الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحناء أيقونة فنية وأنامل يمنية مبدعة

الحناء أيقونة فنية وأنامل يمنية مبدعة
7 مايو 2016 20:35
مهجة أحمد (عدن) تزين ربوع اليمن السعيد، العديد من الأعراف الاجتماعية والتقاليد الشعبية التي يحرص اليمنيون على التمسك بها والمحافظة عليها، فنقش الحناء والخضاب، من العادات الاجتماعية المفضلة التي اشتهرت بها اليمنيات، بل وحاجة ملحة تصر عليها اليمنية، لإبراز جمالها ومفاتن الزينة لديها. فهذا الموروث الشعبي الفني بمظاهره الثقافية والرمزية، له مكانة متميزة لدى غالبية النساء، مقارنة ببقية مواد الزينة ومستحضرات التجميل الأخرى، بوصفه عنصر الإثارة والجذب الذي عادة ما تلجأ إليه كثير من الراغبات في التميز في المناسبات والحفلات والأفراح من خلال نقوش من الحناء، تأخذ أشكالاً ورسومات فنية دقيقة ورائعة وبديعة، تضفي على المرأة مزيداً من الحسن والرونق والجمال. خصوصية نقش الحناء فيما يتعلق بنقشة الحناء اليمنية، طقوسها وطريقة عجنها، تتحدث لـ«الاتحاد» ممن تمكنت من ممارسة هذه المهنة اليدوية الشائقة الوالدة أسماء ناصر صالح، في العقد الرابع من العمر، تمتهن نقش الحناء كهواية مفضلة، تشتهر بإجادتها الرسم، والخفة والرقة فيما ترسمه، وتعتبر النقش وسيلة لجلب الرزق الجيد، ومناسباً لعمل المرأة، تقول: «إن مسحوق الحناء قبل أن يصبح وسيلة لنقش وتزيين جسد المرأة والرجل على السواء، يحضر بتجفيف أوراقه الخضراء في الشمس، ثم يطحن وينقى من الشوائب، ويكون لون المسحوق في البداية أخضر، ثم يحمر لونه، وحينما يتعرض للهواء يتحول إلى عجينة دقيقة وقاسية صلبة بعد أن تعجن بالخل أو الليمون، ثم تخمر لمدة ساعة من الزمن، إلى تصبح جاهزة للنقش والخضاب والزينة على جسد وأطراف المرأة». وأضافت: «يختلف نقش الحناء في وقتنا الحالي عن السابق، خاصة ما يتعلق بالتفاصيل والتصاميم، حيث امتزجت بثقافات أخرى كالهندية والسودانية، لكن تظل كثير من النساء اليمنيات يحافظن على إبداع وأصالة النقش اليمني المعروف عند الجميع»، موضحة أن أشهر أنواع النقوش بالحناء ما يطلق عليه نقش اللحام المعقد، وهو قديم يكون على شكل خطوط من الحناء، منها الثخين الذي يرسم على شكل خطوط وأشكال هندسية، وخط أبو سيف، نسبة إلى طول السيف، مروراً بنقش الظبي، وخطوط النقش تأخذ من أشكال قرون الغزال وغيرها من الرسوم والنقوش المفضلة لدى المرأة. وواصلت حديثها: «والنقش بالحناء يختلف من امرأة إلى أخرى، حسب الميول والرغبة، كما أنه يختلف بين الفتيات العازبات والنساء المتزوجات وكبار السن، كل واحدة منهن لها ذوق خاص بها وعادات تتقيد بها في وسط مجتمع محافظ له ثوابت وقيم يحترمها، فالشابات والفتيات يقتصر نقش الحناء عندهن على ما يظهر من اليد والأرجل فقط، ويكون عادة ذا رسوم رقيقة وخفيفة، بينما المتزوجة تكون لها حرية أكبر في النقش على جسدها، أما كبار السن يفضلن ما يوضع على قبضة الكف وتلوين الأصابع، وقد يأخذ النفش بالحناء أشكالاً مختلفة كالزهور والزخارف الكبيرة الممتلئة على كامل اليد أو رسوم هندسية دقيقة متداخلة مع بعضها، يتم ربطها وتداخلها لتعطي في نهاية النقشة شكلاً فنياً إبداعياً منحوتاً ذا طابع جمالي لافت للنظر». وتصف أسماء طريقة تحضير الحناء للنقش، بالقول: «تبدأ بخلط الحناء مع قصب السكر الطبيعي، ثم تُغلى على القدر، وعند غليان الحناء، يصير لونها أحمر مع ميلان نحو الأسود، أقرب ما يكون إلى مادة الخضاب العفصي، لكن يظل الجانب الفسيولوجي ولون البشرة تفعل فعلها في تحديد مزاج المرأة التي تريد النقشة والتزين، ما إذا كان بالحناء أو الخضاب على الطريقة القديمة، لكن يظل المرغوب عند النساء اليمنيات هو خلط الحناء مع البنزين أو مادة التينر وبعض الأدوية الخاصة بالحناء والليمون للحصول على نقشة حمراء غامضة، وبعد الانتهاء من النقش، يتم وضع بعض من العطور أو الزيوت لبقاء النقش فترة أطول»، موضحة أن الفترة الأخيرة شهدت إقبالاً على استخدام المستحضرات التجارية «كالصبغة السوداء» في النقش والتزين كوسيلة بديلة عن الحناء، ويعود السبب إلى انتشار هذا النوع من الطلب لكلفته البسيطة، ووجوده في جميع الأسواق والمحال التجارية، والنتائج السريعة التي تظهر عند استخدام الصبغة السوداء في الرسم والتزيين، وهو نوع مفضل لدى الأجيال الجديدة التي تبحث عن السرعة والنتائج الباهرة». أصالة نبتة... وبراعة الأنامل يتميز نقش الحناء اليمني عن بقية الحناء، بجودته وبقائه على بشرة اليدين أطول فترة ممكنة، ويرجع هذا السبب لعوامل عدة ساهمت في ذلك، منها صناعي ناتج من المواد المضافة التي تقوم بها «المنقشة» أو «المزينة»، ومنها الطبيعي المرتبط بزراعة هذه النبتة اللونية، وهنا يحدثنا الوالد، عبد الباسط المقبلي، صاحب محل عطارات وبهارات بسوق الحدادين في مدينة عدن، حسب حذقته وفطنته ومعرفته بوريقات الحناء التي يبيعها ويحتويها متجره القديم، يقول: «تعتمد زراعة الحناء في اليمن على الجذور، أي تزرع نبتة الحناء بالجذور وليس بالبذور، وحصاد محصول الحناء يكون على 4 مرات في السنة، إلا أن محصول فصل الصيف يكون أفضل من محصول فصل الشتاء». وأضاف: «تترك الأوراق في الهواء لتجف مدة يومين كاملين، لتأتي مرحلة فصل الأوراق عن الأغصان، حيث تضرب بواسطة سعف النخل أو العصب فتسقط الأوراق، لتصفف مرتين، أي على مرحلتين، فبعد انتهاء الفريق الأول من نزع الأغصان، يقوم فريق ثانٍ بإعادة نزع ما لم يتمكن من نزعه الفريق الأول، وتعبأ بعدها في أكياس كبيرة بانتظار إعادة تعريضها للشمس مرة ثالثة قبل عملية الطحن لمدة نصف يوم أو ساعتين فقط، حسب درجة الحرارة، لتطحن وتغربل مرات عدة إلى أن تصبح جداً ناعمة، وتوجه بعدها للتعبئة في أكياس التغليف، أو تمزج وتحضر في أنابيب صغيرة جاهزة للاستعمال والنقش بها على اليدين، وعن الفرق بين الحناء والخضاب المستخدم في النقش، فالحناء، مادة بنية داكنة اللون ومائلة للحمرة، حيث توضع عجينتها على راحة اليد والقدم وأطراف الأصابع، وأحيان أخرى تُطلى فوق رسمة ورقية توضع على الساعد، بينما الخضاب مادة مشهورة لا تقل مكانتها عن الحناء، وهي عبارة عن مادة حجرية سوداء، يتم تذويبها في وعاء به ماء ساخن، وتلتقط عجينتها السائلة إبرة أو قلم معدني، ومن ثم رسم أشكال جميلة على الأيدي والسواعد والأرجل في أشكال فنية غاية في الروعة، ويشيع استخدام هاتين الوسيلتين كنقش وفن يدوي في مناسبات الزواج والأعياد، حيث تفضي هذه النقوش إلى أجواء خاصة في نفوس النساء عامة». العصري والتقليدي في نقش الحناء لا تزال نساء الجيل القديم وبعض الأسر في المناطق الساحلية تتبع النمط التقليدي المتبع في وضع نقش الحناء، والذي يأخذ أشكالاً ونجوماً ونقاطاً تبدأ من مفرق شعر رأس المرأة حتى تصل إلى الأهداب «الحواجب»، ثم تبدأ برسم أشكال زينة جمالية من تحت الأنف حتى الشفاه العليا، ثم تبدأ خطوط الزينة الشبكية من الشفاه السفلى، مروراً بالمنطقة الواقعة تحت الذقن، بأنواع من نقشات الحناء والزينة والخطوط الهندسية والنقاط والزهرات والأشجار، كعادة اجتماعية متوارثة بعكس ما هو جارٍ عند الجيل الجديد اللاتي ينجذبن إلى آخر ما تصل إليه رسومات النقش الحديثة، فهذه المهنة الرقيقة والجميلة تعد مصدراً للدخل لا يستهان به عند المكتسبات رزقهن منه، سواء المنقشات في البيوت أو صالونات التجميل، فهي تعتبر جزءاً من ثقافات هذا الشعب الحضاري، وفنه الشعبي والتراثي، لها محبوها ومعجبوها، ويظل فن النقش بالحناء والخضاب عنصر مهماً من عناصر الجمال المكمل لبهاء وزينة المرأة، وهي موهبة فنية تختلف في المناطق الجنوبية الشرقية اليمنية عن المناطق الشمالية الغربية التي تخضع لتقاليد وخصوصيات تختلف فيما بينها في كيفية وطريقة النقش، لكن يتفق الجميع في المدن والقرى والساحل والجبال اليمنية، على أنه فن الزينة والجمال عند المرأة اليمنية. موروث شعبي وعُرف اجتماعي تجري العادة في اليمن على الإقبال على شراء واقتناء الحناء، لما لها من مكانه خاصة ومتميزة عند اليمنيين عموماً، فالرجل اليمني لا يمل هو الآخر من استخدام الحناء في التزيين والتطبيب برائحتها الطيبة الزكية، ويقدر كثيراً هذه النبتة، فيقوم بوضع مسحوق الحناء واستعماله كمرهم لعلاج صداع الرأس وإزالة القشرة، وكذلك لتشقق القدمين واليدين وعلاج الفطريات المختلفة، كما يستخدمه كصبغة لتلوين الشعر عند كبار السن لإخفاء الشعر الأبيض، كما الحال عند وضع الحناء لدى النساء اللاتي يقمن بإضافة بعض المواد كالكركدي والقهوة والليمون أو البنزين حتى يكتسب الشعر اللون البني الفاتح أو الداكن، لكي يظهر الاحمرار الهادئ الغاني، فالحناء لا يستخدم فقط للنقش والخضاب في الأعياد الدينية والمناسبات، فالمجتمع اليمني توارث استخدام الحناء عبر أجياله المتعاقبة، وما زال أفراده يستخدمونه على نطاق واسع في كل الأوقات والظروف، فخصصت مناسبات اجتماعية للقيام بطقوس الحناء والنقش، فالحفلات الخاصة بنقش الحناء موجودة في جميع المناطق، حيث تحرص الأسر على إقامة حفلة الحناء للعروس، وتشارك فيها عادة نساء الجيران والأقارب وصديقات العائلة وصديقات العروس، وتشهد هذه الحفلة طقوساً فرائحيه خاصة ومتميزة، حيث يتم نقش العروس وتخضيبها على إيقاعات الموسيقى والطرب وأصوات الأغاني الشعبية التراثية الخاصة بمثل هذه المناسبات، وقد تقام بمنزل العروس أو في صالة أفراح، وتقدم فيها وجبات العشاء، وتعلو أصوات زغاريد النساء المحتفلات ورقصاتهن، وبعض المناطق اليمنية، تتميز بهذا النوع من الحفلات، وتأخذ فيها طابعاً ولوناً متميزاً وفريداً في كثير من الجوانب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©