الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مساكن الروح

مساكن الروح
3 يونيو 2009 00:53
كنت قد كتبت سلسلة من المواضيع عن المهن الإماراتية المندثرة، التي شكلت في السابق عصب الحياة الاجتماعية، ولظروف ما للأسف لم أواصل كتابتها، بعد أن حصرت عشرات المهن التي كانت سائدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولكن لأهمية تفاصيل المساكن التي سكنت روح الأهالي قبل أن تسكنها الأجساد، كان يجب طرحها من جديد لتعريف الأجيال الجديدة التي لم تع الحياة البسيطة الجميلة التي عاشها الآباء والأجداد. .. كانت المهن في السابق تعتمد على المبادئ والأخلاق لا يمكن لأحد أن يحيد عنها باعتبار أن هذه المبادئ شكلت عرفاً اجتماعياً، من بين تلك المهن مهنة بناء (العريش)، المنزل التقليدي الصيفي لأهل الإمارات والخليج العربي في السابق. .. و(العريش) حرفة تجمع أكثر من حرفة، فمن أجل أن يستطيع الإنسان أن يبني مسكناً من جريد النخل كان عليه أن يتقن كل المهن التي تقدم له أدوات البناء، وعليه مثلا، أن يتقن جرد الحبال من ليف النخلة، ونسج الحصر من سعفها، وصنع الدعامات (الصمايد) من جريدها، وعليه بشكل أساسي أن يتشرب الهندسة التقليدية للبناء. وينقسم العريش إلى نوعين خيادي ولقط أو مقصص، وكلاهما مسكنان صيفيان لكنهما يختلفان في الجهد، والمقاس، والرغبة والمقدرة المالية على التكاليف، فالخيادي أقل جمالاً وجهداً وأقل ثمناً من عريش اللقط، حيث يستغرق بناؤه أسبوعاً فقط.. أما اللقط فيحتاج إلى 20 يوماً، وذلك لأنه يحتاج لمزيد من التفصيل في استخدام جريد النخل، ففي الخيادي كاملة دون قص فقط يتم الاكتفاء بسحلها بأداة تسمى (الكافود) لتجريدها من السعف من أجزائها السفلية للتهوية. وأيضاً يتم تدعيم محيط العريش أو جدرانه بدعامات أفقية من الداخل والخارج، وهي عبارة عن حزمة من الجريد العاري يتم ربطها معاً، وتمتين جدران العريش بها، وتسمى (خيدة) ويتم ربطها بالسعف (الخوص) ومن هنا أخذ هذا العريش اسمه (خيادي)، أما عريش (اللقط) فيتم اعتماد نفس نظام التهوية للعريش من الأسفل، مع قص الأطراف العلوية للجريد المحتفظ بسعفه في الأعلى، ومساواتها في مستوى ارتفاع واحد، أما بالنسبة للدعامات الأفقية فتكون في (اللقط) داخلية فقط، وطريقة تثبيت جدران العريش بها بواسطة حبل رفيع بها جمالية ملحوظة، ومن هنا أخذ عريش (اللقط) تسميته، فلف الحبل على الصمايد بطريقة حلزونية، وتثبيت الجدران بها لإعطائها متانة أقوى تسمى عملية (اللقط)، وهو أمر غير موجود في عريش (الخيادي)، أما بالنسبة للسقف، ففي الخيادي يرتفع طولياً بعارض واحد يسمى (ماد) تقطعه أفقياً عارضتان خشبيتان تسميان (صور) وتستخدم (الحصر) في التغطية، وأحياناً السعف، أما سقف اللقط فيرفع بعارضين كبيرين (مادين) وتقطعه أكثر من عارضة، وتستخدم لتغطيته (الدعون)، وهي عبارة عن مجموعة من جريد النخل العاري، تربط مع بعضها أفقياً بالحبال لتشكل جدار السقف، ولها استخدامات أخرى أيضاً كأرضية للنوم أو للجلوس. إبراهيم العسم كانت النخلة للإنسان كل شيء تقريبا، فهي مطعمه و مأواه و أثاث مسكنه، و هي منجم كل أدواته المعيشية، و من هنا كان لابد لهذا الإنسان من أن يحترف التعامل مع هذه الشجرة الأم، فصار بناء و نجاراً و نساجا ( سفافاً) و صانع حبال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©