السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سيزون أوف ذا ويتش» يقود المشاهد نحو المتاهة

«سيزون أوف ذا ويتش» يقود المشاهد نحو المتاهة
24 فبراير 2011 20:02
حاز فيلم «سيزون أوف ذا ويتش» الذي عرض مؤخراً في الصالات الإماراتية على اهتمام المشاهدين، وذلك لتفرد واستثنائية طرحه. (نيكولاس كيج) أو «بهمن» في ليس بطلاً بالمعنى المألوف لأبطال السينما، هو لا يملك تلك الثقة الراسخة بالنفس، ولا يبدو مدركاً لحقيقة مواقفه، ولا مطمئناً إلى سلامة قرارته أيضاً، يمكنه، في أحسن حالاته، أن يكون مشروع بطل يحتاج إلى بعض الأشياء الغامضة كي يكتمل. الفيلم من إخراج دومينيك سارا، بطولة نيكولاس كايج، رون برلمان، وكلير فوي.. لمرة نادرة تكون الشخصية الرئيسية في فيلم سينمائي على هذا القدر من الإرباك والتعثر. أبوظبي (الاتحاد) - يعود بنا الفيلم إلى الحروب الصليبية في القرن الرابع عشر، حيث مرض الطاعون يتفشى في مختلف الأوساط الاجتماعية، وحيث لا يملك الناس من وسائل لمكافحة آفات الحروب والأمراض سوى اختبار التعاويذ المختلفة، والهروب من الوجوه المتنوعة التي يتمظهر الشيطان من خلالها. في الكنيسة المحاصرة بالموت والمرض يكون البحث عن الشيطان قائماً على قدم وساق، وتتم الاستعانة بـ»بهمن» للعثور على أصل البلاء، ثمة مقولة عن ساحرات كان يجري قتلهن ورمي جثثهن في الماء، لكنهن كن يستعدن حيواتهن بمقدرة ساحرة أي انه كالعادة، كان الأموات أقوى من الأحياء، وأكثر قدرة على التسبب بالإرباك. يتلقى اثنان من الفرسان (بهمن أحدهما) أوامر بنقل ساحرة نحو أحد الأديرة البعيدة، وذلك لمحاكمتها بالمسؤولية عن التردي الحاصل. ينطلق الفارسان لتأدية مهمتهما في حين يكون الرهبان مشغولين بتأدية الصلوات لوقف الموت الزاحف نحو البلاد عبر وباء الطاعون الذي لا يبقي ولا يذر. فوضى العقل ثمة كثير من الفوضى في الدروب المقفرة لا يسعها إلا أن تلقي بظلها على النفوس والعقول، أسئلة متناقضة تدور في الرؤوس الحائرة: هل هي حقاً حكاية غضب إلهي وانفلات شيطاني من عقال الضبط، هل نحن أمام مرحلة الساحرات اللواتي امتلكن عوامل القوة والسيطرة، وتفوقن على وسائل التصدي لهن بعد أن كان أمرها موكولاً للكنيسة ورهبانها؟ هذا الارتباك أكثر ما عكس نفسه في ذهن بهمن الذي بدا حائراً إلى أبعد حدود الحيرة، دائم التساؤل ما إذا كان يخدم شعبه وبلاده فعلاً بقتله بعض النساء ممن وجهت إليهن تهم الشعوذة، وما إذا كان يمارس دوره الحقيقي كفارس أوكلت إليه المهام الجسيمة، إذ هو يقود الفتاة المتهمة بالسحر نحو نهايتها. أقل من بطل تساؤلات بهمن لن تظل طويلاً حبيسة عقله الحائر، وها هو يفاتح زميله في المهمة بحقيقة ما يجول في خاطره: ليس صحيحاً بالضرورة أن هذه الفتاة الجميلة هي من تسبب بكل هذا البلاء العظيم، وقد يكون، لعله يجب أن يكون، هناك أسباب أخرى أكثر منطقية تحتم حصول ما حصل، كايج يقترح، ولا يفعل أكثر من ذلك، أن تترك الفتاة في حال سبيلها، وأن يجري البحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدهور الوضع نحو دركه السحيق، طبعاً لا تلقى اقتراحاته الخجولة صدى أو قبولاً في أذهان المعنيين من أهل الكنيسة، وإن كانت تلقي بظلها الإيجابي على نفوس المشاهدين الذين يرون أنفسهم ميالين لتصديق هذه المقولات، ومنحازين لفتاة نحيلة الجسم، تبقى محافظة على جمال متأصل برغم شحوب الأسر، ومتاعب الرحلة نحو الموت. أسئلة المشاهد المتابع للفيلم لا يملك في الجزء الأكبر من سوى السؤال عن البطل الذي اعتاد وجوده في مثل هذه اللحظات العصيبة، فدائماً كان هناك منقذ ما يتولى مواجهة التحديات وتتعاظم قدرته على المواجهة مع تفاقم الصعوبات التي تعرضه، هذا النوع من البطولة كان الغائب الأكبر عن مسار الأحداث، أو لنقل أنه كان محط انتظار المشاهدين الذين وجدوا أنفسهم في خضم معركة متكافئة وسط غياب الفرد الذي ينهض بأعباء التصدي للمأساة وإنقاذ الضحايا. هي معركة غير متكافئة، بأبسط التوصيفات تشاؤماً، وهو أيضاً نسق غير مألوف من المشاعر المشاهدية، إذا جازت التسمية، حيث نجد أنفسنا كمتابعين ملزمين بالتعاطف مع الضحايا الذين يفتك بهم الطاعون دون رحمة أو هوادة، وفي اللحظة نفسها يكون علينا أن نستنكر إصرارهم على تحميل أسباب الكارثة التي ألمت بهم لبعض النسوة ممن لا تعوزهن الرقة والأنوثة، وكأن الضحايا هنا يبحثون عن ضحايا لتستقيم الأمور، ويتحقق التوازن المنشود، وإن كان نوعاً من الوهم الصافي الذي لا تخالطه شائبة من شوائب الحقيقة. نمط تجريبي بينما تدور أحداث الفيلم في حلقتها المفرغة يكون على المشاهد الباحث عن فحوى ما أن يهيئ نفسه لمناقشة فكرة جديدة تطرحها السينما عليه، مفادها أنه بوسع فيلم سينمائي أن يتكئ على عملية سرد للأحداث دون اعتماد التقنية التقليدية المتصلة بمقدمة وعقدة وحل، نحن أمام نمط سينمائي تجريبي إذن، ولنترك الحكم بشانه إلى ما ستسفر عنه النقاشات التي سيثيرها لاحقاً. بطل غير متوقع ثمة ملاحظة تلفت الانتباه وهي أن كل الذين يدعون للتخلص من الفتاة الأسيرة كانت تدركهم نهايتهم المأسوية بأشكال شتى، فهل يتعلق الأمر بلعنة ربانية أم بقدر شيطاني؟ أمكن لهذا السؤال أن يضخ بعض الحيوية، وأن يخرج الأحداث من رتابة بدت ملازمة لتفاصيلها، حتى ينكشف المستور في الخاتمة، فبالوصول إلى الدير المقصود حيث يتعين على الفتاة الأسيرة أن تواجه مصيرها المأسوي، يتضح وجود نسخة من كتاب النبي سليمان، هي الأخيرة على الكرة الأرضية، ويتبين كذلك أن هذا الكتاب هو المستهدف من قبل الشيطان الذي يقف خلف الأحداث كلها، والذي يكون متنكراً، للمفارقة، في شكل الأسيرة الجميلة التي لم يتردد المشاهد، والبطل قبله، في إبداء التعاطف معها، ليكون الاثنان ضحية لعبة إغواء شيطاني محكمة، الكتاب إذن هو البطل الحقيقي، وهو الذي سيسعه إنقاذ الموقف، وبإمكان المشاهد أن يوافق على ذلك ويتبنى الفكرة، كما بإمكانه أن يعيد الأمر إلى مجرد عملية ترويج لمقولة لاهوتية تقبل النقاش، وتحتمل الصحة أو عدمها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©