الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لقاء الأجداد والأحفاد إلى موعد جديد مع الذاكرة والخيال

لقاء الأجداد والأحفاد إلى موعد جديد مع الذاكرة والخيال
21 فبراير 2015 22:11
ساسي جبيل (أبوظبي) تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، انتظمت فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان قصر الحصن، الذي جاء هذا العام ليعكس روح الثقافة الأصيلة وعراقة الماضي. فقد أسدل الستار مساء أمس عن الدورة الثالثة للمهرجان الذي انطلق في الحادي عشر من فبراير الماضي، وسط إقبال كبير من الزوار الذين تفاعلوا مع مختلف الفقرات التي برمجها هذا العام، والتي تنهل في أغلبها من ذاكرة الناس وخيالهم، أي من المخزون المحلي والموروث الشعبي للمنطقة. وقد احتفل الفضاء المفتوح بمختلف البيئات والحرف الشعبية إضافة إلى العادات والتقاليد التي تلخصت في عدد من المناسبات مثل الهزبة أو من خلال الألعاب الشعبية المختلفة، أوالعروض الفنية التي شملت عددا من أنواع الموسيقى الشعبية المنتشرة في الإمارات أو من خلال مجلس «القهوة»، كما كان للشعراء مجلسهم حيث صدحوا بأروع القصائد، ولم يقتصر الأمر على هذه المظاهر الشعبية بل كان التاريخ حاضرا في المكان من خلال توثيق مسيرة قصر الحصن وتاريخه منذ تأسيسه إلى الآن، وأهم مراحل الترميم التي مر بها في حقب مختلفة. عروض ومعارض المهرجان في دورته الثالثة شهد أيضاً معرضاً خاصاً بتاريخ الحصن داخل القصر ذاته الذي مثل ذاكرة حية لإمارة أبوظبي التي بقيت رغم هذه الحداثة الظاهرة في عمرانها وفية لماضيها ومعالمها التاريخية التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الإمارة العاصمة، حيث كان القصر ولا يزال مركز المدينة النابض بالحياة، والمستمر في الحضور شامخاً وسط محيط مختلف تماماً أملته الحداثة والتطور العمراني الذي شهدته أبوظبي خلال العقود الأخيرة. عروض ومعارض وورش عمل عائلية وأفلام ومسابقات وجولات وعروض «ذكرى الأغنية الإماراتية» و«كي لا ننسى» وعرض «الرمال» و«ملامح من أبوظبي» وعرض «حبة رمل» وعرض «الخيول» وعرض «الطيور الجوارح» وحديقة الحيوانات في العين، ومعرض أبوظبي اليوم «مدينة التقاليد والحداثة» وغيرها من المشاهد التي يقف عندها الزائر مرسومة في فضاء المهرجان على شكلها الأول دون منمقات أو إضافات. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تجاوزه إلى ورش العمل العائلية والألعاب الشعبية وصناعة الفخار والطباعة المستوحاة من السدو والمطبخ الإماراتي والتلي والسينما من خلال عروض أفلام «بحر» و»الظل» و»سيمفونية الظلام» و»الميتم» و»أبجديات الأبوة» و»أصغر من السماء» و»ثلج وانتظار» و»إطعام خمسمائة» و»حالة غروب»، وكل هذه الأعمال الفنية رسمت لوحات مختلفة من واقع الشعب الإماراتي في كثير من التفاصيل الحياتية المهمة التي تؤكد تعلقه بهويته وامتداده التاريخي، وهو الأمر الذي بات اليوم حقيقة لا يمكن إغفالها بأي حال من الأحوال، حقيقة مفادها أن التمسك بالجذور من شأنه أن يرسخ في أذهان الأجيال حب الوطن والتعلق به والذود عنه، ومن شأنه أن ينقل تراث الأجداد إلى الأولاد والأحفاد. تعزيز الهوية مهرجان قصر الحصن، هذا الاحتفال السنوي يقام على أرض القصر ويحتفل بتاريخه، وبقرون من الثقافة الإماراتية وتقاليدها. يهدف بشكل أساسي إلى تعزيز مكانة الهوية الإماراتية والقيم التي يمثلها تراث الإمارات وتعريف المجتمع أيضاً بأعمال الترميم الجارية على المبنى العريق. وضم المهرجان هذا العام مجموعة واسعة من المعارض وورش العمل والفعاليات التاريخية والثقافية لتعريف مجتمع دولة الإمارات وزوارها على تراثها ضمن الحياة الثقافية الحديثة في أبوظبي. والملفت للانتباه في هذه الدورة أكثر من غيره هو إحياء دور المجمع الثقافي الذي انطلق منذ ثمانينيات القرن الماضي ليكون منارة ثقافية مشعة قدمت الكثير للمشهد الثقافي في الإمارات وخارجها، واستطاع أن يستقطب المفكرين والمثقفين من مختلف أنحاء العالم، ويبعث فيه الحياة من جديد في مؤشر على أنه سيعيد النشاط من جديد مثلما أفادت بذلك مصادر مطلعة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة الجهة الرسمية التي يتبعها المجمع. المجمع الثقافي الذي طالما احتضن الحركة الثقافية والفنية المعاصرة في العاصمة الإماراتية، أعيد افتتاح أجزاء من مبناه، وذلك لتنظيم فعاليات وورش عمل وعروض فنية، إلى جانب تعزيز الوعي بالمنهج المتّبع في الترميم والمحافظة على هذا الرمز للعمارة التراثية المعاصرة في أبوظبي. مكسب يتحقق وبإسدال الستار عن هذه الدورة الثالثة لمهرجان قصر الحصن تكون إمارة أبوظبي قد حققت مرة أخرى مكسبا آخر من مكاسبها الثقافية التي تنهل من جذورها وعراقتها، ولتلهم الأجيال بأن الإنسان ليس وليد يومه، وإنما هو امتداد في الزمان والمكان، وأن ما حوله اليوم من مشاهد حداثية لن يثني عزمه على معرفة ماضيه وموروثه الضارب في الأعماق، والذي يمثل مكسباً ثميناً لا بد من الحفاظ عليه، والعض عليه بالنواجز لتحقيق المصالحة بين أهل هذه الأرض وذواتهم، وفي ذلك أكثر من عبرة ومغزى وهدف تجلى بالفعل على أرض الواقع لينثر الفرح والاحتفاء بالتراث في المكان الأول وحوله في سيمفونية رائعة نسجت بأياد إماراتية جاءت من مختلف أنحاء الدولة لتحتفي بالمعلم وترسم لوحات ومفردات لن تمحي من الذاكرة. قصر الحصن في مدونات الرحالة والبحّاثة أبوظبي (الاتحاد) أرخ كثير من الرحالة والباحثين، تاريخ منطقة الخليج العربي التي كان في جوهرها النشاط الحضاري الجاري على الساحل. ومن بين تلك الكتب التي تلقي ضوءا على الدور الذي لعبه قصر الحصن الكتاب الذي يحمل عنوان «قصر الحصن: تاريخ حكام أبوظبي 1793-1966»، والذي يتوضح فيه أن على مدى قرنين من الزمن ظل قصر الحصن للحكم والإدارة لآل نهيان حكام أبوظبي، ورمزاً يؤرخ لمرحلة مهمة في تاريخ الإمارة وإنجازات حكامها التي مهدت الطريق لتحولها من مستوطنة ساحلية صغيرة إلى قوة اقتصادية وسياسية رئيسية على ساحل الخليج. ويعرض هذا الكتاب الذي أصدره ديوان رئيس الدولة ومركز الوثائق والبحوث في الإمارات لقصر الحصن الذي شهد نقطة البداية لنمو وتقدم عمارة أبوظبي، والذي يعتبر من أقدم الحصون والقلاع العديدة ذات البعد التاريخي في دولة الإمارات التي لا تزال باقية حتى الآن. فقصر الحصن الذي يربط الماضي بالحاضر يقف اليوم كأفضل شاهد على الإنجازات المجيدة لحكام آل بوفلاح أجداد آل نهيان العائلة الحاكمة في أبوظبي. ويقدم هذا الكتاب المبني على الخلفية التاريخية لقصر الحصن سرداً غير منحاز مستوفي الشروط البحثية العلمية لفترة تمتد لأكثر من مائتي عام من تاريخ أبوظبي، ويلقي الضوء على حكام آل بوفلاح الأحد عشر الذين حكموا أبوظبي في الفترة من1793 إلى 1966 بدءا من الشيخ شخبوط بن ذياب بن عيسى، وانتهاء بالشيخ شخبوط بن سلطان بن زايد، كما تتطرق هذه الدراسة الصافية إلى العديد من القوى والعوامل التي أدت إلى بزوغ الإمارة لتصبح أهم إمارة من الناحية السياسية والاقتصادية على شاطئ الخليج. وفي كتاب آخر يحمل عنوان « رحلة عبر الخليج العربي من البصرة إلى مسقط» لانغريت نيبا وبيتر هربسترويت، ويتضمن صور نادرة للرحالة الألماني هارمان بورخارت وهو من ترجمة وتعليق الدكتور أحمد إيبش، يعرض هذا الكتاب وقائع رحلة إرتياد لبلدان منطقة الخليج العربي في مطلع القرن العشرين. وخلال هذه الجولة وصل بورخارت إلى أبوظبي قاطعا صحراء الربع الخالي، وهنا يتحدث عنها قائلا: «ثمة حصن كبير يسيطر على البلدة الصغيرة المتداعية التي تمتد على طول الساحل وليس هناك سوى قليل من أشجار النخيل، وبقربها بئر سقينا منه أباعرنا (......) كانت بوابات الحصن مغلقة ومقفلة بالرتاج، ولم يكن ثمة أحد، فقمنا بتنزيل الأحمال من جمالنا واستلقينا لننام في ظل الحائط، كانت بالقرب منا بعض المدافع الصغيرة نصف مطمورة في الرمال..»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©