الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة حرة ألوان الثياب

قراءة حرة ألوان الثياب
24 ابريل 2008 02:37
إذا كان لون البشرة قد شغل الشعراء كما رأينا، فتفننوا في إضاءة جمالياته وإيحاءته، فإن ألوان الثياب، وهي جزء من الذوق، وعلامة على الاحساس، ورمز اجتماعي في الآن ذاته، سواء كانت اختيارًا شخصيًا، أو سمة عامة، هذه الألوان تعد مظهرًا للثقافة والفن، وتاريخ الحضارة العربية بحاجة إلى حفريات عديدة، حتى يصير ملونًا بارز القسمات وليس شاحبًا بالأبيض والأسود كما نتوهمه عادة· وربما كان الشعر بعض هذه المناطق الحساسة التي قد نعثر فيها على صورة الحياة في أوضح تجلياتها، كما تبدو في أزياء النساء في العصور المختلفة· فهذا الشاعر العباسي ''كُشاجم'' يقول عن لونه المفضل، فيذكرنا بنزار قباني في قصيدته الشهيرة ''الفستان الأزرق'': أقبلت في غلالة زرقاء زرقة لُقِّبتْ بجري الماء فتوهمت في الغلالة منها جسد النور في أديم الهواءِ تلك بدر، وإن أحسن لونٍ طلع البدر فيه لون السحاب يصف المشهد الحركي مستقبلا لألوانه البهيجة، الحسناء تطل منه في غلالتها الزرقاء، لاحظ رقة الغلالة الشفيفة، محددًا بدقة درجة الزرقة من المائي إلى السماوي والكحلي، لكن التسمية الشائعة حينئذ كانت ''جَرْى الماء'' مما يوهم بتموجها، لكن الوهم الأجمل أن الشاعر تمثلها حينئذ كأنها ''جسد النور'' في ''أديم الهواء'' ؟ لاحظ حداثة التعبير، ثم انثنى ليرسم المنظر الكلي للمشهد، فهو بدر، ولابد لها أن تسبح في زرقة السماء· أما الوزير المُهَلّبي، وهو عباسي أيضا، فيقول بظرف لافت: تبدّى في قميص اللاذ يمشي عدوٌّ لي، يُلقّب بالحبيبِ وقد عبث الشراب بمقلتيه فصيّر خدّه كسنا اللهيبِ فقلت له: بم استحسنت هذا؟ قد أعجبت في زي عجيبِ فقال: الشمس أهدت لي قميصًا بديع اللون من شفق الغروبِ فثوبي، والمُدَام، ولون خدّي قريب من قريب من قريبِ وقميص اللاز، الذي أثار لواعج الوزير المتيم بمعشوقته، والمعذب فيها حتى يجعلها عدوًا يسمى حبيبًا، هو قميص من حرير يصنع بالصين كما تقول المعاجم العربية، وأحسب أن لونه كان ورديًا لأنه يضاهي شفق الغروب كما يقول الشاعر، على أن الحوار المتخيّل الطريف الذي يجسّد به الشاعر فتنته بالمشهد كله يصور هذا الإحساس الجمالي بتناسق المرئيات وإيحاءاتها الثرية؛ إذ ينتظم الثوب الحريري، مع تورد الخد وعبث الشراب في مقطوعة موسيقية واحدة تفعل تأثيرها في نفس المتلقي بالطريقة التي أحسها الشاعر وعبّر عنها، وتظل ميزة هذا الحوار المتخيّل أنه يضيف إلى إعجابنا بجمال الحسناء المروي عنها إعجابًا آخر ببراعتها في تمثيل هذا الجمال لغويًا وشعريًا بنوع من التقابل وحسن التقسيم الذي أضفاه الشاعر عليها فكساها بهاء على بهاء·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©