الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

على الحافة غوايات

24 ابريل 2008 02:38
ماذا لو حكم الشعراء والفنانون العالم، أو على وجه أصح ماذا لو تبوأوا مناصب الحكام والرؤساء في دولهم؟ هل ستتبدل صورة الكرة الأرضية، فتنتهي حروبها المتناسلة وتطيب الأزمات المناخية والبيئية، وتنتهي مشكلات الفقر والجوع والجهل والمرض؟ ليست لدينا إجابات حاسمة على مثل هذه الأسئلة الافتراضية، لكن هناك تجارب متناثرة تدل دائما على الشيء وعكسه· نعرف مثلا أن أدولف هتلر بدأ حياته رساما هاويا وحالما، لكن تطلعاته سحقت بالهزائم العسكرية والسياسية التي أصابت بلاده، فهجر الرسم إلى دور أكبر أراد من خلاله أن يسحق العالم، فكان له ما أراد وما لم يرد عندما اختار الانتحار داخل ملجأه البرليني الحصين· ومثله، كان غريمه الإنجليزي ونستون تشرشل· فقد كان رئيس الوزراء البريطاني الاستثنائي، في خضم مقارعته للفوهرر الألماني يهرب من مقر العمليات السري في لندن، أو من قمة تجمعه مع قادة الحلفاء، إلى ركن معزول يحمل فيه الريشة والألوان لكي يرسم مشهدا طبيعيا رائقا يستعيد به برودة الأعصاب الطبيعية عند الإنجليز والضرورية للقادة التاريخيين· ومن عالم شبيه جاء ماو تسي تونغ، فقد كان في مطلع شبابه يكتب مقاطع شعرية تفيض حماسا وحبورا، ولكنه عندما قاد ''المسيرة الكبرى'' نحو ''الثورة الثقافية''، أصبح العبوس دليلا على الالتزام الأيديولوجي، وأصبح كل إبداع فني لا يمجد الزعيم رجساً من أعمال الإمبريالية· بعد ذلك بسنوات حافلة قيّض لشاعر رقيق أن يحتل منصب الرئاسة في بلاده· فقد انتخب سلفادور الليندي رئيسا لجمهورية التشيللي في ظل موجة صعود اليسار الديمقراطي في أميركا اللاتينية· وقد مارس الليندي الحكم بروح الشاعر فلم ينتبه إلى سحب الأمطار النارية التي كانت تحشدها وكالة المخابرات الأميركية لكي تسقطها ذات ليلة صيف فوق رأسه· وفي تجربة شبيهة جاءت الديمقراطية بالكاتب التشيكي المعروف فاكلاف هافل إلى سدة الرئاسة، لكن وفي اللحظة نفسها كانت تخرجه من عالم الأدب·· أما الرئيس السينغالي ليوبولد سيدار سينجور، فقاد حركة التحول في بلاده من مستعمرة فرنسية إلى دولة مستقلة، من دون أن يفقد جذوة الشعر في داخله بل وأن يوظفها في سبيل دعم قضيته الوطنية· بعكس هؤلاء جميعا كان صدام حسين يستطيع الجمع بين قيادته المحترفة ''لأم المعارك'' وكتابته لفصول رواية ''زبيبة والملك''، وحينما كانت تتجمع نذر حرب الخليج الأخيرة كان يعد لها العدة بكتابة رواية ''أخرج منها أيها الملعون''·· فخرج منها· لكن يبدو أن غواية الأدب والكتابة قد حلت أخيرا عن ظهور أصحاب المناصب لتحل مكانها غاويات أخريات كما حدث في فرنسا ويحدث في روسيا·· وكلتاهما، الغوايات والغاويات، تدفع السياسي إلى أقاصي الغلواء أو الوهن·· adelk58@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©