الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أصل الفكرة وليدة المَلَل

أصل الفكرة وليدة المَلَل
24 ابريل 2008 02:34
إنها قصيدة النثر العربية· هذا الرأي المفاجئ، كان قد أبداه أحد شيوخ النقد العربي الحديث، الراحل الدكتور إحسان عباس، في مقابلة أجريت معه في شيخوخته· قال الدكتور عباس: ''·· أما مستقبل القصيدة العربية، فلا مفر من أن يقود إلى ما نسميه قصيدة النثر· لابد من مزاولة هذا الشكل، ولابد أن ينتهي إليه النظم الشعري، فقد يأتيك ملل من الإيقاع المنتظم· والملل عامل مهم جداً في نشوء المدارس الأدبية· ثم إن أكثر شعر مبني على الإيقاع المنتظم هو الشعر العربي، فليس غريباً أن نكتب شعراً يتحرر من هذه القيود· وسيأتي بعدنا من يتحرر من هذا التحرر·· فمنذ أمرئ القيس وحتى الجواهري، ونحن أسرى الإيقاع المنتظم، ومهما كان الشعر غذاء روحياً، فإن الإنسان يصل إلى مرحلة يحتاج فيها إلى التحرر من قيوده، وهذه حتمية الحياة''· في هذه المقابلة النيرة، يضيف الدكتور عباس أن الشعر الجديد مطالب بالانفتاح على جميع فنون العصر وإيقاعاته، وهي على العموم، فنون نثرية كتابية، كالقصة والرواية، أو مشهدية كالمسرح، أو صورية صوتية، كالسينما والتليفزيون·· إلا أن ما يؤخذ على الدكتور عباس هو تأخره حتى عام 1996 لإبداء هذه الفكرة الناضجة، واعتبارها وكأنها نبوءة للمستقبل، في حين أنه كانت مئات قصائد النثر، ودواوين قصيدة النثر قد صدرت بالعربية، ما بين خمسينات القرن الفائت ونهاياته· وذلك لا يغمط الفكرة حقها، وألمعيتها على كل حال·· لاسيما أنها انطوت على فكرة أخرى، تحررها من حتمية الجمود، وجمود الحتمية·· فالضجر الذي دفع بالشاعر إلى التغيير، وهو هنا ضجر تفعيلي أو إيقاعي، وأدى به إلى ابتكار تجربة النثر وقصيدته، هو عينه سيدفع الشاعر المتجدد، الى ضجر آخر من هذا المنجز الضروري، فالملل البشري مفتوح على لا نهاياته، وكذلك منجزات هذا الملل، ما يدفع الإنسان الشاعر في إبداعه وتلقيه معاً إلى أن يسأل: وماذا بعد؟·· وكأنه يستعيد قول هولدرلن: ''انتهت الطرق، فلنبدأ السفر''· لذلك استدرك الناقد النير وقال: ''سيأتي بعدنا من يتحرر من هذا التحرر''· فالتحرر من التحرر هو صيرورة الشعر العربي، في ما هو إشارة جوهرية لقلق الذات العربية على امتداد تاريخها·· ومثلما تبين أو انكشف وهم الحداثة (الغربية أولاً، ومن ثم كل حداثة أخرى) بأنها قتل سافر وبارد وسادي لكل ماسبقها من إرث كلاسيكي، ما دفع ماياكوفسكي المستقبلي للقول: ''ما حاجتي لتطعيم جسد حي بساق رومانسي أو كلاسيكي ميت؟''·· فإن ما بعد الحداثة كشفت خطل هذه الفكرة حول موت الماضي باعتباره مقبرة، إلى إحيائه باعتباره طائراً· لذا، فإن قانون التغيير والحرية، الذي فرض تطوير إيقاعات الشعر العربي من أيام أمرئ القيس إلى أيام قصيدة النثر، والذي تم اختزاله بالممل، هو عينه الحر في التبني، حريته في التخلي··· وهكذا فالشعر مفتوح على جميع احتمالات الإيقاع···
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©