الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفتاة المسترجلة

الفتاة المسترجلة
26 ابريل 2008 22:23
لا أدري كيف انقلبت حياتي رأساً على عقب، فأصبحت وكأنني مصابة بمرض نفسي يقال عنه ''انفصام الشخصية'' كل ذلك حدث بسبب إحدى الصديقات سامحها الله، لقد أثرت على حياتي تأثيراً سلبياً أدى إلى وقوعي في المرض· عندما تعرفت عليها قبل سنتين كنت في الخامسة عشرة من عمري، أتمتع بشخصية جذابة مرحة، بسهولة أكسب محبة من حولي، ولكنني بنفس الوقت نكرة، لا أملك الجرأة والشجاعة للظهور وإثبات الذات مع أني كنت أرغب بذلك، إلا أن خجلي كان يمنعني من الظهور والمشاركة في الأنشطة اللاصفية· لم يكن لدي صديقات مقربات جداً، وكنت أتمنى بيني وبين نفسي أن تكون لي صديقة مقربة أجعلها كأختي، فصرت في حالة بحث دائم عن مثل هذه الإنسانة، وليتني لم أفعل، لأنني عندما وجدتها وقربتها إلى نفسي وأصبحت أعز علي من روحي، طعنتني طعنة قاتلة لا شفاء منها، للأسف فإنني قد أسأت الاختيار· كنت أعرفها من قبل ولكنني لم أكن قريبة منها، وقد شاءت الظروف أن تجلس بجانبي في الفصل الدراسي، وكانت تحاول أن تكسب صداقتي بأسلوب ذكي، هي فتاة بسيطة لا تملك أية مميزات، وهي ضعيفة البنية وغير قادرة على الدفاع عن نفسها، فكانت تلجأ إلي وتشعرني بالقوة والقدرة على التصدي للأخريات لأنني أملك جسداً قوياً لم أكن أعرف كيفية استخدامه من قبل· أصبحت تنفخ في القوة والجرأة عبر كلماتها ونظراتها المليئة بالإعجاب والتشجيع، فصرت بالتدريج (فتوتها) وهي كانت سعيدة وفرحة بي· الصدمة الأولى بعد أن توثقت صداقتنا، أوهمتني بأنني قد أصبحت أقرب الناس إليها، فوجئت بها وهي تخبرني بأنه قد تم عقد قرانها، فذهلت، كيف أكون صديقتها المقربة وهي لم تخبرني بأية تفاصيل عن خطوبتها، شعرت بطعنة شديدة لأنها استغفلتني طوال الوقت، ولأنني كنت أحكي لها كل صغيرة وكبيرة في حياتي، بينما كانت تخفي عني كل شيء عن حياتها الخاصة· مع كل ذلك فرحت من أجلها وغفرت لها غلطتها بعد أن اعتذرت مني مدعية أن الخطبة تمت بشكل مفاجئ، بعدها أصبحت تفتح لي قلبها وتحدثني عن مشاعرها وأحاسيسها تجاه خطيبها، وكنت سعيدة لأنها تثق بي، ولكني فوجئت بعد مدة من خطبتها بانقلابها علي، وصارت تتجاهلني ولا تتحدث معي ولا ترد على اتصالاتي، شعرت بأنها تتلاعب بي فأعرضت عنها، وصرت ألوم نفسي لأنني وثقت بها وقربتها من نفسي قبل أن أتأكد من صفاتها جيداً· تركتها لفترة من الزمن لعلها تفيق وتعود لصداقتي كسابق عهدها، ولكني أصبحت أسمع عدة أشياء تقال عني من وراء ظهري، تغيرت نظرات البنات نحوي وأنا لا أدري ماذا يحدث!!· لاحظت ابتعاد الكل عني، فتساءلت بيني وبين نفسي: ماذا يمكن أن تقول عني حتى أبعدت الكل؟ قررت مواجهتها فقلت لها: إذا كنت لا ترغبين بالتحدث معي فلا مشكلة، ولكن حذار أن تمسي سمعتي!· الغريب هو إنها صارت تصرخ أمام جميع البنات وتقول لي: لا أحد يحبك·· أنت كريهة·· أنت لست أنثى·· أنت شاذة، فوجئت بنظرات الكل تنصب نحوي·· دهشت تماماً، ما هذا الذي تقوله؟ وماذا تقصد بقولها؟ لقد حباني ربي بجسد قوي يشبه إلى حد ما جسد الأولاد، هذا صحيح، ولكني فتاة بمعنى الكلمة ولم يخطر ببالي أبداً أنني خالية من الأنوثة، لم أكن متضايقة من شكلي، ولكن تلطيخ سمعتي بهذا الشكل هو شيء فظيع، لم أكن أتوقعه من فتاة كنت أعتبرها طيبة وبريئة، وبلا سبب معقول، المشكلة الكبرى أن الجميع أصبحوا يرونني مسترجلة ''بويه'' وأصبحوا يحذرون مني· الموقف السلبي منذ ذلك اليوم صرت أكره البنات كلهن، أجدهن غبيات ولا يصلحن لصداقتي، لذلك وجدت متعة في معاملتهن بخشونة، وأصبحت أتعمد احراجهن، ولا أراعي شعور أي واحدة منهن، ثم صرت بالتدريج أجد لذة غريبة عندما أتسبب بإيذاء أي واحدة من زميلاتي، أعجبتني هذه الشخصية الجديدة التي أطلقت طاقاتي كلها، وبالتدريج زال خوفي وترددي وصرت أشترك بأنشطة رياضية في المدرسة وأصبحت شخصية معروفة· تطور هذا الشعور وأصبحت أتمنى بداخلي لو أنني استطيع مصادقة الشباب وأن أعيش بينهم، ألعب كرة القدم وأرفع الأثقال وأقود الدراجات، أتحدث مثلهم دون خوف ولا حرج، أضحك معهم بصوت مرتفع وأسهر إلى آخر الليل في المقاهي ودور السينما· تطورت حالتي حتى فوجئت بنفسي وأنا أنظر إلى إحدى زميلاتي نظرة مختلفة، حتى خافت البنت وهربت من نظراتي، شعرت بالخوف من نفسي، هل أنا شاذة؟ هل أنا كما يقولون؟ شعوري بالخوف يدمرني وأخذت أبكي بكاءً شديداً واستغفر ربي لهذه المشاعر الغريبة· وأصبحت أعيش مشكلة حقيقية، وهي تتفاقم بداخلي يوما بعد يوم، حتى كرهت نفسي، لأنني أشعر أن بداخلي شخصيتين، الأولى تكره الثانية، وهما في صراع دائم، الشخصية الأولى هي شخصية البنت اللطيفة المؤدبة والتي تخشى الله وتخافه في كل خطوة من خطواتها، خجولة وحساسة، أما الشخصية الأخرى، فهي شخصية شاذة معقدة تميل إلى تقليد الأولاد، خشنة وفظة لا تخشى أحداً ولا تخاف شيئاً· تظهر شخصيتي الأولى في المدرسة وفي الأماكن العامة وهي تسبب لي الإحراج، فالكل يأخذ عني نظرة خاطئة لأنهم يعتقدون بأنني شاذة، وهم يسمونني ''بويه''، لأنني فعلاً أستحق مثل هذه التسمية، بسبب تصرفاتي وأفعالي التي تشبه أفعال الشباب· الشخصية الثانية تنعكس علي في البيت مع أسرتي، فبمجرد أن أعود إلى البيت أتحول بشكل كامل إلى بنت لطيفة ومؤدبة ومطيعة، أقضي وقتي كله في الصلاة والذكر وقراءة القرآن، أساعد والدتي وأعين أخوتي وأخواتي، وكلهم أصغر مني· لا أدري ماذا يحدث لي·· فأنا مجرد فتاة مراهقة في السابعة عشرة من عمري، والدي رجل متدين، وهو لم يقصر معنا في شيء، وأمي إنسانة طيبة وحنونة، وهي ترعانا وتحرص علينا حرصاً كبيراً، كما تغمرنا بالحب والاهتمام والعناية· محاولة أخرى انتقلت فتاة جديدة إلى فصلنا، كانت تتحدث معي بلطف فأعجبت بأخلاقها ولطفها، وصرت أساعدها في الدروس وأنفذ كل ما تطلبه مني، أجلب لها العصير من المقصف وأذهب إلى الإدارة لمراجعة أوراق نقلها، وأتصل بها للاطمئنان عليها في البيت، وكنت سعيدة جداً بصداقتها، فجأة بدأت البنت بالنفور مني، بلا سبب واضح، فسألتها: لماذا تبتعدين عني؟ هل أسأت إليك؟ أجابتني: كلا لم تسيئي إلي ولكنني لم أكن أراك على حقيقتك حتى نبهتني البنات، فوجدت بأنهن على حق، فأنت غريبة الأطوار، أنظري إلى طريقة كلامك·· إلى مشيتك·· إلى نظراتك، كأنك رجل، هل تعرفين ماذا يسمونك في المدرسة؟ يسمونك ''بويه'' هل تعرفين معنى هذه الكلمة؟ إنهم يتهمونك بالشذوذ، هذه الصفة الذميمة التي يتقزز أي إنسان سوي منها، بصراحة·· مع إنني لم أجد في تصرفاتك معي ما يؤيد هذه الفكرة، إلا أنني أخاف على سمعتي من أن تتلوث بسببك، ثم تركتني ومضت· شعرت بالانسحاق، كرهت نفسي وكرهت الجميع وانغلقت على نفسي، أصبحت حزينة وكئيبة وهجرت كل أنشطتي التي كنت أشارك فيها· بدأت الكوابيس بالهجوم علي، فتحول ليلي إلى عذاب مستمر، أحياناً أرى نفسي قد تحولت إلى ولد فأكون سعيدة للغاية مع أصدقائي من الأولاد، ثم فجأة يكتشف أحد منهم بأنني أنثى فيخبر الباقين فيضحكون مني ويحاولون إيذائي فأهرب وأركض إلى البحر في محاولة لإغراق نفسي، فاستيقظ وأنا مفزوعة، أو أشاهد بأنني عدت لطبيعتي وصرت ألعب مع البنات وبالصدفة يكتشفن بأنني ولد فيفزعن ويصرخن صراخاً مخيفاً يشق رأسي· وساوس والأحلام كلها تنصب في هذا القالب وكأن بداخلي نصفين، الأول ذكر والآخر أنثى· كنت أشعر بأنني ازداد سوءاً يوماً بعد يوم، وأنا أعلم بأن الكل يتحدث عني، وأن نظراتهن كلها ذات معنى، فكنت أخشى أن أتصرف أي تصرف فيساء فهمي· الصديقة الحقيقية بعد دعائي وتوسلي إلى ربي لينقذني مما أنا فيه، ظهرت في حياتي صديقة جديدة، زميلة طيبة متدينة، الوحيدة التي لم تتخذ مني موقفاً سلبياً، حاولت جاهدة أن تتقرب إلي، ولكني كنت أتجاهلها، لأنني كنت متوقعة إنها تريد أن تنصحني لأنها تعتقد بأنني آثمة، بعد إلحاحها الشديد للتقرب مني أعطيتها الفرصة وأصبحنا صديقتين نتحدث ونذاكر دروسنا سوياً، ولم تكترث للقيل والقال من حولنا· ارتحت لهذه الصديقة وفتحت لها قلبي وحدثتها بكل أفكاري وكل ما مر بي، فصدقتني وأخبرتني بأنها تود مساعدتي بأي شكل، أعطتني بعض الكتب عن الأمراض النفسية لأتمكن من تشخيص حالتي، ثم طلبت مني مواصلة قراءة القرآن والدعاء لربي ليساعدني، ثم أرشدتني لجوانب شخصيتي التي تعكس ملامح الذكورة، ونصحتني بالابتعاد عنها، وأخبرتني بأن الله سبحانه وتعالى قد لعن المرأة المتشبهة بالرجال والرجل المتشبه بالنساء، وبالطبع فإن المقصود بهذا هو المظهر الخارجي للإنسان، اقتنعت بكل ما قالته وعزمت على أن أتغير بالتدريج· عجباً لهؤلاء الناس، فتلك الصديقة أوقعتني في الأمراض النفسية والسمعة السيئة، وهذه أعادتني إلى الحياة السوية، فيالصعوبة اختيار الصديقات·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©