الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد محمد

أحمد محمد
1 يونيو 2009 01:33
حددت هدفها وقررت أن تصل اليه رغم انه يحتاج الى كثير من الجهد والصبر لكنه يمكن أن يتحقق.. فهي تحلم بأن تصبح طبيبة.. وكانت أسرتها تشاركها الحلم وتهيئ لها كل احتياجاتها في سبيل الوصول اليه.. فعزفت عن كثير من اللهو وتخلت عن اللعب.. ورفضت إضاعة الوقت فيما لا يفيد.. وانخرطت في الدراسة تضرب في بطون الكتب.. بعد أن أصدرت قرارا حاسما بإخلاء رأسها من أي شيء يشغل فكرها غير استذكار دروسها.. وساعدها على ذلك طبيعة شخصيتها الجادة. فكل من حولها يرون أنها أكبر من سنها.. وتكللت جهودها بالنجاح ووضعت قدميها على أولى درجات سلم الامنيات عندما التحقت بكلية الطب. ومنذ أيامها الأولى في الجامعة أصبح الجميع ينادونها باسمها مسبوقا بلقب الدكتورة.. كان ذلك يرضي طموحها حتى وان تظاهرت بالتواضع، وأحيانا بالخجل الطبيعي لدى الأنثى.. ومضت في طريقها العلمي بكل التزام.. لم تتأثر بحكايات زميلاتها وصديقاتها المراهقات عن الحب والغرام.. واللقاءات والسهرات ولم تنس أنها فتاة مثلهن ولها مشاعر وتتحرك مثل هذه الأحاسيس داخلها.. وقد تقع في حالة من تلك الحالات.. أو تعجب بشخص ما.. لكنها لا تترك لعواطفها العنان حتى لا تؤثر على مسيرتها أو تنال من شخصيتها وجديتها. وتخرجت الدكتورة "سماح" وأصبحت طبيبة وأضفى ذلك عليها مزيدا من الصرامة التي لم تصل الى حد العبوس أو تخرجها من طبيعتها النسائية.. ويكفي ان تدفع كل من في قلبه مرض لكي يبقى بعيدا عنها ولا يجرؤ العابثون على الاقتراب ولا مكان لمن تسول له نفسه شيئا من ذلك. لكن ذلك الشاب كان صنفا من الرجال لم تقابله في حياتها من قبل وهي تقترب الآن من الخامسة والعشرين من عمرها.. في عينيه سحر.. وفي كلماته جاذبية المغناطيس.. يبدو أنيقا في أبسط الملابس.. يهتم بهندامه.. جمعتهما الصدفة.. ربط بينهما الحديث عن أشياء عامة واهتمامات مشتركة.. وجدته رجلا يعرف كيف يتعامل مع المرأة حتى استطاع ان يجعلها تنشغل به.. بل وكثيرا ما تبادر بالاتصال للسؤال عنه والتلميح بالرغبة في اللقاء خاصة عندما علمت بالتقارب العلمي والوظيفي بينهما.. حيث أخبرها بأنه طبيب بيطري.. وغرقت في كلامه المعسول.. وتاهت في فضاء تعبيراته التي تدغدغ مشاعرها.. ففي كل لقاء يبادرها بالثناء على ملابسها أو طريقة تصفيف شعرها. ويستطيع أن يخترع فيها مميزات ومحاسن ولديه القدرة على أن يمنحها كثيرا من الأوصاف التي لم تكن فيها ويقنعها بأنها صاحبة أجمل عينين في الدنيا حتى انه ألقى مرة عليها بسيل من اللوم عندما وضعت على عينيها نظارة شمسية مستنكرا أن تخفي هذا السحر.. لا يتوقف عن التغزل في وجهها الطفولي أو رائحة عطرها.. حتى أحذيتها كان لها نصيب من مبالغاته.. ذلك كله جعلها تغوص في قاع بحره.. تجذبها الأمواج الى الداخل.. وتستمرئ هذا الوضع.. حتى انه مرة كان ينهي اللقاء معها غاضبا بشكل غير مسبوق عندما تحدثت عن عملها وظروف المستشفى والعيادة.. وفاتحته ببعض الاستفسارات عن عمله.. كنوع من الاهتمام به من جانبها لكنه اعتبر ذلك خروجا على النص.. حذرها بلسان شديد اللهجة بأنه لا حديث فيما يخص العمل بينهما ولا مجال له الا في مكانه.. فمكان العمل للعمل ومكان النزهة للنزهة.. والبيت للراحة والسكينة.. أكد لها أن مبدأه في الحياة كذلك.. فيجب أن يعيش الحياة بشكل صحيح منظم. انه يرفض ما اعتاده الناس في حياتهم من خلط كل شيء ببعضه.. لا يفرقون بين وقت الراحة ووقت العمل. ورغم قسوة كلماته.. وجدت نفسها أمام شخصية نادرة الصفات.. قليلة الوجود في هذا العصر واعتبرت هذه التوجيهات نوعا من الحب والحنان الذي أحاطها به.. وسهام عشق تخترق قلبها.. وقررت أن تكتسب منه النظام وهذه المزايا منذ اللحظة التي فاتحها فيها برغبته في الارتباط بها.. كادت تطير فرحا وهي تتلعثم ولا تعرف كيف تستجيب لمطلبه.. بالسكوت أم بالكلام.. غير أن النهاية بأي شكل كانت سعيدة وبدأ الاتفاق على الترتيبات لحفل الزفاف بعدما اصطحبها الى شقته التي يمتلكها في منطقة راقية.. لكنها مازالت خالية من الأثاث.. لأنه يرى ان الاختيار من حقها هي.. فهي مملكتها وهي صاحبة التصرف فيها. وفي الزيارة الثانية للشقة كانت تحمل لفافة بين يديها رفضت أن تفصح عما فيها إلا عندما وصلا هناك.. طلبت منه أن يغمض عينيه ليرى المفاجأة ففعل.. وعندما كشفت عنها. كانت لافتة نحاسية أنيقة تقول "شقة الدكتور منصور" وكعادته لم يفته ان يثني على ذوقها وحسن اختيارها للافتة وقيمتها والتي سيتم تعليقها على باب عشهما الذي كان بسرعة جاهزا لضمهما معا. وكان الزواج وسارت الحياة على ما عودها على طباعه.. وكان التزامها بها هو سر السعادة التى ترفرف على بيتهما.. حتى عندما أرادت أن تسأله عن مصطلح طبي.. أجابها بأن زبائنه غير زبائنها اكثر وفاء.. ولا يتكلمون ولا يعترضون ولا يشكون حتى من الألم.. وذكرها بمنهجه الحياتي الذي تعرفه وطالبها ألا تنسى ذلك حتى لا يكون سببا في طرد الاستقرار الأسري.. فضحكت من أعماقها وهي تؤكد له انه لن يتغير.. وتريده ألا يتغير وأن يستمر على ما عرفته عليه.. فهو كلمة السر التي لا يعرفها أحد والتي كانت وراء الحالة الرومانسية التي يعيشانها ويفتقدها الناس في هذا الزمان.. فمر العام الأول عليها وكأنه كله شهر العسل واعتادا أن يترفعا عن الصغائر. وأن يحولا المواقف الصعبة الى نكات وأحداث عادية ليتغلبا عليها.. حتى انه عندما كان منشغلا بحمامه الصباحي ودق جرس هاتفه المحمول.. التقطته لترد عليه. جاءها صوت المتحدث يريد الحاج منصور الحانوتي فأجابته بأن الرقم خطأ.. فأصر الرجل على موقفه لأنه يتحدث اليه كثيرا وأنه متأكد من الرقم ومن صاحبه وهو يعمل مساعدا له منذ عدة سنوات.. فاضطرت ان تقول له ان صاحب هذا الهاتف هو الدكتور "منصور" وليس الحاج "منصور الحانوتي".. وهنا طلب المساعد التحدث مع "الدكتور منصور" لينهي هذا الجدل العقيم معها.. فضحكت حتى كادت تقع على الأرض وهي تمد له الهاتف ليرد على المتحدث فالموقف في نظرها طريف فعلا والمصادفة غريبة لأنها جمعت بين الدكتور والحانوتي في نفس الاسم.. غير أن ما جعلها تصاب بالخرس وينعقد لسانها من المفاجأة.. وهي تحدق في زوجها بعد ما بدأ يرد على محدثه.. ويستجيب لمطالبه ويرد على اسئلته على طريقة الحانوتية ويأمره بأن يفعل اللازم في تجيهز الجثة ولوازم الغسل والكفن وغيرها الى ان يحضر. في البداية اعتقدت انها دعابة منه وأنه يجاري محدثه من قبيل التندر لكنها وجدت الأمر جادا وحقيقيا ولا مزاح فيه.. كاد قلبها يتوقف.. والدماء تتجمد في عروقها.. استعطفته أن يقول لها ان هذا الموقف غير حقيقي.. لكنه استدار ونظر اليها في برود وسألها ما الفرق بين الطبيب البيطري والحانوتي؟.. إنني اتعامل مع الآدميين.. بينما هو يتعامل مع الحيوانات. أصيبت بالجنون من قدرته على تمثيل هذا الدور بهذه البراعة.. في نفس اللحظة طلبت الطلاق.. ولملمت ما خف من حاجياتها وتركت البيت.. لكنه رفض مطلبها.. فخلعته حتى لا ترى زيفه مرة أخرى.. ورغم خلاصها منه بالخلع فقد حملت نفسها مسؤولية سذاجتها ونتيجة قراراتها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©