الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد الكندري: الاختيار متروك للفرد.. فهناك العاشق المجنون وهناك الخارج على القانون

محمد الكندري: الاختيار متروك للفرد.. فهناك العاشق المجنون وهناك الخارج على القانون
2 يونيو 2009 01:25
الناظر إلى أحوال الناس يجدهم في صور شتى، منهم من تتحكم به انفعالاته وتسيطر عليه حتى يفقد صوابه في اتخاذ الاختيار المناسب، ومنهم من يكون هو قائد انفعالاته ويسيطر عليها ليحدد الاختيار المناسب، ومنهم من ترك نفسه للناس فهم الذين يختارون، وهو عليه أن ينفذ إرضاءً لهم أو ابتعاداً عن المشاكل. والسؤال المهم كيف يمكن للفرد أن يخفف انفعالاته ويسيطر عليها في ظل الضغوط اليومية، بوسع محمد علي الكندري الخبير في التنمية البشرية، واستشاري العلاقات الأسرية، تخصص إرشاد أسري، أن يجيب عليها. يتحدث الكندري عن الاختيار وجدلياته، ويفضل أن يبدأ بسرد قصص عن ذلك، حتى يقرب الموضوع ويقول: أفضل أن أتحدث عن طريق سرد بعض القصص لتيسير الموضوع للمتلقي: ابنتي عنيدة امرأة تشتكي من سلوك ابنتها، فهي عنيدة في تصرفاتها، وترفض إطاعة الأوامر ولا تريد حل الواجبات المدرسية. انعكس ذلك على الأم فأصبحت تعاني من القولون والصداع النصفي، يتبين لنا من القصة أن الأم أصيبت بالأمراض من خلال عدة مراحل متتالية: • المرحلة الأولى: عندما يقفل باب الحوار وتفشل معظم الأساليب اللينة، تصاب الأم أولاً بالإحباط واليأس والملل. • المرحلة الثانية: بدأت الأم باستخدام أساليب التحكم لتغير سلوك ابنتها بالقوة، ومن أساليب التحكم الضرب، التهديد، الحرمان، العقاب، النقد،اللوم، التجريح... الخ، ومع ذلك استمرت البنت بالعناد، وقد يكون العناد نوعاً من ردة الفعل، أو طريقة للتعبير عن عدم الارتياح. • المرحلة الثالثة: بدأت الأم تقلق وتفكر كثيراً بحال ابنتها وما وصلت إليه، ولا تستطيع أن تعزل نفسها عن التفكير لأن البنت معها في المنزل، وإذا ذهبت الأم لزيارة الأقارب يبدأ الحديث معها عن المشاكل التي تواجها في المنزل مع تلك البنت العنيدة. • المرحلة الرابعة: كثرة فترات الهم والغم والانعزال عند الأم، وبدأت تسلك بعض السلوكيات السلبية في التعامل مع تلك المشكلة، هي تحب أن تجلس لوحدها في غرفة منعزلة لفترات طويلة، مما سهل في النهاية أن تصاب بمرض القولون. نلاحظ من تلك القصة الواقعية أن ما كانت تعاني منه الأم في السابق من سلوك سلبي من البنت وانعكس بعد ذلك على الأم، لأنها تحاول تغيير سلوك البنت بالقوة، ومع ذلك تدمرت العلاقة بينها وبين ابنتها وأصيبت هي بأمراض جسدية. إذا أردنا أن نحفظ أنفسنا من الأمراض الجسدية علينا أولاً إمّا تأجيل الانفعال لوقت آخر، أو إظهار الانفعال بشرط أن لا يهدم العلاقة ويدمرها، وأعتقد أن الأسلوب الأمثل في ضبط الانفعال هو أن نترك الآخرين يختارون ما يريدون، ويتحملون أخطاءهم في ظل الضوابط والمعايير التي يتفق عليها. من هو القوي؟ يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». نعم القوي هو الذي يقود انفعالاته ويتحكم بها، والضعيف هو الذي يترك انفعالاته تتحكم به. وعادة يحاول البشر الاحتفاظ بالأشياء الثمينة سواء كانت أموالاً أو سيارات أو أثاثاً، وينسون أنهم يمتلكون كنزاً ثميناً، أغلى من كل شيء ألا وهي النفس، وقد يحاول البعض الاحتفاظ بالآخرين، وهم الأبناء والزوجة وينسي نفسه إلى أن يصاب ببعض الأمراض وبعدها يتعلم أن نفسه أهم من الزوجة والأولاد، ولا يعني ذلك أن يتخلى عنهم، بل أن يسعد ويفرح معهم دون أن ينسى نفسه. ومن العادات الخطيرة عند بعض الأفراد، عادة إلقاء اللوم على الآخرين، حول ما يحصل له من متاعب وأمراض، فيقول: أنا أصبحت عصبيا بسبب الأولاد، وصرت إنساناً انطوائياً بسبب المسؤول، ووصلت إلى التعاسة بسبب الزوجة. من يختار سلوكك؟ السؤال المهم، هل يتحرك الفرد وفق ما يتعرض له من مؤثرات خارجية، أم أنه يختار السلوك الذي يريد؟ وللإجابة على السؤال، أطرح المثال التالي: لو فرضنا أنَّ الزوجة انفعلت ثم قالت كلمة سلبية للزوج. وتكرر نفس الموقف مع الأم وانفعلت وقالت كلمة سلبية للابن، فهل سلوك الزوج مع زوجته يكون نفس السلوك مع الأم، علماً بأنَّ الموقف هو نفسه مع اختلاف الأشخاص؟ بلا شك نجد أن الأشخاص يختلفون في تعاملهم تجاه زوجاتهم وتجاه أمهاتهم، ولكن من الذي حرك الفرد وجعله يتلفظ بكلمة سلبية ويرد على الزوجة، ولم يتلفظ على الأم، هل المثير الخارجي هو الذي حدد نوع الاستجابة، أم أنَّ الفرد هو الذي اختار ما يناسبه من سلوك. قد يعتقد البعض أن الضغوط الخارجية هي التي تتحكم به وتجبره على اختيار سلوك واحد، وهذا غير صحيح، لأننا نمتلك القدرة على اختيار ما نريد من سلوك حسب الموقف، ولسنا مسيرين في هذا الكون، بل مخيرين في ما نملك. وكما أنَّ الفرد يستطيع أن يختار لنفسه ما يشاء من ملبس ومأكل ومشرب، فهو يستطيع أيضاً أن يختار انفعالاته، أي أن يختار الفرح بدل الحزن، والهدوء بدل العصبية، وتأجيل الحل بدل اتخاذ القرار. والخطوة الأولى للتغيير أن تذكر نفسك أن ما تفعله نابع من اختيارك، ولست مجبراً على اختيار سلوك معين، وأنَّ تأثير الظروف الخارجية يقتصر على معلومات انتقلت من الخارج واستقرت في العقل، وبناء على المعلومة الداخلية أنت الذي تحدد السلوك المناسب لكل موقف. القدرة على الاختيار اعلم أنك إنسان قوي، وأنّك قادر على الاختيار، وأن الله خلقك في أحسن تقويم، وترك لك حرية الاختيار في الدين، ويقول سبحانه وتعالي في كتابه الكريم «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا» الكهف (29) لهذا فالإيمان اختيار لمن يريد وكذلك الكفر اختيار لمن يريد. ولنا الحرية المطلقة في الاختيار بأن نصلي أو لا نصلي، ولنا الاختيار في أن نصوم أو لا نصوم، وكل عبادة من العبادات نحن مخيرون في فعلها أو عدمه، ومن يفعلها يحصل على الأجر والثواب العظيم، والنهاية تكون الجنة، ومن يتركها يتحمل الوزر والعذاب الأليم يوم القيامة. وحتى قوانين المرور والعمل نحن مخيرون فيها، كذلك الناس يختارون سلوكياتهم مع وجود القوانين، فمن الناس من ينتظر الإشارة الضوئية لأنه يعلم أنه إذا تعدى وخالف سوف يلاقي العقوبة، وفي الجانب الآخر يوجد ناس يختارون المرور وكسر القانون، ولذلك فإن استجابات الناس نتيجة اختياراتهم وليست رغما عنهم. والقوانين لا تستطيع أن تجبر الفرد على سلوك معين، ولا تستطيع أن تجره من يده وتكبله ليفعل وينفذ القانون بالقوة، بل هو الاختيار متروك للفرد ومن يخالف يلقى عقابه. خيار العاطفة منطق التخيير ينسحب على العلاقات العاطفية أيضاً، وأعلم عن حالة لشاب تعلق بفتاة واحبها حباً جماً إلى درجة أنَّه طلب يدها من والدها. ولكنَّه لم يحظ بالقبول بسبب اختلاف المذاهب. وأصابه في عقله ما يشبه الجنون، ولم يستطع أن يراها بعد ذلك، حتى وصل به الأمر في النهاية إلى دخول مستشفى المجانين. الشاب هو الذي اختار أن تكون حياته على هذا النمط، وليس ذلك فرضاً أو خارج نطاق الاختيار، هو اختار أن يتصل بها عن طريق الهاتف، كما اختار أن ينظر إلى صورتها كل ليلة قبل النوم، و أن يستمع للأغاني التي تتكلم عن الحب وفقدان الطرف الآخر، ولو أراد الشاب أن يخفف المعاناة التي يمر بها، ما عليه إلا أن يغلق كل باب يذكره بالطرف الآخر سواء كان عن طريق الاتصال أو المشاهدة أو السماع أو الحديث مع الصديق. والفرد بحاجة إلى تعويد نفسه على سلوكيات إيجابية، واختيار ما يناسبه من سلوك بشرط أن يحافظ على العلاقة التي بينه وبين الآخرين. قيس اختار عذابه مع ليلى الحب لنا فيه اختيار وقد كنت أستغرب كثيرا من قصة قيس وليلى وكيف ضحى قيس بحياته من أجل ليلى وظلّ يعاني طيلة حياته علما بأنه كان لديه أختيار في إيجاد امرأة أخرى، ومع ذلك اختار قيس تلك المعاناة وما أراد أن يغيرها علما بأن أباه أخذه مرة إلى الكعبة بيت الله الحرام، وقال له يا قيس ادعو الله أن يخلصك من حب ليلى فتوجه قيس إلى الكعبة ورفع يديه إلى السماء وقال اللهم أمتني على حب ليلى، فقيس اختار أن يستمر على حبه واختار أن يستمر في معاناته واختار أن يحدد مستقبله التعيس. وقد مرت علي حالات قد تكون أصعب من قيس وليلى وكأن الزمان يعيد نفسه والأشخاص يختارون نفس السلوكيات السابقة ويعتقدون أن الأمر ليس بأيديهم.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©