الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سريلانكا والمشكلة الدائمة

31 مايو 2009 02:13
انتهت مؤخراً أخبار الحرب الشرسة والمعارك القاسية التي خاضتها حكومة سريلانكا ضد مقاتلي التاميل، وأخبار الفظائع والأهوال التي تعرض لها المدنيون المحاصرون بين نيران الحكومة وأعدائها في ذلك الشريط الضيق. ولم تعد تلك الأخبار التي شغلت أجهزة الإعلام المرئية والمقروءة لأكثر منذ ثمانية أسابيع بنفس الكثافة والاهتمام اللذين صحبا أيام المعارك الأخيرة. ورويداً رويداً ستسجل تفاصيل وروايات تلك الأيام في صفحات التاريخ. لكن من المؤكد أن النصر الذي حققته القوات العسكرية الحكومية وأعلنت بعده الحكومة أنه قد تم تحرير كل أراضي سريلانكا من المتمردين الإرهابيين لم تنه ولن تنهي الحرب التاريخية -وليس فقط حرب ربع القرن الأخير- الدائرة في قلب المجتمع السريلانكي والجراح والأحقاد والإحساس بالظلم من ناحية والاضطهاد العرقي الذي قسم المجتمع السريلانكي إلى «عشيرتين» متصارعتين. ظلم وإحساس بمرارته من ناحية الأقلية التاميلية واضطهاد عرقي -وما قد يتبعه من كل صنوف الاضطهاد السياسية والاقتصادية والتنموية.. الخ- من جانب الأغلبية السينهالية الحاكمة منذ إعلان استقلال سريلانكا من بريطانيا. وليس بهذه المقالة التقريرية متابعة ورصد أخبار وأهوال المعارك الأخيرة فقد فاضت وامتلأت الصحف وأجهزة الإعلام اليومية بذلك. وليس كذلك مقصوداً تصوير أخبار وأحاديث المظاهرات والاعتصامات الكبيرة التي شهدتها كندا -بخاصة مدينة تورنتو- التي نظمها الكنديون التامل أو التاميل الكنديون بصورة لم تشهد هذه البلاد من قبل. فكندا بعد الهند تحتضن جالية من أكبر الجاليات التاميلية، وفي مدينة تورنتو وحدها يعيش مائتا ألف تاميلي- كندي، ومن شاهد الأشرطة المصورة لمواكب وتظاهرات الأسابيع الأخيرة والتي نظمها اتحاد الطلاب التاميلي- الكندي وشاهد صور الأطفال وأمهاتهم وجداتهم وجدودهم وصفوف الأطباء والممرضات والممرضين والعاملين في المهن من التاميل التي شكلت سلسلة بشرية توقفت معها تماماً الحياة وتعذر السير في قلب المدينة العامرة، من شاهد وسمع كل ذلك سيتأكد له أن انتصار الحكومة المركزية وإعلانها تحرير الأرض -كما قال البيان الرسمي- لن ينهي الحرب ولن يجتث جذور المشكلة التاميلية التي يعتقد البعض أن عمرها أطول بكثير من عمر حرب ربع القرن الأخير. لماذا أقول ذلك؟ لأن تجربة التاريخ المعاصر والقريب جداً والبعيد قد أكدت أن «السلاح» لا يحقق النصر في الحروب الأهلية لأي طرف كان أقوى تسليحاً في وقت معين.. وأن «الأغلبية» العرقية المستندة إلى عددها الأكبر، وبالتالي لقدرتها على السيطرة على الدولة وأجهزتها وثرواتها وبقية سكانها من الأقليات الإثنية أو الدينية.. وهذه هي مشكلة سريلانكا والحكومات السينهالية التي ظلت تحكم البلد بـ«ديمقراطية الأغلبية». وقد بدأت أعراض الحرب الأهلية تظهر منذ إعلان الدستور وانتخاب البرلمان الأول ولم يتفهم الحكام أصحاب الأغلبية ولم يتفهم مهندسو الدستور حقيقة أوضاع البلد وظلوا يمارسون كل أشكال التهميش السياسي والاقتصادي ضد الأقلية من شركائهم في الوطن.. وكل المحاولات الدولية الخيرة التي حاولت جعل هذا البلد الجميل يتفادى الأهوال الذي تعرض لها في ربع القرن الأخير، وكل الاتفاقات والمفاوضات الدولية ومن أشهرها محاولة النرويج التي قادت عملية سلام بين الطرفين سرعان ما سقطت لأن المتطرفين من الطرفين كانوا مصرين على أن يأخذوا كل شيء ولا يتركوا للآخر شيئاً. وأنا أكتب هذه المقالة أستعيد وأذكر كيف بدأت صراعات أهلية مشابهة، كالحالة السودانية مثلا، فأتذكر حرب الجنوب والشمال، بمشكلة الجنوب وكيف تطورت من حركة أحزاب ديمقراطية تطالب بـ«الفدريشن» -فيما كان يقال في ذلك الزمن- وانتهت إلى ما يعرفه الجميع اليوم! واليوم إذا لم يبذل المجتمع الدولي جهداً صادقاً ومخلصاً لتغيير الحالة التي قادت لظهور «النمور» ومساعدة حكام سريلانكا لتضميد الجراح وإجراء التغييرات الدستورية المطلوبة التي تؤدي إلى المشاركة والشراكة الفعلية بين العشيرتين فستعود الحرب الأهلية مرة أخرى. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©