتماعية والفنية بحيث يمكن وصفها بأنها لغة الحوار الثقافي والتنوع الحضاري، أو بمعنى آخر هي لغة حقوق الإنسان؟ تقود هذه الأسئلة إلى مسألة الذات والآخر التي تقوم عليها الهوية، فمن أين جاء مصطلح الهوية، وعلى أي جذر اعتمد في تشكيل حضوره، ليكون واحدا من المصطلحات الرئيسية في اللغة العربية؟ يحيل المصطلح إلى كلمة ''هو''، وبمعنى آخر فإن الهوية في العربية تعني الغياب، والاختلاف أو الآخر في حين أن الهوية الأوروبية Identity أتت من المصطلح اللاتيني Idem وهي تعني الشيء نفسه أو الشخص عينه· ويبدو أن اللاتينية ؟ وبمعنى آخر ؟ الأوروبية تبدأ من نفسها في تشييد الآخر الذي ينظر له من منظور الأنا، في حين الهوية بمعناها العام في العربية تبدأ من الآخر في تشييد نفسها، وتنظر إلى الذات من منظور الآخر· ومن هنا تظهر بعض الفروقات بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية بشكل عام، واللغة العربية واللغة اللاتينية بشكل خاص· والواقع أن كلمة Identity متصلة بشكل أو بآخر بفكرة اللوجوس الإغريقية: Logo، وببساطة إنها تعني اللغة أو ذلك المصدر الأحادي الذي يرد له الفكر، وهذا ما يفسر ما جاء في الإصحاح الأول: ''في البدء كانت الكلمة والكلمة كانت عند الله وكانت الكلمة الله''، إذن فإن اللغة التي تقوم على التشكيل الفكري والحضاري والمسؤولة عن تشكيل الوعي بالذات محددة في الفكر الغربي تحديدا صارما، ويبدو أن هذا الأمر جعل الفيلسوف ديكارت يقول: ''أنا أفكر إذن أنا موجود''· وهذه العبارة معينة بواسطة فكرة الهوية واللوغوس التي تعيّن الوجود كله بواسطة مصدر واحد، وهو الذات، وهي إحدى المقولات الفلسفية التي تقوم على نفي الآخر، الذي لا يوجد إلا بواسطة الذات· ومن المعروف أن فكرة اللوغوس قد قرئت بشكل قوي، وتم كشف عيوبها بواسطة النقاد التفكيكين في الغرب مثل جاك دريدا وغيره· إن محمود درويش يؤكد بُعد الهوية العربية القائمة على الغياب، عندما يقول: ''أنسى من أكون لكي أكون''، وبمعنى آخر فإنه يقول: ''يكون الآخر ثم أكون''، وكأنه يقاوم كوجيتو ديكارت ''أنا أفكر إذن أنا موجود''· وما يجعل محمود درويش ينسى نفسه حتى يكون، ليست اللحظة المعاصرة، وإنما جماليات اللغة العربية، وفكرة الهوية نفسها، تلك التي تقوم على الآخر أو الغائب كما وضحت، وهذه الفكرة من أعظم جماليات اللغة العربية، أن توجد بعد أن يوجد الآخر، ولذلك فإن العربية استطاعت في تاريخها كله أن تعبر عن التنوع الديني والعرقي واللوني والحضاري، وهذا مكّنها بشكل قوي إلى أن تتضمن حقوق الإنسان وتعدد الأديان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©